نشرت صحيفة التايمز تقريرا قالت فيه إن مهربي البشر يملؤون قوارب الصيد بما يصل إلى 600 مصري في خلجان مخفية بالقرب من طبرق في ليبيا، ويوجهونهم نحو إيطاليا، متسببين بالتشويش على حملة روما القمعية للهجرة.
انتُخبت رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، في سبتمبر، على خلفية تعهد بإنهاء تدفق المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط من شمال أفريقيا. فشنت حربا على سفن الإنقاذ الخيرية التي كانت تنتشل المهاجرين من القوارب بعد مغادرتها الشواطئ بالقرب من طرابلس في غرب ليبيا.
ومع ذلك، يواجه المسؤولون الإيطاليون الآن عددا متزايدا من قوارب الصيد المحملة تحميلا خطيرا، وتتجه مباشرة نحو بلادهم من الطرف الآخر لليبيا، بالقرب من الحدود المصرية، ويضطرون للتدخل لتجنب مأساة.
خلال إحدى عمليات الإنقاذ التي أجرتها سفن الإنقاذ التابعة للحكومة الإيطالية في 26 أكتوبر، تم انتشال 1157 مهاجرا من زورقي صيد مبحرين من طبرق في نفس الوقت.
قال موريس ستيرل، عامل في منظمة ألارم فون، وهي منظمة تستقبل مكالمات الاستغاثة من قوارب المهاجرين: “بدأ رحيل القوارب الكبيرة من شرق ليبيا يتزايد، خاصة منذ أواخر أكتوبر”.
قالت منظمة ألارم فون، التي تتلقى مكالمات من السفن، إن ثمانية قوارب صيد على الأقل توجهت إلى إيطاليا من طبرق في شرق ليبيا بين نهاية تشرين الأول/ أكتوبر والأسبوع الماضي، وعلى متنها نحو 2800 مهاجر.
جرى اعتراض قارب آخر من طبرق، الأحد، وعلى متنه أكثر من 500 شخص، حسبما أفاد الصحفي في راديو راديكال سيرجيو سكاندورو، الاثنين. ووصل ما لا يقل عن تسعة قوارب في أقل من شهر من طبرق مقارنة بسبعة قوارب تحمل 1000 مهاجر في الأشهر العشرة بين يناير وأكتوبر من العام الماضي.
لم تنشر الحكومة الإيطالية بيانات عام 2022 عن الأماكن التي أبحر منها المهاجرون، لكن أحد عمال الإغاثة، الذي رفض ذكر اسمه، قال لصحيفة التايمز إن عمليات الإبحار الأخيرة من شرق ليبيا تضيف إلى 6000 مهاجر أو نحو ذلك ممن أبحروا من المنطقة في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام.
هذه شريحة صغيرة من إجمالي حوالي 40 ألف مهاجر وصلوا إلى إيطاليا من ليبيا خلال تلك الفترة، حيث غادر غالبيتهم بالقرب من طرابلس، لكن الزيادة في الشرق تطرح أسئلة عاجلة حول العوامل التي تدفع إلى المغادرة هناك.
قدم عمال الإغاثة إجابة واحدة محتملة. ويقولون إن القيود المفروضة على الصيد التي فرضتها السلطات حول طبرق ربما تكون أقنعت الصيادين ببيع قواربهم إلى تجار البشر. عامل آخر هو الاقتصاد المصري المتعثر، ما يعني أن المصريين يأخذون غالبية المواقع على قوارب الصيد.
وقال جلال حرشاوي، المتخصص في الشؤون الليبية الزميل المشارك في معهد رويال يونايتد للخدمات البحثية: “لطالما سمح شرق ليبيا للمصريين بعبور الحدود للعمل. لكن هذا التدفق زاد هذا العام، وستحاول نسبة منهم حتما الوصول إلى أوروبا”.
من بين 93629 مهاجرا وصلوا إلى إيطاليا هذا العام، يشكل المصريون أكبر مجموعة، 19113، أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الوافدين المصريين بحلول هذا الوقت من العام الماضي.
من إجمالي عدد الوافدين هذا العام، وصل 6400 -أكثر من الثلث- منذ 21 سبتمبر. احتل التونسيون المركز الثاني هذا العام، حيث شكلوا أكثر من 17000 وافد، لكن 3259 فقط وصلوا منذ 21 سبتمبر، أي نصف عدد المصريين.
لطالما أرسل الآباء المصريون أطفالهم إلى إيطاليا، مع العلم أن القانون الإيطالي يمنع إعادة القصّر غير المصحوبين بذويهم إلى أوطانهم. لكن أحد عمال الإغاثة قال إن البالغين هذا العام كانوا الأغلبية.
قد تلعب السياسة دورا أيضا. بعد أكثر من عقد من انتفاضة 2011 التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي، تنقسم ليبيا بين قوى متناحرة في الشرق والغرب. تواجه حكومة برعاية الأمم المتحدة في طرابلس برلمانا في طبرق يدعمه الجنرال القوي خليفة حفتر، الذي فشلت حملته العسكرية في احتلال طرابلس في عام 2019.
نظرا إلى أن الحالة الصحية السيئة تدفع حفتر إلى قضاء بعض الوقت في الخارج للحصول على الرعاية الطبية، فقد فوض المزيد من السلطة لأبنائه الثلاثة، لا سيما صدام، الذي كان له الدور الأبرز في العمليات العسكرية.
قال حرشاوي: “هذا الشهر فقط، شنت إحدى وحداته هجوما على خلية تابعة لداعش في الصحراء الليبية، حيث تعتبره الولايات المتحدة شريكا مهما في مكافحة الإرهاب.. وعندما يدرك الممثلون أنهم يمتلكون هذا النوع من المكانة في نظر واشنطن، فإن ثقتهم بأنفسهم غالبا ما تتعزز”.
وقال المحلل إن النفوذ العسكري لتحالف حفتر تضرر مؤخرا، عندما استولت عملية بحرية تابعة للاتحاد الأوروبي جرى تشكيلها في عام 2020 لفرض حظر أسلحة تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا، على شحنتين من المركبات المدرعة مرسلة من الشرق الأوسط.
وقال: “إن غض الطرف عن المهاجرين المغادرين إلى إيطاليا قد يكون وسيلة لسلطات شرق ليبيا لتحقيق نفوذ في مواجهة الاتحاد الأوروبي”.
نفى جوزيبي دينتيس، المحلل في روما، تقارير في وسائل الإعلام الإيطالية بأن عملاء من مجموعة فاغنر الروسية، الذين قيل إنهم يدعمون حفتر في شرق ليبيا، قد تورطوا في تهريب المهاجرين.
قال دينتيس، رئيس برامج الشرق الأوسط في مركز الأبحاث CESI: “إنهم ليسوا في طبرق، بل في الداخل”. وأضاف أن التهريب قد يكون بدلا من ذلك تحت سيطرة الجماعات الإجرامية التي تعرف أن السلطات ستغض النظر.
وقال: “هي مجرد توقعات، لكن التهريب يساعد أيضا في إرسال رسالة “نحن بحاجة إلى المال والدعم” لحلفاء حفتر، بما في ذلك مصر والإمارات وروسيا”.