أنهت ثورة يناير المجيدة الزواج غير الشرعى بين رجال الأعمال والسلطة، وكما قال الدكتور سمير رضوان، وزير المالية الأسبق، إن القطاع الخاص إذا كان يريد الاستمرار فى العمل، فلابد أن يكون ذلك ضمن ضوابط ورقابة، وبعيدا عن استغلال السياسة.
غير أن الانقلاب بدأ يعيد للوجهة عدد من رجال الأعمال الذين كانوا سببا رئيسيا في الثورة مضافا إليهم وجوه جديدة تخلط بين أعمالها ومصالحها والسياسة الحالية .
رجال أعمال مبارك يباركون 30 يونيو
كشفت صحيفة الأخبار، اليوم قيام رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة رئيس مجلس إدارة شركة "حديد المصريين"، بشراء صفحتين بجريدة التايمز البريطانية كبرى الصحف الإنجليزية، للدفاع عن أحداث30 يونيو وذلك كما تدعي الصحيفة ضد الأكاذيب التى يروجها تنظيم الإخوان "الإرهابى" فى وسائل الإعلام الأجنبية.
وأوضحت الجريدة أن الصفحات التى قام رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة بشرائها، أتاح من خلالها لكبار الكتاب المصريين عبر صفحات "التايمز البريطانية"، الدفاع عن ما تدعيه الموقف الحقيقى داخل مصر، مضيفة أن هذه الخطوة تكشف عن مدى غيرة "أبو هشيمة" الحقيقة على بلده مصر وسمعتها فى المحافل الدولية!
ليس بالأمر الشاذ أن يساند مجموعة من رجال الأعمال أحزابا أو مرشحين فهي سياسة بكل الديمقراطيات لكن الخطير هو أن يتحول دعم أصحاب الأعمال لمرشحين لفرض سياسات معينة تخدم مصالحهم وأعمالهم بالداخل والخارج .
قال رجل الأعمال محمد فريد خميس، بالأمس إنه سيتبرع بـ٣٠ مليونًا لصندوق دعم مصر حال إعلان الفريق أول عبد الفتاح السيسى "قائد الانقلاب" ترشحه للرئاسة، لأنه علي حد وصفه الأمل فى التقدم والتطور الذى تستحقه مصر! .
وأضاف خميس خلال مشاركته فى إطلاق فعاليات الصندوق اليوم الأربعاء، أنه لأول مرة يشعر بجدية مشروع يفيد المحتاجين فى مصر.
بدوره زعم رجل الأعمال نجيب ساويرس في تصريات له يوليو 2012 إن عائلته تخطط لضخ استثمارات جديدة بمليارات الدولارات في مجالي الصناعة والسياحة، وذللك بعد "الانقلاب العسكري".
وأضاف، في مداخلة هاتفية مع قناة العربية أن العائلة لاتزال أكبر مستثمر في مصر ولديها مصانع عاملة بمجالات الأسمدة والأسمنت والاستثمار العقاري والاتصالات.
وطالب بوقف العمل بنظرية منع السفر لرجال الأعمال، وإعادة العلاقات الاقتصادية مع السعودية والإمارات والكويت التي وقفت مع مصر في الفترة الأخيرة! .
يذكر أن هذه الدول قدمت لمصر فور الانقلاب 13مليار دولار 6 مليار منهم بصورة سلع بترولية والباقى سيولة نقدية وضعت بالاحتياطي النقدي بالمركزي وهو تصرف لم يسبق أن عرضته أو قدمته فترة حكم الرئيس مرسي.
الانقلاب يتصالح مع رجال أعمال الهاربين
فى خطوة عدها عدد من الخبراء الإقتصاديون مرحلة للتصالح مع رجال أعمال مبارك قال السفير هاني صلاح، المتحدث باسم مجلس الوزراء، مخاطبًا حسين سالم، رجل الأعمال الهارب في إسبانيا، إن مصر بعد «30 يونيو» مفتوحة على أي مبادرات وتوجهات من رجال الأعمال لإعادة الأمور لنصابها! مضيفا أن الحكومة ليس لديها موقف ضد حسين سالم، ولكن تنتظر الأحكام القضائية المتعلقة برجل الأعمال، مشيرًا إلى أن الحكومة الحالية لم تُجرِ حوارات من قبل مع حسين سالم.
الجدير بالذكر أن رجل الأعمال الهارب حسين سالم أقرب رجال المال لمبارك متهم بالاستيلاء على المال العام وتسهيل تصدير الغاز لإسرائيل بسعر أقل من قيمته من خلال إحدى شركاته وفي مايو 2012عرض سالم التنازل عن 75%من ثروته وهو ما كان يفحصه النائب العام المستشار طلعت عبدالله وقتها .
واشنطن بوست:عودة ظهور طبقة رجال أعمال مبارك
تحدثت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية في مقال لها بمنتصف يناير الجاري عن عودة طبقة رجال الأعمال التى كانت موجودة فى مصر قبل ثورة 25 يناير، وقالت إن الطبقة السياسية والاقتصادية التى كانت متحالفة مع نظام المخلوع مبارك، يضخ مليارات الدولارات فى استثمارات ومساعدات من حكومات دول الخليج ومجموعة رجال الأعمال التى أيدت الانقلاب ، والحملة التى تبعتها ضد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.
والآن، فإن الحكومة تسخر الأموال لتعزيز النمو، الذى كانت نسبته 2% فقط فى عام 2013، من خلال حزمة من الحوافز بعدة مليارات دولار، إلا أن تجدد النخبة الثرية التى كانت قائمة فى فترة حكم مبارك يثير المخاوف من أنها ستعود لترأس النظام الاقتصادى الذى شجع على المحسوبية والظلم الصارم الذى كان أحد أسباب اندلاع ثورة 25 يناير، على الرغم من التوسع الاقتصادى فى السنوات الأخيرة من حكم المخلوع.
وأشارت إلى أن خلط البزنس بالسياسية، غالبا على حساب الشعب الذى يظل محاصرا فى حالة من الفقر المدقع، عزز استياء واسع النطاق من النظام السلطوى الذى ظل مستمرا على مدار عقود فى مصر، والآن فإن بعض رجال الأعمال والمسئولين المتورطين فى تحقيقات فساد فى فترة ما بعد الثورة، يعودون مرة أخرى إلى مواقع القوة والنفوذ، ومنهم أعضاء فى حكومة ما بعد محمد مرسى.
وقال تامر وجيه، الباحث الاقتصادى للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن نخبة رجال الأعمال تستعيد قوتها، والنظام يمنحهم مهلة للعمل.
ويضيف أن بعض كبار رجال الأعمال من أصدقاء مبارك كانوا مستعدين للعمل مع إدارة الرئيس محمد مرسى والعكس صحيح.
لكن كان هناك على الأقل محاولة عامة من الدولة لمتابعة الإجراءات القانونية ضد بعض رجال لأعمال. أما الآن، فإن العودة السريعة للنخب إلى القمة تعزز شعورا بأن هذا الموقف تكرر من قبل والذى يسود مصر، ويضعف الأمل بأن الاقتصاد المتدهور سيتحسن قريبا.
ويقول وجيه إن نخبة رجال الأعمال متحالفون الآن مع هذا النظام ويشعرون بالسعادة والأمان مجددا.
وتحدثت الصحيفة عن أسماء محددة، فقالت مثلا إن الرئيس التنفيذى لشركة المقاولون العرب الذى عينه مبارك، وهى الشركة التى يتهم موظفوها بمساعدة المخلوع ونجليه على تبديد الأموال العامة، يتولى منصب وزير الإسكان والتنمية الحضرية. ووزير البترول شريف إسماعيل، غير المتهم بالفساد ظل حتى الشهر الماضى يحتفظ بمنصبه كرئيس مجلس إدارة شركة جنوب الوادى القابضة للبترول.
وخارج الحكومة، فإن حسن هيكل، الذى استقال من مجموعة هيرمس للعمل كمستشار للحكومة فى السياسة المالية والاقتصادية يواجه اتهامات أيضا. والملياردير نجيب ساويرس الذى أعلن تأييده لحركة تمرد قال إنه ينوى استثمار مليار دولار فى الاقتصاد مع إجراء الانتخابات. وارتفع أسهم شركته أوراسكوم الأسبوع الماضى لأعلى مستوى لها منذ يوليو 2012، بعد تقارير عن تمرير الدستور باكتساح.
وتقول فرح حليم، الباحث السابق بمجلس لعلاقات لخارجية الأوروبى، إن من كانوا يعاقبون فى عهد مرسى، يعودون الآن، وأضافت أننا فى حاجة للحديث عن الإصلاح وإلا فإننا سنعود على الوضع الذى كنا فيه قبل عامين ونصف.
طلاق السلطة ورأس المال الأهم لاستعادة الاقتصاد عافيته
تمثل ملاحقة الفساد ومطاردة رموزه، وبدء مرحلة تفكيك دولة رجال الأعمال، وإعلان طلاق رأس المال والسلطة- هى الخطوة الأهم لاستعادة الاقتصاد المصرى عافيته وتعويض الخسائر خلال الفترة الحالية. دفع الاقتصاد ثمنا قاسيا ومؤلما، ولكنه متوقع فى ظروف ثورة تغيير شاملة قامت للقضاء على الفساد، واحتكار رأس المال للسلطة والنفوذ فى البلاد.
حجم الخسائر الذى كان يتكبدها سنويا الاقتصاد المصرى بسبب الفساد -حسب تقارير دولية- تراوح ما بين 50 و100 مليار جنيه سنويا، واحتكرت حوالى 250 عائلة فى مصر النسبة الأكبر من الثروة وعائد التنمية، فيما بقى أكثر من 40 بالمائة من أفراد المجتمع يعيشون تحت خط الفقر، حيث لم يتجاوز الدخل اليومى لهم دولارا واحدا، واتسع نطاق البطالة ليصل إلى نحو 10 بالمائة، حسب البيانات الرسمية، رغم التشكيك فى النسبة التى قدرها خبراء اقتصاديون بنحو 15 بالمائة.
نشأت أخطر ظاهرة فى الحياة السياسية فى مصر، وهى دخول رجال الأعمال إلى مجلس الشعب منذ انتخابات 1995، وبدأت عناصر الثروة تنتبه إلى أهمية السلطة فى حماية المال، وبالتالى النفوذ فى تحقيق المصالح الشخصية، وهو المرض الذى أصاب الحياة السياسية والتشريعية فى مقتل، حيث تشكلت ملامح دولة رجال الأعمال على استحياء.
استمرت رحلة الزواج بين رأس المال والسلطة بعد ذلك فى انتخابات 2000 و2005، حيث بلغ عدد رجال الأعمال فيها 17 رجل أعمال، منهم طارق طلعت مصطفى رئيس لجنة الإسكان، وأحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة، ومحمد أبو العينين رئيس لجنة الصناعة والطاقة والمرشح لمنصب وكيل مجلس الشعب عن الفئات، بعد أن أصبح رئيسا للبرلمان اليورومتوسطى.
الظاهرة الأخطر فى رحلة الزواج بين رجال الأعمال والسلطة والنفوذ كانت مع تأسيس أمانة السياسات فى الحزب الوطنى، قبل انتخابات الرئاسة الأخيرة فى 2005 برئاسة جمال مبارك نجل الرئيس، والتفاف عدد كبير من رجال الأعمال حوله، وانضمام عدد كبير منهم إلى أمانة السياسات التى كانت إيذانا بمرحلة سيطرة دولة رجال الأعمال على الحكم سياسيا واقتصاديا، فلجنة السياسات أصبحت المتحكمة فى كل قرارات الدولة، وأى قرار لابد أن يمر عليها، فكانت بمثابة المطبخ السياسى الذى يدير كل شىء فى مصر.
هدد زواج رأس المال والسلطة، والذى وصفه البعض بزواج المتعة الحرام، مؤسسات الدولة، وحاولت رموزه إحالة كل شىء إلى «أملاك خاصة» وتوظيف القرارات والقوانين لصالحه، فنشأ الفساد فى مفاصل الدولة، وكشفت التقارير عن 70 ألف قضية فساد فى مصر سنويا، وأظهرت تقارير دولية مختلفة تأخر ترتيب مصر فى مؤشرات عديدة لقياس النمو الاقتصادى، ففى 26 سبتمبر 2009 جاء ترتيب مصر 115 على مستوى 180 دولة فى العالم، متراجعا عن عام 2007 والذى كان 105، وعام 2006 والذى كان 70، كما تورط عدة وزراء وعدد من المسؤولين الحكوميين فى الدولة فى عمليات فساد كبيرة.
مليارات مهدة بسبب الفساد المالي
ويفيد تقرير لـ«مركز الأرض لحقوق الإنسان» بأن أكثر من 39 مليار جنيه أهدرت فى الآونة الأخيرة على خزانة الدولة بسبب الفساد المالى والإدارى فى الحكومة المصرية، بالإضافة إلى أن هناك خسائر قدرت بحوالى 231 مليون دولار فى العام الماضى بسبب تصدير الغاز الطبيعى إلى إسرائيل.
وتحت حماية الحزب الوطنى ورجال الأعمال أسقطت الأغلبية 3 استجوابات تتهم الحكومة بالفساد وإهدار 80 مليار جنيه فى مشروعات أبوطرطور، والغزل والنسيج، والكهرباء فى مارس 2010.
أضاعت سيطرة دولة رجال الأعمال هيبة المنظومة الرقابية فى مصر التى كان من المفترض أن تحارب الفساد، وتحد منه وتعاقب الفاسدين طبقا لنصوص القانون.
فهل تكون هذه التصريحات بعد الانقلاب من عدد من رجال الأعمال بداية من جديد لعودة تزاوج السلطة بالمال واستمرار تحكم مجموعة رجال أعمال بالتحكم بالاقتصاد المصري لخدمة مصالحهم وتطوير أعمالهم؟