شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

كيف نخرج الثورة من مأزقها الاستراتيجي؟-أبو يعرب المرزوقي

كيف نخرج الثورة من مأزقها الاستراتيجي؟-أبو يعرب المرزوقي
من حسن الحظ أن مصادفات التاريخ شاءت أن تثبت للمسلمين فشل الفصام الذي آل إليه وضع استراتيجية التحرير...

من حسن الحظ أن مصادفات التاريخ شاءت أن تثبت للمسلمين فشل الفصام الذي آل إليه وضع استراتيجية التحرير الإسلامية. فهي قد جسدته في مقابلة نموذجية يمكن تسميتها بالمقابلة "فتح-حماس" حيث يحاصر كلا الخيارين السلمي والحربي من قبل استراتيجة العدو الجامعة بين الجزرة والعصا في آن:

 

أحدهما بالابتزاز والتبعية التي تمثل الجزرة.

 

والثاني يحاصر بالقتل والتشريد التي تمثل العصا.

 

وبذلك فالعدو لم يعد مضطرا للمراوحة بين الجزرة والعصا، بل هو يستعملهما كليهما في آن بعد أن جعل الطامعين في الجزرة والخاضعين للعصا في حرب داخلية بين خيارين لا معنى للفصل بينهما إلا الدلالة على غباء صاحبيهما، وفقدان القيادة الموحدة لمعركة سياسية هي بالجوهر سياسة حارة (الحرب) سياسية باردة (السلم).

 

هذه الوضعية النموذج في المقاومة الفلسطينية صارت بنية كلية لاستراتيجية التحرير الإسلامية في الحركات المقاتلة بصورة فوضوية عديمة الرؤية السياسية وفي الحركات المشاركة في السياسة بصورة فوضوية عديمة الشوكة. وتلك هي السمة الغالبة على عقمهما وفساد فكرهما إذا تجمدت الاستراتيجية في الحالتين في هذا المستوى ولم تتجاوزه باعتباره مرحلة لا بد من الانتقال إلى ما يجعلها ذات دلالة على حيوية الأمة بدلا من أن تكون علامة جمودها:

 

1- فالإسلاميون الموصوفون بالاعتدال لأنهم يريدون انتهاج المقاومة السلمية والمصالحة مع الغرب جعلوا أنفسهم منزوعي الشوكة ما مكن الغرب من وضعهم الغرب في وضعيه الابتزاز الدائم، ليطالبهم بأكثر مما يطالب الأنظمة التي ثار عليها الشعب بحيث إنه يخيرهم بين العمالة المطلقة أو ضمهم إلى الصنف الثاني، الذي اختار نهج المقاومة المسلحة والذي يطالبهم بأن يحاربوه معه حتى يرضى عنهم: إنهم يفرض عليهم الخيار الذي فرضه على فتح.

 

2-والإسلاميون الموصوفون بالإرهاب والتكفير لأنهم يريدون انتهاج المقاومة المسلحة، ويرفضون المصالحة المغشوشة مع الغرب جعلوا أنفسهم عديمي الرؤية القدرة الدبلوماسية والخطاب الموجه لرأي العدو العام ما مكن الغرب بأن يضعهم في وضعية المحاصرة الدائمة ليطالبهم بأن يصبحوا مثل فتح قبولا بشروطه وشروط قاعدته والأنظمة والنخب العميلة التي قبلت بأن تكون في خدمته: إنه يفرض عليهم الخيار الذي فرضه على حماس.

 

كل المعيقات التي تعترض بناء استراتيجية تحريرية مأتاها من هذا المأزق الذي وضع الإسلاميون أنفسهم فيه بداية ثم أصبح استراتيجية العدو نفسه لأنها تحقق هدفين: الفصام الدائم في خيارات الأمة الاستراتيجية والحرب الأهلية الدائمة على الخيارات الثانوية بدلا من الوحدة أمام العدو الواحد الذي نقلب عليه استراتيجيته فنتحد ليكون بعضها جزرة، وبعضها عصا في استراتيجية موحدة نحاول وصفها بصورة وجيزة. وتلك هي بداية الخروج من المأزق والشروع في حرب التحرير الحقيقية التي ينبغي أن يكون هدفها صريحا حتى يعلم العدو والصديق أن هذه الحرب تجمع بين أداتي السياسة أعني الدبلوماسية والقتال في آن.

 

شروط الخروج من المأزق

 

إذا حددنا طبيعة الخيارين وعلل حصولهما بتلك الصفات بداية والفصام الذي آل إليه وضعهما بسبب الجمود الفكري وعدم البحث عن الوصل بين الوجهين يصبح بالوسع إيجاد المخرج. فلو قلبنا العلاقة بيننا وبين العدو فجعلنا وحدة الخيارين استراتيجية من طبيعة فعلية لا من طبيعة رد الفعل فإن الحل سيصبح ميسورا لأن هدفي العدو من خطته كلاهما يصبحان عليه لا له. كيف ذلك؟ سيتغير الموقف تماما ولن تصبح فتح وحماس ممثلتين للخطة بل الجمع بين فضيلة الموقفين والتخلص من رذيلتهما. ذلك أن التخلي عما يجعل الابتزاز الاقتصادي مؤثرا والتخلي عما يجعل الحصار مؤثرا شرطهما القبول بهاتين الفرضتين.

 

دلالة المقاومة المسلحة ماذا ينبغي أن تكون؟

فلنفرض أن قيادات خيار المقاومة المسلحة اعتبروا استراتيجية التركيز على الحرب مرحلة من مراحل المقاومة ذات هدفين متلازمين ذاتي وأجنبي فقبلوا بألا يقصروا الاستراتيجية عليها لأنها أحد وجوهها:

 

1-الهدف الأول هدف ذاتي همه تحريك الخمول الوجودي الذي أصاب حيوية الأمة تعميدا بالدم لعودة البطولة والشجاعة للشباب، ومن ثم فهو مجرد بداية تمكن الأمة من استعادة ما عرفت به سابقا من أنفة وقدرة على تفضيل الموت الكريم على الحياة الذليلة: مفهوم الشهادة.

 

2-الهدف الثاني هدف أجنبي همه إقناع العدو بأن هذه الأمة لا يمكن أن تقبل بالعبودية، وأن كل محاولات السيطرة عليها ستكون وبالا عليه؛ لأنها حرب مطاولة لن تتوقف إلا بالقضاء عليه ليس في مقامه بيننا بل وحتى في دياره.

 

دلالة المقاومة السلمية ماذا ينبغي أن تكون؟

ولنفرض أن قيادات خيار المقاومة السلمية اعتبروا استراتيجية التركيز على السلام مرحلة من مراحل المقاومة ذات هدفين متلازمين ذاتي وأجنبي قبلوا بألأ يقصروا الاستراتيجية عليها لأنها أحد وجوهها:

 

1-الهدف الأول ذاتي وهمه التربية السياسة للشباب حتى لا يتحول حماسه القتال، واسترداد الحيوية التاريخية لأمة تخنثت واصبحت تميل إلى العيش السكلان والامبالاة بشروط الكرامة إلى وحشية وبداوة هدفها القتال من أجل القتال، وتفتيت صفوف الشباب بتحكم أمراء حرب همهم الوحيد هو إعادة الأمة إلى ممالك الطوائف التي قضت على الامبراطورية الإسلامية.

 

2-الهدف الثاني أجنبي وهمه ترشيد الخطاب السياسي الموجه للعدو حتى لا ينجح في إقناع رأيه العام أننا مثل خطرا على الحضارة الإنسانية التي يدعي تمثيلها، في حين أنه هو الذي قضى على الأخضر واليابس بالحرب النووية البطيئة على البشر وبيئة حياتهم مسميا ذلك تقدما ورفاهية.

 

ما الحصيلة في هذه الحالة؟

 

لو عملت المقاومة المسلحة والمقاومة السلمية بهاتين الفرضيتين فاتحدتا فإن الاستراتيجية التحريرية ستصبح قابلة للتوحيد بعد أن تكون قد تحررت ممن جعلوها تصبح مجرد أداة في يد موظفيها لصالحهم من القوة الإقليمية والدولية. عندئذ يمكن أن تتأسس قيادة جامعة بين أفضل ما في الخيارين بمجرد تخليصهما من أسوأ ما فيهما أعني:

 

1-تحرير الخيار الفتحاوي العام لكل دار الإسلام مما جعله يصبح خاتما في يد ممولي القيادات الفاسدة

 

2-تحرير الخيار الحمساوي العام لكل دار الإسلام مما جعله يصبح خاتما في يد موضفي المقاومة المسلحة.

 

فليس صحيحا أن مشجعي الخيار الحمساوي في فلسطين وأمثاله في دار الإسلام كلها (كل المقاومات المسلحة في وضع الخيار الحمساوي) مآربهم لصالح الأمة بل هي ضدها رغم دعواهم خدمتها. ونفس ما قلنا عن الخيار الحمساوي يقال عن الخيار الفتحاوي: فهو ليس في فلسطين وحدها بل هو نموذج كل الحركات الإسلامية التي تدعي الاعتدال في مصر وتونس. فكل ما يسمى بالإسلام المعتدل فتحاوي في الجوهر ومن ثم فما يمثلونه ليس خيارا سلميا بل طلب للعيش على الصدقات بدلا من القبول بضيق الخيار الحر صاحب الشوكة العادلة والهادفة لتحقيق غايات سياسية نبيلة.

 

لا بد أن يتخلى الإسلامي المعتدل نهائيا عن الطمع في ترضية العدو فلن يرضى إلإ إذا جعله فتحاويا بل لا بد من ألا يستثني المقاومة المسلحة من حسابه دون أن يقبل بالتحول إلى حمساوي. وإنه لمن السخف أن نتصور المقاومة السلمية تعني تعريض الشباب للقتل اليومي من دون أن نجد طرقا لجعل القتلة هم بدورهم يحيون في خوف ورعب مع احترام أخلاق الحرب الإسلامية لئلا يصبح الدفاع الشرعي عن النفس وكأنه تأثر شخصي من قبائل بدوية ليس لها غايات سياسية تسعى إليها كالحال في التشويه الذي يقوم به البعض لإفساد الثورة السورية.

 

ومعنى ذلك وبكلام صريح وواضح: أسرائيل وأمريكا والأنظمة العميلة ونخبها ومنها إيران خاصة بسبب طموحها الشعوبي تسموا المقاومة بين مشجع للفتحاوية ومشجع للحمساوية أعني لشرطي الفشل الذريع لكل حرب تحرير حقيقية أعني الهدف البعيد للإستعمار الذي يخشى من عودة الامبراطورية الإسلامية لما يعلمه لها من ثقل مادي وروحي: لذلك انقسمت جموع الشباب المؤمن بحرب التحرير إلى جنود يستغفلهم من يستخدمهم أعني الإيراني والإسرائيلي مباشرة والغرب بطريق غير مباشر لمنع الثورة العربية من تحقيق شرط استئناف الأمة لدورها التاريخي الكوني بداية من إعادة قلبها للحياة (الأمة العربية) وختما بجعلها قاطرة الاستئناف الاسلامي لرسالة الإسلام الكونية.

 

فعندما تتوحد الثورة فتصبح شاملة لدار الإسلام كما توحدت الثورة المضادة فشملتها بقيادة الاستعمار وعملائه عندئذ سيكون النصر المحتوم للحق ضد الباطل، فضلا عن كون هذه الثورة هي التي تريد تحقيق قيم العصر من منطلق قيم الذات بحيث تتطابق غايات التأصيل الحي وغايات التحديث المستقل، فتكون الأمة مسهمة في توسيع آفاق الإنسانية ويصبح قلب العالم أي دار ألإسلام قوة معدلة لنظام العالم.

 

تونس في 2014.05.25

 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023