تعيش ليبيا، في الآونة الآخيرة، حالةً من الاضطراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، نظرًا لتشتت تلك الدولة، الغنية بالبترول، نزولاً عن الخلافات السياسية، والدستورية، والفكرية، التي وصلت إلى الاقتتال، وزاد الأمر سوءً عندما ظهر المؤتمر الليبي؛ ليعلن عن عدة قرارات، كان أبرزها تشكيل حكومة بعد غيابٍ طويل، الأمر الذي اعتبره البرلمان الليبي "تدخلاً غير شرعي" في سياسة البلاد، وأن المؤتمر الليبي قد انتهيت ولايته.
ويذكر توقف جلسات المؤتمر الوطني العام الليبي، عقب انتخاب البرلمان الليبي الجديد، وهو ما أثار جدلاً سياسيًّا واسعًا في ليبيا؛ حول شرعية انعقاد المؤتمر، في الوقت الذي تستمر فيه القوات المسلحة الإسلامية والثوار في العراك العسكري، مع قوات اللواء المتقاعد "خليفة حفتر".
عودة المؤتمر العام لتأييد ثوار "فجر ليبيا"
اتجهت الأزمة الليبية إلى مزيد من التعقيد والإرباك، بعد دعوة ثوار عملية "فجر ليبيا" – عقب سيطرتهم على مطار طرابلس الدولي السبت الماضي، المؤتمر الوطني العام، المنتهية ولايته، للانعقاد، في الوقت ذاته الذي تُعقد فيه جلسات مجلس النواب المنتخب، والذي يحظى بدعم إقليمي ودولي في مدينة "طبرق" الليبية، ما أدى إلى أن يصف الأخير عملية ثوار "فجر ليبيا"، و"أنصار الشريعة"، بأنهم جماعات خارجة عن القانون ومحاربة لشرعية الدولة، بحد وصف مجلس النواب الليبي.
فبعد إعلان قوات عملية "فجر ليبيا" سيطرتها على مطار "طرابلس" الدولي، عقب اشتباكاتٍ مع القوات المحسوبة على مدينة "الزنتان"، التي تسيطر على المطار منذ سقوط نظام القذافي، دعت المؤتمر الوطني العام، المنتهية ولايته، إلى الانعقاد؛ للنظر فيما آلت إليه الأمور.
ومن جانبها، وجَّهت رئاسة المؤتمر الوطني العام الليبي دعوةً إلى جميع أعضائه؛ لحضور الجلسة العادية خلال هذا الأسبوع، بمقره في "طرابلس"؛ لاتخاذ ما يلزم من تشريعات وإجراءات لتجاوز الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد.
واعتبر مجلس النواب الليبي، في بيانه، هذه الجماعات التي تتحرك تحت مسمى "فجر ليبيا" و"أنصار الشريعة" مجرد "جماعات إرهابية خارجة عن القانون، ومحاربة لشرعية الدولة، وهي هدف مشروع لقوات الجيش الليبي، ونحن نؤيده بكل قوة لمواصلة الحرب وإجبارهم على إنهاء القتال وتسليم أسلحتهم"، ما لم يختلف تمامًا عن رأي قوات "خليفة حفتر"، اللواء المنشق، الذي يقود معركة ضد الإسلاميين والثوار.
هذا البيان أثار حفيظة "المؤتمر الوطني"، حتى أعلن المتحدث باسمه عن "وقف أعمال مجلس النواب، وتسلّم المؤتمر الوطني السلطة من جديد"، واصفًا "مجلس النواب" بأنه "غير شرعي"، ومتهمًا "طائراتٍ مصرية وإماراتية" بوقوفها وراء قصف مواقع تمركز قوات "فجر ليبيا"، في العاصمة طرابلس، مشددًا على تورّط مجلس النواب والحكومة في هذه العملية.
حالة الطوارئ
وفور استئناف جلساته، أعلن المؤتمر الوطني العام، اليوم الخميس، حالة الطوارئ، إلى جانب تكليفه القيادي في ثورة 17 فبراير 2011، "عمر الحاسي"، بتشكيل حكومة وحدة إنقاذ وطني.
وعنها، قال عضو المؤتمر الوطني، عبد الرحمن السويحلي، إنّ 70 نائبًا عقدوا جلسةً بطرابلس، وكان قرار إعلان حالة الطوارئ، وتشكيل حكومة أزمة، مشيرًا إلى أنّ المؤتمر أصدر بيانًا، يرفض فيه الاعتراف بجميع قرارات مجلس النواب المنعقد في طبرق.
وأضاف أنه: "يعترف بمجلس النواب، باعتباره منتخبًا من الشعب، وأنّه لن يحضر مرة أخرى جلسات المؤتمر الوطني، وكان يرغب في إقناع المجتمعين، اليوم، بضرورة تنسيق اجتماع تقابلي مع مجلس النواب، بغرض تسليم السلطة له، إلا أن الأعضاء المجتمعين رفضوا فكرته".
ضباط بالجيش الليبي في مواجهة البرلمان و"حفتر"
وفي سياقٍ متصل، رفض ضباط من الجيش الليبي قرار مجلس النواب، المنعقد في مدينة طبرق، تعيين "عبد الرزاق الناظوري"، رئيسًا للأركان، مشدّدين على أنهم يتلقون أوامرهم من رئيس الأركان السابق، "جاد الله العبيدي"، وذلك على خلفية انتماء "الناظوري" لـ"عملية الكرامة"، التي يقودها اللواء المتقاعد، "خليفة حفتر"، شرقي البلاد، واصفين إياه بـ"المجرم الواجب قتله".
وتوعد الضباط، خلال بيانهم، بملاحقة المنتسبين لعملية الكرامة قانونيًا، مؤكدين على أنّ "منطقة طبرق العسكرية هي خارج سيطرة الجيش الليبي ورئاسة أركانه".
تدخل الخارجي
جدد السفير الليبي في القاهرة، "محمد فائز جبريل"، دعوته المجتمع الدولي إلى التدخل لحل الأزمة الليبية، مشيرًا إلى تنوع أشكال التدخل الدولي؛ من أجل حماية المؤسسات الليبية؛ حيث أن ليبيا تفتقد القدرة على حماية مؤسساتها ولا مصادر الثروات، في إشارةٍ إلى حقول النفط، مستنكرًا انتشار السلاح بأيدي الجماعات المسلحة.
وأردف "جبريل" قائلاً: "لقد حصلت ليبيا على استقلالها بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبالتالي فإننا نخاطب مجلس الأمن وليس دولاً بعينها، فتعاوننا مع المجتمع الدولي لا يسبب لنا أية مشاكل".
وقال "جبريل"، في افتتاح مؤتمر دول الجوار الليبي، المنعقد في القاهرة، إنّ بلاده ليس لديها أي عقدة من التدخل الدولي؛ لأن الهدف هو حماية المواطنين الليبيين، مشيرًا إلى إمكانية امتداد الأزمة إلى دول الجوار الليبي، وهذا دافع جديد لطلب التدخل وطلب المساعدة حتى لا تتطور الأزمة، وفق ما أوردته "بوابة أفريقيا".
وأكد في ذات السياق على أن "البرلمان الليبي هو المخول من قبل الشعب الليبي بتقدير الحالة، وأن دعوته المجتمع الدولي للتدخل جاءت نتاجًا لطلب هذا التدخل من الشعب الليبي".
"الانقلاب في مصر" يساند البرلمان و"حفتر"
على صعيدٍ آخر، حذرت سلطات الانقلاب في مصر من احتمال امتداد العنف في ليبيا الى الدول المجاورة، حيث شدد "سامح شكري"، وزير الخارجية بحكومة الانقلاب، على خوف دول الجوار من الثوار والمسلحين الإسلاميين، والذين وصفهم بـ"التنظيمات الإرهابية والمتطرفة، والتي لا تقتصر أنشطتها داخل ليبيا، بل تمتد إلى دول الجوار، إلى جانب تجارة وتهريب السلاح والأفراد، واختراق الحدود، على نحو يمس سيادة هذه الدول وهو ما يهدد استقرارها".