لابد أن نشير أولا إلى أن ديناميكية الثورة تعتمد على تلاقي مكوناتها الثلاث:
المكون الطليعي المنظم وهو المسئول عن الشرارة الأولى ، والمكون الثوري الفوضوي وهو المسئول عن الانفجار الثوري ، والحاضنة الشعبية وهى المسئولة عن الزخم الثوري وتهيئة الأجواء لنجاح الثورة.
وتقوم إستراتيجية القمع على فصل هذه المكونات عن بعضها البعض كما ذكرنا من قبل ، وكل وظيفة الآلة القمعية هي أن توقف هذه الديناميكية وتصيبها بالشلل التام ، فكلما نجحنا في إرباك وإنهاك الآلة القمعية ورفع يدها شيئا كلما تسارعت مكونات الحراك الثوري الكامنة كالبركان في الالتئام والتلاحم وجرت السنة المنتظرة وانطلقت ديناميكية الثورة ؛ شرارة فثوران فبركان فتغيير.
وهذا سيظل يحدث في موجات متصاعدة ، ننجح في كل مرة في أن نرفع اليد القامعة المستبدة شيئا فشيئا حتى تأتى موجة ساعة الصفر العارمة التي ينفجر فيها البركان الذي لا يستطيع أن يقف أمامه أحد.
وحتى نصل إلى هذه اللحظة بعد الكثير من الموجات المتصاعدة ، فنحن نعتمد على عدة استراتيجيات في المواجهة مع الآلة القمعية:
أولًا : إستراتيجية التفتيت(Splitting strategy) : وهى تفتيت مكونات الآلة القمعية (تشكيل المخبرين – الضباط – العساكر – فالكون – الإدارة المستبدة).
وأهم مكون فيها هو الجهاز العصبي المحرك لها ؛ تشكيل المخبرين ، والذي تنامى بشكل كبير مع بداية هذا العام الدراسي بصورة فجة فقد أعد له مسبقا ، وهذا كان طبيعيا ومتوقعا فبدونه لا يستطيع الجهاز القمعي أن يتحرك.
ولذا فعلى الطلاب أن يقوموا بتكوين مجموعات تتخصص في جمع المعلومات عن هذا التشكيل فأهم ما يصيب هذا التشكيل في مقتل هو أن تواجهه بنفس السلاح الذي يعمل به ، فأفراده يعملون بكفاءة وفاعلية بشرط الأمان الكامل والإحساس الدائم بأنهم يعلمون كل شيء ولا أحد يعلم عنهم شيء ، فإذا تبدل الأمر وانكشف أمرهم وأصبحوا في مرمى المواجهة مع الطلاب فإن ذلك سيصيبهم في مقتل ويربك حركتهم ويجعلهم يفرون من المواجهة.
أما تشكيل العساكر فهو الأداة الباطشة في يد المستبد وهو يعتمد في تحريكه على الشئون المعنوية واستنفاره بشتى الوسائل ، فهناك أمور تجعله أحيانا يفقد السيطرة عليه ويعجز عن توجيهه فيلجأ إلى تغيير التشكيل واستبداله ، وهناك أمور أخرى لا يحتاج إلى أن يعطيه الأوامر فهو كالوحش يبطش ويقتل دون توجيه ، فمن الأولى مثلا : طول الوقوف وحر الشمس ومشاهد قتل العزل والتقارب مع الثوار بالحوار المباشر أو غير المباشر ومعاملة الضباط السيئة لهم ، والإهانة عمومًا ..الخ ، ومن الثانية : السماع عن قتل أحد زملائه ، والعمليات الإرهابية التي تستهدفه أو تستهدف ضابطا يحسن معاملته ، أو عموما كل المشاهد التي تؤكد له صدق المفاهيم التي غرستها فى عقله الشئون المعنوية ، وعلى الطلاب أن تعي هذه النفسية جيدًا وتتعامل معها بكل الوسائل فهي نفسية مفرغة وعقلية مغفلة تُملأ بما يلقى فيها ، فالنجاح في أن توصل العساكر إلى حالة التذمر والعصيان لا حالة البطش والوحشية.
أما باقي المكونات بالترتيب ؛ الضباط ، والأمن الإداري أو المتعاقد (فالكون) ، والإدارة المستبدة ، فلا قيمة لها بدون المكونين السابقين فتصير جسدا بلا عقل ولا يد ، مرتبكة منهكة ، خصوصًا حينما تصبح مستهدفة بأشخاصها في مرمى الثوار.
ثانيًا : الضربات المخططة مسبقًا(planned strikes strategy) : وهى إستراتيجية تقوم على إعداد خطط إستراتيجية طويلة المدى في الإطار اللاعنفي المعتمد ، يمكن تنفيذها في الموجات التصعيدية بصورة موسعة فتضفي عليها زخمًا من النجاح والتقدم وتلقى فى روع المستبد روحا انهزامية ، أو كسياسة ردع ضد السياسات القمعية الفجة مثل التعذيب والخطف والقتل والاعتداء على الطالبات حتى يعلم المستبد أن في الجعبة ما يردعه وفى الكنانة ما يصده ، وهذا سيحتاج إلى تشكيلات معلوماتية قوية ومحترفه يلزم بناؤها حتى تقام الخطط على ما تجمع لديها من معلومات.
ثالثًا : تصدير التمرد(Revolt transfer) : لقد أثبت الحراك الطلابي المصري أنه الأقوى في تاريخ الثورات ، ولازال الطلاب هم الأقدر على تحريك مكونات الثورة والأجدر بتحقيق الوصول إلى حالة الانفجار الثوري المنتظرة ، لكن ذلك كله لازال مرتبطا بالحرم الجامعي والالتقاء الطلابي ، أما إذا نجح الطلاب في أن يبنوا الروابط الجغرافية الثورية أثناء عملهم الثوري الجامعي ، فإن ذلك لا شك سيحدث نقلة ثورية هائلة ، وسينقل حالة النجاح إلى ربوع مصر كلها ، ولن يصبح الحراك الطلابي وقتها مقصورا على الفترة الدراسية أو الحرم الجامعي فحسب ، وإنما سينتقل بتشكيلاته المنظمة والثورية إلى كل محافظة في مصر على مدار العام ، وحينها ستكون مرحلة جديدة ومفصلية في تاريخ الثورة المصرية ، وهى حينما يقود الطلاب الثورة ويقبضون على رمحها.
أيها الطلاب..
أنتم فارس هذه الثورة ، ومحط أنظارها ، ومعقد آمالها ، ذلك أنكم تصارعون على مستقبلكم الذي يريد أن يسلبكم إياه الطغاة المستبدون ، بعد أن رأيتم بأعينكم وجربتم حجم الجهل والبطالة والمذلة الذي أغرقنا فيها العسكر والمفسدون.
لكن هيهات هيهات ، فلن نرجع حتى نسترد مستقبلا نصنعه بأيدينا ، وإلا سترون أيها الطغاة المستبدون ماذا يصنع شباب أضعتم حاضره وتريدون ضياع مستقبله!