قال الأكاديمي والمؤرخ البريطاني الشهير في جامعة أوكسفورد والمؤيد للقضية الفلسطينية آفي شليم، في مقال نشرته صحيفة “ميدل إيست آي”، إن “التظاهر بأن الإمارات العربية المتحدة، أبرمت اتفاق السلام مع الاحتلال، لتمكين الفلسطينيين من تحقيق أهدافهم، لهو النفاق بعينه”.
وأضاف شليم في المقال المترجم من عربي 21 أن “اتفاقية الإمارات مع إسرائيل تقوض فرص السلام الكلي، لأنها تتخلى عن مبدأ الأرض مقابل السلام لصالح السلام مقابل السلام”، مشيرا إلى أنه “بالماضي كان تأييد الحقوق الفلسطينية واحدا من النقاط القليلة التي تحظى بالإجماع بين الأنظمة العربية السلطوية وشعوبها”.
المقال:
في مؤتمر صحفي عقده داخل البيت الأبيض في الثالث عشر من أغسطس، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتباهٍ عن صفقة قال إنه ساعد في التوسط بها بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما.
وأشاد بها قائلا إنها “خطوة مهمة باتجاه بناء شرق أوسط أكثر سلاما وأمنا ورخاء”.
في تصريح للإعلاميين قال روبرت أوبريان، مستشار ترامب للأمن القومي، إن الصفقة ينبغي أن تضع الرئيس في مقدمة المرشحين لنيل جائزة نوبل للسلام.
إلا أن ردود الأفعال على الصفقة جاءت مختلطة. معظم الزعماء السياسيين في أوروبا رحبوا بها واعتبروها غاية في الأهمية وإنجازا تاريخيا. ووصفها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بالأخبار السارة جدا.
لا أرض مقابل السلام:
أما الرد الفلسطيني، في المقابل، فكان موحدا في عدائه لها، إذ ندد بالصفقة واصفا إياها بالخيانة للنضال الفلسطيني من أجل التحرير، بل واعتبرها طعنة في الظهر. الحياة الجديدة، الصحيفة اليومية التي تعتبر ناطقة باسم السلطة الوطنية الفلسطينية، وصفت الصفقة، بأحرف غاضبة حمراء، بالعدوان الثلاثي على حقوق الشعب الفلسطيني.
والعدوان الثلاثي هو الاسم الذي أطلقه العرب على المؤامرة الإنجليزية الفرنسية الإسرائيلية للهجوم على مصر في 1956. لم يشارك أي طرف عربي في العدوان على مصر في قناة السويس.
أما اليوم، فيتهم حكام الإمارات بالتواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة، في شن عدوان دبلوماسي على أشقائهم الفلسطينيين.
إن المبدأ الأساسي في الدبلوماسية العربية في الصراع مع إسرائيل هو “الأرض مقابل السلام”، ويعني أن إسرائيل تعيد الأرض العربية التي احتلتها في حرب يونيو 1967 مقابل السلام مع جيرانها. وذلك كان الأساس الذي قامت عليه معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل في 1979 ومعاهدة السلام الأردنية معها في 1994.
تقوض اتفاقية الإمارات العربية المتحدة مع إسرائيل فرص السلام الكلي لأنها تتخلى عن مبدأ الأرض مقابل السلام لصالح السلام مقابل السلام. فيما مضى كان تأييد الحقوق الفلسطينية واحدا من النقاط القليلة التي تحظى بالإجماع بين الأنظمة العربية السلطوية وشعوبها.
وهذا الإجماع متضمن في مبادرة السلام العربية التي نالت موافقة الجامعة العربية في عام 2002. تعرض المبادرة على إسرائيل السلام والتطبيع مع جميع الدول الأعضاء الاثنتين والعشرين في الجامعة العربية مقابل الموافقة على إقامة دولة فلسطينية مستقلة في قطاع غزة والضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية.
بمعنى آخر، كان الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة شرطاً للتطبيع مع بقية العالم الإسلامي.
لو أن خطة سلام كانت تستحق أن تسمى “صفقة القرن” لكانت تلك هي. إلا أن إسرائيل تجاهلتها لأنها فيما يتعلق بالفلسطينيين كانت تفضل الأرض على السلام. ما يقوله الاتفاق الجديد لإسرائيل، فعلياً، هو أن باستطاعتها تطبيع العلاقات مع دول الخليج دون إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية. ولقد رحبت كل من البحرين وسلطنة عمان بالحركة التي قامت بها الإمارات العربية المتحدة، ومن المحتمل أن يسيروا على خطاها في القريب.
أما المملكة العربية السعودية، صاحبة مبادرة السلام العربية لعام 2002، فقاومت الضغوط الأمريكية لكي توقع اتفاقا مشابها.
استبعد وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان إمكانية حدوث ذلك إلى أن يتم حل القضية الفلسطينية، وأكد على أن السلام مع الفلسطينيين ينبغي أن يتحقق مع إسرائيل كشرط مسبق لأي تطبيع للعلاقات. كما قال إن المملكة تبقى ملتزمة بالسلام مع إسرائيل بناء على مبادرة السلام العربية.
وقد ينجم عن مقاومة السعودية للضغوط الأمريكية إحجام دول خليجية أخرى مثل الكويت، التي ظلت رسميا صامتة حتى الآن، عن الاقتداء بالنموذج الإماراتي.
انتصار دبلوماسي
يزعم الإماراتيون أنهم إنما تصرفوا لمصلحة الفلسطينيين، وذلك من خلال إقناع إسرائيل بالتخلي عن خطتها للقيام رسميا بضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وهو زعم غير مقنع لأسباب عدة.
فأولا، وقبل كل شيء، لم يستشر الإماراتيون الفلسطينيين، بل ذهبوا دون علمهم للحديث مع العدو ثم استخدموهم غطاء ومبررا. وثانيا، لم تزل عملية ضم أراضي الضفة الغربية مستمرة طوال الثلاثة والخمسين عاما الماضية، ولا يملك الاتفاق فعل شيء من شأنه أن يوقف ذلك.
وثالثا، تشكل خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة ضم ما يقرب من ثلث أراضي الضفة الغربية، بما في ذلك التجمعات الاستيطانية ووادي الأردن، استيلاء غير قانوني على الأرض وتحركا من طرف واحد، ولا يستحق أن يكافأ على قراره تعليق تنفيذ الخطة إلى حين.
ورابعا، وافق نتنياهو فقط على تأجيل، وليس التخلي عن، خطته للقيام بالضم بشكل رسمي. ولا أدل على ذلك من أن نتنياهو، ومباشرة بعد الإعلان عن الاتفاق في البيت الأبيض، صرح بشكل لا لبس فيه للتلفزيون الإسرائيلي بأن الضم يبقى هدفا له على المدى البعيد.
ولذلك يمثل الاتفاق مع الإمارات نصرا دبلوماسيا كبيرا للزعيم الإسرائيلي اليميني.
فمنذ عقود، ما فتئ نتنياهو يجادل، ضد ما كان متعارفا عليه، ويقول إنه من الممكن تطبيع العلاقات مع الدول الخليجية بدون الحاجة إلى حل الصراع مع الفلسطينيين أولا.
حلفاء أقوياء:
وهذا ما يطلق عليه نتنياهو المقاربة من الخارج إلى الداخل: أي تطوير علاقات دبلوماسية واقتصادية واستراتيجية مع دول الخليج من أجل عزل وإضعاف الفلسطينيين وإجبارهم على تسوية الصراع بالشروط الإسرائيلية.
لا يعزى نجاح نتنياهو في هذه الحالة إلى قدراته على الإقناع بقدر ما يعزى إلى الديناميكيات المتبدلة إقليميا ودوليا. فالممالك الخليجية تشعر بشكل متزايد أنها مهددة من قبل إيران ووكلائها في البحرين واليمن والعراق وسوريا ولبنان، ولمواجهة هذا التهديد فإنهم بحاجة إلى حلفاء أقوياء.
أحد هؤلاء الحلفاء هو الرئيس ترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي الذي كان سلفه قد أبرمه مع إيران في 2015. والحليف الآخر هو نتنياهو الذي ما لبث يحرض بشراسة ضد إيران وطموحاتها النووية. نجم عن العوامل الجيوسياسية إعادة موضعة للقوى، ومن ذلك اجتماع إدارة ترامب مع حكومة نتنياهو وحكام الخليج في خندق واحد ضد إيران.
وبذلك تم في هذه العملية تهميش القضية الفلسطينية، لب الصراع العربي الإسرائيلي.
من شأن حكام الإمارات أن يسعوا إلى خدمة مصالحهم القومية الضيقة من خلال إخراج التعاون السري الذي كان قائما بينهم وبين إسرائيل لعقود إلى العلن. يمكن أن يبرر ذلك بكونه واقعية سياسية تقليدية: فإيران هي عدوهم وهم بحاجة إلى مساعدة إسرائيل لكي يتمكنوا من مواجهتها. أما التظاهر بأن الإمارات العربية المتحدة إنما أبرمت اتفاق السلام مع إسرائيل لتمكين الفلسطينيين من تحقيق أهدافهم فهو النفاق بعينه.
أطلق الوسطاء الأمريكيون على الصفقة الإماراتية الإسرائيلية “اتفاق إبراهيم”. وإبراهيم شخصية موقرة لدى أتباع جميع الأديان التوحيدية التي نشأت أصلاً في الشرق الأوسط – المسيحية والإسلام واليهودية – باعتباره رجل سلام. فمن خلال إطلاق اسم “أبي الأنبياء” على الصفقة، سعى الوسطاء إلى تصويرها كما لو كانت مساهمة في صنع السلام.
وهنا تبرز الهوة الشاسعة بين الكلام الإنشائي والواقع، فكما قال علي أبو نعمة، مؤسس الانتفاضة الإلكترونية، يقصد من إطلاق اسم إبراهيم على الاتفاق تجميل صفقة سياسية خسيسة الهدف منها النيل من حقوق الفلسطينيين، وكما لو كانت إنجازاً رفيعاً للتفاهم بين الأديان”.