شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الإخوان .. وخلخلة المشهد الراهن ! – د.أحمد البيلي

الإخوان .. وخلخلة المشهد الراهن ! – د.أحمد البيلي
أصدر مركز الجزيرة للدراسات بتاريخ 14سبتمبر الجاري تقريرًا عن انسداد الأفق في الحالة المصرية بعد أكثر من...

أصدر مركز الجزيرة للدراسات بتاريخ 14سبتمبر الجاري تقريرًا عن انسداد الأفق في الحالة المصرية بعد أكثر من عام على الصراع الدائر وكان ملخصه

أنه رغم الصمود المستميت في الشارع ، إلا أن الحراك الشعبي لا يبدو أنه جعل الانقلاب أقرب للسقوط من ذي قبل ، وأن الجدل الشعبي لا يتجه نحو مزيد من التصعيد!

يواجه الانقلاب أزمة سواء على مستوى قاعدته السياسية أو المستوى الاقتصادي والتي تزداد تفاقمًا وتبدو غير قابلة للحل ، إلا أنه هناك حالة اصطفاف قوية من أجهزة الدولة خلفه وإن كان ذلك لن يساعده على حل الأزمة ولا صناعة الاستقرار!

رغم أن تحالف دعم الشرعية نجح في الحفاظ على نفسه ولازال يبدو متماسكا حتى اللحظة ، إلا أنه هناك اتفاق على أنه لم يعد كافيا لإدارة الحراك وتطويره وتعزيز الحشد!

رغم فراغ القاعدة السياسية حول النظام الانقلابي ، فالأحزاب السياسية حوله فشلت في تكوين تحالفات انتخابية تعطى شكلا مقبولا لانتخابات برلمانية وأصبحت تعيش في حالة ترقب وعدم استقرار ، ورجال الأعمال أصبحوا يتلقون تهديدات مباشرة ، وقوى مثل مصر القوية والتيار الشعبي والاشتراكيين الثوريين و6إبريل تقف بوضوح في جانب المعارضة ، إلا أن قوى الثورة لم تستطع توسيع دائرتها السياسية وتشكيل تحالف قوى يملأ ذلك الفراغ!

كل هذه المتناقضات تنبئ عن أفق مسدود للحالة المصرية خصوصا وأن الطرفين الأكبر فى الصراع الإخوان والعسكريين يعتبرونه صراعا وجوديا لكلا الطرفين ، وبذلك فنحن أمام حالة ممتدة من الاستنزاف لكلا الطرفين معا ، حتى ولو سقط الانقلاب فإن الطرف الآخر- الإخوان- سيخرج منهكا غير قادر على الإصلاح وإعادة البناء!

لا حل سوى خلخلة المشهد وتفكيك بنية الصراع الثنائي الصلد ، فلا يُتَوقع أن الإخوان سيدخلون في صراع مع العسكريين حتى آخر ضابط وآخر جندي ! وليس معقولا الاعتماد في إنهاء الصراع على الحراك الشعبي فقط ! وليس منطقيا أن تكون المعركة صفرية وإن كان الصراع وجودي فالهزيمة تحمل في معانيها الانسحاب التكتيكي والتفاوض والتراجع ، وليس فقط الاستسلام ! فهب مثلا أن العسكريين قد أحسوا بالهزيمة ورغبوا في التراجع المرحلي أو الانسحاب التكتيكي وقبلوا بتغيير وجههم الانقلابي الحالي فهل هناك أفق سياسي يسمح بذلك ؟!

وحتى نكون عمليين فعلى الإخوان إذا أرادوا أن يفككوا بنية هذا الصراع الثنائي فعليهم أن يصطفوا بشكل جديد يملأ الفراغات حول العسكريين ويحاصرهم من كل جانب فيخلق تفككات يستطيع أن يستوعبها سريعا ويضمها إليه.

بمعنى آخر بمنطق الجيوش ، الإخوان وهم يديرون الصراع ككتلة واحدة يجعلهم ذلك أثقل في الحركة ، وأضعف في الالتفاف ، وأعجز عن المناورة ، وأصعب في التحيز إلى فئة ، وأسهل في محاصرتهم ، أما إذا رتبوا صفوفهم في ميمنة وميسرة وقلب ومقدمة ومؤخرة كل يؤدى دورا مستقلا واضحا ومتناغما فإن ذلك يكون أنجح في خلخلة المشهد وتفكيك بنية الصراع الثنائي الصلد

وهذا أراه في أن يقدم الإخوان أنفسهم في صورة أربع هيئات مستقلة تنسق فيما بينها وفق إطار عام جامع وهو إسقاط الانقلاب وعودة الحياة الديمقراطية:

أولًا: الهيئة الثورية : وهى التي تختص بإدارة الحراك وتطويره وتلتحم في ذلك مع الكيانات الثورية الأخرى بعيدة عن ما يقيدها من اعتبارات سياسية أو دعوية أو أيدولوجية وتكون الشوكة الضاغطة مع حلفائها في إضعاف الانقلاب وتقوية الطاولة السياسية.

ثانيًا: الهيئة السياسية : وهى التي تختص بالعمل السياسي والتنسيق مع كافة الأحزاب السياسية في مظلة واسعة تملأ الفراغ السياسي الحادث ولا يقيدها سوى تفاهماتها السياسية مع جميع الأطراف وفق الإطار العام المتفق عليه وهو إسقاط الانقلاب وعودة الحياة الديمقراطية ، هذا بالإضافة إلى عمل لجانها المتخصصة التي تعكف على إعداد ملفات إدارة الدولة فيما بعد الانقلاب.

ثالثًا: هيئة الشهداء والمعتقلين : وهى التي تختص بالضغط الحقوقي والقانوني المستمر وتنظم حركة المعتقلين وموجات الإضراب والتذمر حتى تحيل الاعتقال عبئا جديدا على الانقلابيين ، بالإضافة للدعم المادي والمعنوي لأسر الشهداء والمعتقلين والسير بقضيتهم مهما تبدلت الأحوال فهي المخولة بحق القصاص من القتلة حتى آخر قاتل.

رابعًا: هيئة الدعوة والإرشاد : وهى باقي كيان الجماعة ، وتتفرغ لمهمة الدعوة والإرشاد لتصلح الشرخ الذي أحدثه الانقلاب وتسترجع الخطاب الديني القوى الذي يسعى الانقلابيين من خلال وزير الأوقاف إلى تقويضه وانحساره من خلال إجراءاته الهدامة التي أحالت رجل الدعوة موظفا شكليا وأضعفت من هيبته أمام المجتمع وأهانته بالغ الإهانة ، فهو يحتاج لمن يحارب معه ليستعيد دور المسجد الذي هو الملاذ الأخير للمجتمع المسلم ، والذي لاشك له أثره البالغ على المجتمع على المدى البعيد ، وعلى الإخوان أنفسهم ، هذا بالإضافة إلى توجيه خطاب دعوى يشمل الجميع بما فيهم أفراد الجيش والشرطة بعيدا عن حصار الإرهاب الذي يلاحق الهيئة الثورية وحصار تنافس السلطة الذي يلاحق الهيئة السياسية ، وربما تستطيع هذه الهيئة أن تضم إليها قطاعات ليست باليسيرة داخل هذا الإطار الدعوى الإرشادي ، والتي ربما تتشجع أيضا في الدخول معها تحت الإطار العام للدعوة لحياة ديمقراطية سليمة.

الإشكالية في هذا الطرح هو التخوف وعدم المرونة لدى البعض في الجماعة من أي تقسيم أو تخصيص بحجة الحفاظ على كيان الجماعة ، ولا أدرى أي كيان نريد الحفاظ عليه وجل طاقاته معطلة ! كيان لا يسير إلا في اتجاه واحد – الثوري – وبطاقة لا تتعدى خمس طاقته والباقي معطل لأسباب كثيرة ولا يجد من يشق له طريق آخر يناسبه فيكون إضافة جديدة في المعركة ! الإمام المؤسس حسن البنا- رحمه الله- نفسه فعل ذلك حينما انسد أمامه الأفق السياسي في عام 1948م ووجد نفسه داخل دائرة الحصار الدولي والمحلى ، والجماعة على وشك الحل فعرض على الحزب الوطني آنذاك أن يندمج معه في العمل السياسي وتقوم الجماعة بدور الدعوة والإرشاد فقط ، لكن ضعف الحزب جعله يرضخ للإنجليز والملك ويرفض العرض.
 

النقطة الثانية التي تثير المخاوف هي الخوف من الانخراط في السياسي أو الثوري أن يؤثر ذلك على الأفراد مع مرور الوقت ويبعدهم عن منهج الجماعة العام ، وهذه نقطة لا ينبغي أن نناقشها في ظل الانخراط والتخصصية بقدر ما ينبغي أن نناقشها في ظل ضعف المناهج التربوية وقصورها عن الوقاية والمعالجة لمثل هذا الخلل ، ويكون السؤال لماذا لا تقوّى الجماعة من قسمها التربوي ؟! ولماذا لا يكون لها مركز للدراسات التربوية على أسس علمية حديثة يدرس احتياجات الشرائح ويرصد الخلل الحادث كلما طرأ ، ويطور من المناهج التربوية بدلًا من الجمود والقصور الذي تعانيه ؟!

هذا أمر ، أما الأمر الآخر فهو النظر إلى الصراع الإقليمي نظرة مختلفة ، تكون الجماعة فيه معادلة صعبة ، وأداة فاعلة وهذا لن يتأتى مع وجود مركزية القيادة ومكتب الإرشاد في مصر في ظل تلك الظروف التي لا يستطيع مكتب الإرشاد بمصر أن يدير بها صراعًا إقليميًا ! ولا أن يقيم تحالفات إقليمية أو دولية ، لابد أن تفتح الجماعة لنفسها أفقا أوسع يتناسب والمرحلة التي تعيشها الأمة ، وأن تكون من المرونة بما يكفى للخروج من حالة الانسداد الحادث.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023