عاني الشعب المصري كله، وعلى رأسهم مؤيدو قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي – من ويلات القمع والتدهور الاقتصادي والغلاء، فشعب "السيسي" خاب أمله في قائده؛ فبينما اعتبروه المنقذ والفارس الذي سيحقق لهم أحلامهم، إلا أن العكس ظهر لهم، فقد رأوا منه ما لم يروه في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وهناك عدة أزمات نعرضها في ذلك التقرير.
أولاً – أزمة الكهرباء
بات انقطاع التيار الكهربائي إحدى أساسيات حياة المواطن المصري منذ الانقلاب العسكري، وظهرت لفترة محدودة في عهد الرئيس محمد مرسي، وكان هناك غضب عارم وهجوم إعلامي ضد مرسي حينها.
ورغم أنها ازدادت إبان حكم عبد الفتاح السيسي – قائد الانقلاب العسكري – وأصبح انقطاع الكهرباء يصل إلى 9 ساعات في اليوم الواحد؛ إلا أن الإعلام أجاب بالتبرير لتلك الأزمة، وهو ما جاء بخيبة أمل واسعة وسط مؤيدي "السيسي".
وقد هدأت أزمة الكهرباء فترة ولكنها عادت هذه الأيام، فخلال اليومين الماضيين دقت أذرع الظلام أبواب المحروسة مجددًا بعد فترة توقف عدة شهور، حيث عادت أزمة انقطاع الكهرباء بكثرة في قرى الصعيد، كما بدأت أيضًا بالظهور في قلب القاهرة الكبرى حيث تقطع الكهرباء مرتين يوميًا لمدة ساعتين.
ويقول حسن عبد العال، صاحب مصنع ملابس لشبكة"رصد": لقد تضررت كثيرًا بسبب انقطاع الكهرباء التي بدأت تعود مرة أخرى، هذه الأيام، وقدرت خسائر المصنع بـ 900 ألف جنيه، كما اضطررت أن أعتذر للعمال عن استكمال العمل نظرًا للخسائر، وقلصت عددهم من 70 إلى 14 عاملًا.
ثانيًا – أزمة وقود
لا تزال أزمة الوقود طاحنة، فهناك نقص شديد في بنزين 80 الذي يعد الأرخص والأوفر للمواطن والسائقين معًا، بينما في المحافظات تجد الطوابير بالعشرات أمام بنزين 90، بخلاف أن بنزين 80 لا يتواجد إلا في الشهر مرة واحدة.
وشهدت السوق أزمة هي الأولى في عهد "السيسي"، فاختنقت محطات الوقود في العاصمة المصرية القاهرة ومختلف المحافظات بطوابير سيارات الأجرة والملاكي.
وتسببت أزمة الوقود، في حالة اختناق مروري، ورفع أصحاب سيارات التاكسي والنقل الجماعي الخاص الأجرة على المواطنين؛ لتعويض الخسائر التي يتعرضون لها نتيجة طول فترات انتظارهم بالمحطات وزيادة أسعار الوقود.
و السبب في أزمة الوقود هذه المرة، هو رفع أسعار البنزين والسولار التي لجأت إليها حكومة الانقلاب لمواجهة أزمة العجز في الموازنة التي اضطرتها إلى تقليص دعم الوقود، ومن المتوقع أن يزداد سعر الوقود مرة أخرى.
وكانت حكومة محلب الأولى قلصت دعم الوقود من 134 مليار جنيه، إلى 104 مليارات جنيه، في الصيغة الأولى للموازنة التي أعلنت في شهر مايو الماضي، والتي رفضها السيسي بحجة الزيادة الكبيرة في العجز والتي كانت تبلغ 288 مليار جنيه، ما دفع حكومة محلب الثانية إلى تقليص دعم الوقود وزيادة الضرائب لتخفيض العجز إلى 241 مليار جنيه.
وعانت مصانع الطوب في حلوان من مأساة نقص الغاز وتوقفه لعدة أسابيع، ذلك الأمر المستمر حتى الآن، فتشكو مئات المصانع بحلوان من توقف الغاز من حين لآخر ما يضر بالعمل والعمال.
ويقول هاني حجازي – أحد العمال في مصانع الطوب:" نحن نعمل بالإنتاج؛ فكلما أنتجنا كميات طوب كلما ازداد الأجر باليومية، وكلما توقف الغاز عن المصانع كلما توقف أجرنا.
ثالثًا – جنون الأسعار
تسببت القرارات الأخيرة لحكومة الانقلاب المصرية في رفع أسعار السلع والخدمات بنسب قياسية، وأصيبت أسعار كافة السلع بـ "الجنون"، ما تسبب في ارتفاع نسب ومعدلات التضخم بشكل قياسي خلال الفترات الماضية.
حيث قررت الحكومة الانقلابية – في خطوة غير مسبوقة – رفع أسعار البنزين والسولار، كما قررت التوسع في فرض الضرائب، ومؤخرًا قررت رفع أسعار الأسمدة، والكهرباء والمياه، والغاز، ما تسبب بشكل مباشر في رفع أسعار السلع والخدمات بنسب قياسية غير مسبوقة.
وقال علاء محمد، تاجر مواد غذائية بالطالبية بمحافظة الجيزة، لشبكة"رصد": إن أسعار جميع السلع في ارتفاع مستمر لا يتوقف، حيث ارتفعت خلال الفترة الماضية بنسب تتراوح ما بين 15 و20% على الأقل.
وأشار علاء إلى أن أصحاب المحلات القطاعي قلصت من شراء المواد الغذائية؛ نظرًا لأن الأغلبية بين المجتمع المصري هم من محدودي الدخل، والتي بدأت تتجه إلى السلع الأقل سعرًا بصرف النظر عن الجودة، وذلك لتعويض الارتفاعات التي أصابت جميع أسعار السلع ذات الجودة العالية.
ووفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد ارتفع معدل التضخم خلال شهر سبتمبر الماضي بنسبة 1.3% مقارنة بشهر أغسطس، ليبلغ 160.7 نقطة، وعلى أساس سنوي بلغ معدل التضخم 11.1% مقارنة بشهر سبتمبر من عام 2013.
وأرجع الجهاز ارتفاع معدلات التضخم خلال الشهر الماضي إلى بداية العام الدراسي الجديد، ودخول موسم الحج، والاستعدادات لعيد الأضحى المبارك، وهو ما تسبب في رفع الأسعار بنسب كبيرة.
وأكد مصطفى حسن – صاحب محل لحوم طازجة – أن أسعار اللحوم ارتفعت بنسب كبيرة خلال الأِشهر القليلة الماضية، حيث يتراوح سعر الكيلو ما بين 65 و120 جنيهًا وذلك أدنى الأسعار.
وأشار إلى تراجع حجم الطلب على شراء اللحوم بسبب الزيادات الكبيرة في الأسعار، وعدم تحمل الأسر الفقيرة لهذه الزيادات التي بدأت منذ أن قررت الحكومة رفع أسعار البنزين والسولار، وبالتالي تأثرت جميع أسعار السلع في ظل عدم وجود رقابة حقيقية على الأسواق، وترك المواطن البسيط فريسة سهلة في يد كبار التجار والمستوردين وبعض المحتكرين للسلع الغذائية في مصر.
رابعًا – الاحتجاجات العمالية
رصد مؤشر الديمقراطية، الصادر عن المركز التنموي الدولي، 111 احتجاجًا عماليًا خلال شهر نوفمبر الماضي، مسجلًا ارتفاعًا بـ17 احتجاجًا عن شهر أكتوبر الماضي، والتي بلغت فيه الاحتجاجات العمالية 94.
وأوضح المؤشر في تقريره الصادر أمس أن عمال المصانع والشركات نظموا 36 احتجاجًا، ونظم العاملون بالقطاع الطبى 12 احتجاجًا، وجاء القطاع التعليمي في المركز الثالث لـ 11 احتجاجًا، كما نظم الصحفيون 9 احتجاجات.
وأشار التقرير إلى أن القاهرة شهدت حراكًا عمليًا بـ22 احتجاجًا، بينما احتلت الإسكندرية المركز الثاني، حيث شهدت 10 احتجاجات عمالية، تلتها الغربية بـ9 احتجاجات، والشرقية والجيزة بـ8 احتجاجات لكل منهما، والسويس 6 احتجاجات، والمنوفية والدقهلية وكفر الشيخ بـ5 احتجاجات لكل منها.
وطالب التقرير بالنظر في طبيعة مزاولة شركات إلحاق العمالة المصرية بالخارج؛ لأنها أصبحت من المسببات الأساسية لضياع حقوق العمال المهاجرة، مشيرة إلى أنه تم إغلاق 252 شركة من أصل 1147 شركة لإلحاق العمالة المصرية بالخارج، وتنوعت أسباب الغلق بين تقاضي مبالغ أكثر من المقررة قانونًا، أو تقاضي مبالغ من العمال دون تسفيرهم، أو فقد شرط من شروط الترخيص مثل ترك المقر، أو المزاولة في مقر غير المقر المرخص به.
وطالبت الأجهزة الرقابية بالتحقيق في كل وقائع الفساد بالشركات الخاصة بالحديد والصلب، والتي ارتفعت مديونيات الشركة لـ١.٢ مليار جنيه، بعد انتهاجها العديد من السياسات العشوائية التي كان أهمها بيع 300 ألف طن من منتجاتها بأقل من سعر التكلفة لتغطية التزاماتها، الأمر الذي أدى لخسارتها 894.7 مليون جنيه، في حين تعاني الشركة من فساد واضح في عمالتها يتمثل في إصابة نحو 2577 من العاملين بها بأمراض مزمنة في حين تبلغ أجورهم السنوية 204 ملايين جنيه.
وأوضح التقرير، أن السلطة التنفيذية أحالت 55 ممرضة للتحقيق على خلفية إضراب ممرضات جامعة الإسكندرية، في حين تم وقف 9 ممرضات عن العمل لمدة 3 شهور؛ لتحريضهن على الإضراب، بينما تم فصل 3 أئمة بالأوقاف على خلفية مشاركتهم في تظاهرات رافضة للانقلاب، وتم حبس موظف يومًا على ذمة التحقيق في اتهامه بالدعوة للإضراب، على خلفية تطبيق قانون التظاهر.
خامسًا – قانون التظاهر
فلسفة مشروع قانون التظاهر الذي أصدره الانقلاب العسكري يشمل تضييق تعريف أشكال التظاهر المسموح بها. فالمادة الرابعة منه تسمح بممارسة "الحق في التظاهر على نحو لا يؤدي إلى الإخلال بالأمن أو النظام العام، أو تعطيل مصالح المواطنين، أو قطع الطرق أو المواصلات، أو تعطيل حركة المرور، أو الاعتداء على الممتلكات أو حرية العمل، أو تهديد جدي لأيٍ مما تقدم". وهو تعريف فضفاض يشتمل على جملة من القيود غير المقبولة، التي ينتج عنها حصر التظاهر في فعاليات احتجاج قليلة العدد وضعيفة التأثير ومحدودة الحركة، بما يُفرِّغ معنى التظاهر من مضمونه ومغزاه.
وشدد المجلس القومي لحقوق الإنسان فى بيان له أمس الأربعاء، على ضرروة تعديل قانون التظاهر وفقًا لتوصياته، وكذلك العمل على وضع حد زمني لمدة الحبس الاحتياطي، مؤكدًا دور منظمات المجتمع المدنى فى تعزيز حقوق الإنسان، ليعمل في شفافية وحرية لحين إصدار القانون الخاص بالعمل الأهلى.
وقال الناشط الحقوقي، محمود البدوي، إن قانون التظاهر "يقيد" الحريات بما يتناقض مع أهداف ثورتي الخامس والعشرين من يناير، والثلاثين من يونيو، ما اعتبره انتكاسة لتطلعاتها.
وطالب، في تصريحات صحفية بإعادة النظر في مواد القانون مرة أخرى بما يحقق الحرية الكاملة دون المساس بأمن البلاد، موضحًا أنه في بعض الأحيان يتطلب الأمر تنظيم تظاهرات على الفور، الأمر الذي لن يتحقق في ظل هذا القانون الذي يشترط الحصول على تصريح من الجهات الأمنية، فضلًا عن التضييق في ممارسة هذا الحق حال الموافقة عليه من الأساس.
واعتبر البدوي أن القانون يمثل حالة من البيروقراطية والروتين غير المتصور على أرض الواقع، بحجة تواجد قانون لتنظيم التظاهر، لافتًا إلى أن المطلوب من قانون التظاهر هو تخصيص بعض الإجراءات دون المساس بحق التظاهر السلمي بما لا يعيد الدولة البوليسية إلى المجتمع مرة أخرى.