أصر د.عبد المنعم أبوالفتوح، ذو التاريخ المشرف، أن يضع نفسه في المنطقة الرمادية منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، فبعد أن ظل عضوا بجماعة الإخوان المسلمين لسنوات طويلة ترك بها بصمة من الصعب محوها إلا أنه آثر أن يخرج على قرار الجماعة بعدم ترشيح أحد من أعضائها في الانتخابات الرئاسية، وبترشحه لم يزد الثورة إلا انقساما لمساهمته في تفتيت الأصوات بين مرشحي الثورة (لا نبريء طرفا من المساهمة في هذا الانقسام)، ثم بعد ذلك أعلن أن حزبه سينزل إلى ميدان التحرير تلبية لدعوة حركة "تمرد" للمطالبة
بانتخابات رئاسية مبكرة، وبعد الانقلاب يوم 3 يوليو الماضي أعلن أن ما حدث "انقلاب".
اليوم د.عبد المنعم أبوالفتوح طرح مبادرة لتشكيل ما أسماها بـ "الكتلة التاريخية" تضم كل الأطراف والأيدولوجيات المتصارعة كمصالحة وطنية حقيقية بين الأطراف الثورية تمثل آخر فرصة لمحاولة الوقوف أمام الديكتاتورية الجديدة الناشئة في مصر.
قد يصدق د.أبوالفتوح في نيته، إلا أن بوصلته السياسية ربما تكون خارج نطاق الزمن.
يقول د.أبوالفتوح في مقاله الذي نشرته جريدة "الشروق" اليوم :"الآن تأتي الأهمية القصوى لطرح فكرة (الكتلة التاريخية) التي بشر بها المستشار طارق البشري، التي تتنوع في أفكارها وتحيزاتها الأيديولوجية دون تصارع، بل وتتحد على هدف واضح ومحدد وهو الدفع بالثورة إلى الاستمرار حتى الاكتمال؛ نتائج وأهدافا".
أضاف :"لن نخترع العجلة من جديد ففكرة (الكتلة التاريخية) بأشكال عديدة من المسميات التي طرحت من قبل بواسطة العديد من المفكرين والناشطين السياسيين والجماعات والأحزاب، حركة كفاية مثلا وحركة ضمير الآن كلها تتفق على حد أدنى من الاختلاف وحدود مشتركة وكثيرة من التفاهم والاتفاق، كلها تتعلق بفكرة الإرادة الوطنية العامة، والأهداف الوطنية الكبرى التي تحقق للشعب حقوقه ومطالبه".
ولفت في مقالته إلى أن :"الشيطان سيكون في التفاصيل كما يقولون؛ لكن قيام هذه (الكتلة تاريخية) أصبح ضرورة قصوى قبل أن تدخل البلاد في حالة من الفراغ، ثم السقوط ( السياسي) في هاوية الاستبداد والتسلط والديكتاتورية الحادة، وتضيع فرصة تاريخية عظمى لقيام الوطن كما ينبغي أن تكون قامته بين الأوطان، استنادا لموقع وموضع وتاريخ وشعب وحضارة".
وقال أبوالفتوح أن :"مفهوم (الكتلة التاريخية) يؤجل، ولو قليلا، التفكير في الواقع الحزبي بقدر ما، وأيضا تأجيل الخلاف والصراع الفكري والسياسي بقدر ما، وهو الصراع الذي لا يرتبط في حقيقة الأمر بالواقع العملي الأهم والأخطر على مستوى الشعور بأولويات الثورة وأهدافها، وإن شئنا دقة أكثر لقلنا إنه صراع مستورد إما من الماضي..!! وإما من حاضر لا علاقة له بحاضرنا!!، ومن ثم فخطورته على الوعي السياسي والعملية السياسية تأثر ضار وهادم للغاية، وسيعوق التفكير الجاد في مشكلات الواقع الحقيقية والواقعية التي نعانيها جميعا".
وأوضح أن المشاكل التي نعانيها :"هي مشاكل تتجاوز مستوى من مثل مستويات صراع السلفي ضد الليبرالي واليساري ضد الإسلامي .. إلى مستوى أخطر كثيرا كثيرا، إنه ببساطة، مستوى صراع جميع هذه الأيديولوجيات والأفكار ضد الاستبداد والتسلط والفساد داخليا وخارجيا .. ضد ارتهان القرار الوطني لغير صالح الوطن والشعب، ضد نهب خيرات الوطن وعرقلة المشروع الوطني والحضاري، ولا يمكن مواجهة هذه التحديات الخطيرة جدا إلا عبر (كتلة تاريخية) تجمع كل الخبرات والكفاءات بمختلف انتماءاتها الأيديولوجية والسياسية لبلورة الأهداف الكبرى لثورتنا في صورة مشروعات اجتماعية وسياسية واضحة تخدم مصالح مصر ثم مصر ثم مصر".
وقال أبوالفتوح إن :"الدعوة إلى (الكتلة التاريخية) ليست حلا نهائيا لمسألة الصراع السياسي والفكري، لكنه ترتيب لأولويات السير للأمام والتقدم الحقيقي، نحو المستقبل الذي ننشده وتحلم به الأجيال التي نتحمل مسئولية حاضرها، وهذا الترتيب يجب أن يكون على المستوى الشعبي أيضا، كما على مستوى النخب، والتي أثبتت بكل أسف أنها ليست على مستوى المسئولية التاريخية في تحمل الأمانة في شأن كشأن الثورة وفي مصلحة عليا كمصلحة الوطن".
هذه هي دعوة د.عبد المنعم أبوالفتوح التي تأتي في "الوقت الضائع" نظرا لأن التصدعات في البنيان الثوري قد فاقت حد الإصلاح والتلاحم، فمن سيستمع له ويستجيب لدعوته؟؟.