شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

بين عالمين – خديجة الزغيمي

بين عالمين – خديجة الزغيمي
  استقبلنا معبر باب السلامة بأصوات وعبير وزهور الربيع صباحا، وودعنا بهدير القصف مساء.  

 

استقبلنا معبر باب السلامة بأصوات وعبير وزهور الربيع صباحا، وودعنا بهدير القصف مساء.

 

أخذت أتساءل في نفسي وأنا أقف بانتظار دوري للعبور إلى سوريا، وصديقتي تطلب مني أن أصورها مع أزهار الربيع التي جمعتها، بينما نقف في الظل، نشاهد اللوحات التي يرسمها ظل أوراق الأشجار على الأرض، ونستمع إلى شدو الطيور، كيف يمكن لهذا المكان أن يكون معبرا إلى الجحيم؟ كيف يمكن لهذا الهدوء أن يخبئ تحته كل هذا القدر من الآلام والمعاناة؟

 

 

ذهب خيالي إلى أزمنة أخرى، لم يكن يعلو بها في هذا المكان بهذا الفصل من العام سوى صوت الربيع، ربيع يستمتع به الناس دون منغصات، وهدوء حقيقي، ينتشر في أرجاء الروح فيحتويها، دون أن يدع مجالا لخوف أو لقلق. ترى متى سيعود هذا الربيع؟ متى سيسود الهدوء الحقيقي ثانية؟ هل سيحدث هذا في يوم ما؟

 

 

عبرنا إلى سوريا، شاهدنا خلال يوم كامل متناقضات الحياة والموت. الحقول مترامية الأطراف، بمحاصيلها التي اقترب وقت حصادها، والأشجار الخضراء التي بدأت ثمارها في الظهور، وزهور الربيع المتفتحة في كل مكان، وهدوء الريف. فوضى المخيمات، الأمل الذي يتيه في دروبها غير المنتظمة، وتقابله أحيانا دون أن تتوقع، في شباب يلعب الكرة، أو فتاة تكتب الشعر، أو أطفال يرفعون شارات النصر. دمار المدن والقرى، وصمتها الذي لا يشعرك بالهدوء، وإنما بالخراب. الوجوه التي تحمل شفاهها الابتسامة، في الوقت الذي يملأ القلق والترقب أعينها، والوجوه الأخرى التي استسلمت لراحة اليأس.

 

 

يوم كامل تنازعتنا فيه المشاعر، جلدنا فيه الناس الذين فقدوا كل أمل في العالمين، وتوجهوا فقط لربهم، وجلدنا أنفسنا مع كل ملمح دمار تقع أعيننا عليه. عدنا مثقلين، مهدلة أكتافنا تحت وطأة المسؤولية التي لا نعرف بعد على وجه اليقين كيف سنؤديها.

 

 

في تلك المنطقة الفاصلة بين عالمين، ونحن عائدون إلى عالم نعرف أنه لن يعود بالنسبة لنا أبدا كما كان، كأنما أراد العالم الذي نحن على وشك مغادرته أن يثبت لنا حضوره، وأن يذكرنا أنه سيبقى حيا فينا حتى وإن عاشت أجسادنا في عالمنا الآخر المألوف، بدأت سيمفونية الجحيم،بأصواتها وأنوارها، عشرات القذائف تتوالى تباعا، نراها بأعيننا، وتبدو لنا لوهلة أنها قادمة باتجاهنا، ثم لا نلبث أن نسمع أصواتها وهي تنقض في مكان ما من ذاك العالم، وتكاد أعيننا ترى القتل والدمار الذي ستخلفه. أبت أصوات الجحيم إلا أن ترافقنا إلى بوابة عالمنا، لترينا أنها باقية مالم نفعل نحن شيئا ما لإيقافها.

ممر بين عالمين 

 

كانت هناك حياة 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023