"حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة. ولا يجوز إبعاد أى مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه. ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة فى جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، وفى الأحوال المبينة فى القانون"..
تلك هي بنود المادة "62" من الدستور الذي خطه العسكر بأيديهم، ولكن يبدو أنهم في مصر يقولون ما لا يفعلون، فها هي دولة العسكر تدّعي الحرية في دستورها، بينما تصادرها الآن، وتمنع مواطنيها من السفر للخارج إلا بعد موافقة الجهات الأمنية.
فإذا كنت تفكر في السفر للخارج سواء للدراسة، أو العمل، أو لحضور ندوة، أو مؤتمر، أو للهروب من قمع العسكر في الداخل، فعليك أن تعرف أن ما قاله عبد الحليم حافظ في أغنيته "طريقك مسدود مسدود يا ولدي" بات هو حال لسان سلطات الانقلاب!
فهي الآن تمنعك من السفر لممارسة عملك بالخارج، أو لاستكمال دراستك وتطوير مهاراتك، أو للبعد عن قمعها وإرهابها، لتصير محبوسًا في وطنك، في مشهد يصور وضع المصري الآن في بلده، فهو إما محبوس في الزنازين، وإما محبوس في الوطن لا يتمكن من التحرك خارج حدوده.
وفي الوقت الذي يدّعى فيه قائد الانقلاب العسكري، عبد الفتاح السيسي، أنه يسعى لإقامة دولة القانون والحريات، تصدر حكومته ممثلةً في وزارة داخلية الانقلاب قرارًا يقضى بمنع السفر لعدد من الدول إلا بموافقة من قبل جهاز أمن الدولة، وأبرز هذه الدول هي: " لبنان – سوريا – الأردن – العراق – "إسرائيل" – ألبانيا – جنوب أفريقيا – مالطا – تركيا – أندونيسيا – كوريا الجنوبية – ماليزيا – غينيا كوناكري – تايلاند".
فالآن إذا كنت تريد السفر فعليك أن تتوجه إلى إدارة الاتصال بمصلحة الجوازات المصرية لاستخراج نموذج السفر للخارج، للدول التي صدر بشأنها تعليمات عامة تنظم السفر إليها، وهو تصريح لا يسمح للمواطن بمغادرة مصر إلا بعد الحصول عليه، والمقر الوحيد لإدارة الاتصال في القاهرة، مجمع التحرير – غرفه 15 – الدور الأول علوي، وهناك ستفاجأ بمجموعة من الاشتراطات التي يجب عليك تنفيذها، وهذه أبرز القيود التي فرضتها حكومة الانقلاب وسلطاتها بشأن إجراءات السفر للخارج:
Ø الحصول على تصريح سفر من إدارة الجوازات.
Ø ترك الجواز فترة لدى الإدارة.
Ø الانتظار من 15 يومًا وقد تمتد الفترة لشهر أو أكثر حتى وصول الموافقة الأمنية وقد يرفض سفرك.
Ø القرار يسري على المسافرين في الفئة العمرية من 18- 40 عامًا واتسع ليشمل الإعلاميين والصحفيين.
Ø يتعين تقديم ما يفيد سبب السفر لهذه الدول (توضيح الأسباب).
Ø يتم تقديم مستند التجنيد لمن هو فى سن التجنيد؛ باستثناء الذين لم يبلغوا (19) عامًا.
Ø بالنسبه للمتزوجات من هذه الدول، تقدم قسيمة الزواج في حالة عدم وجود اسم الزوج الأجنبى (من مواطني الدولة التي يطلب السفر إليها) بالجواز (للإناث) + صورة.
Ø بالنسبة للطلبة يتم تقديم شهادة قيد معتمدة للسنة الدراسية الحالية – للذكور، يتم تقديم شهادة قيد مثبت بها تأجبل التجنيد وقرار التأجيل وذلك لمن هم تعدوا سن (19) عامًا.
ولا تقبل الطلبات إلا من صاحب الشأن شخصيًا؛ أما الأزواج والزوجات فيمكن أن ينوب كل منهما عن الآخر.
حكومة الانقلاب بررت – من جهتها – هذا الإجراء بأن الشباب يتوجهون لهذه الدول للانضمام إلى تنظيم "جبهة النصرة" أو تنظيم "داعش".
يُذكر أن الموافقة الأمنية أو ما يُعرف بـ"الشهادة الصفراء" كان معمولاً بها حتى نهاية السبعينيات، وكانت مصر تشهد حصارًا أمنيًا مشددًا، فلا سفر ولا دخول لها إلا باشتراطات من قبل الأجهزة الأمنية، وها هو الحصار من جديد يعود لمصر في عهد قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
المراقبون بدورهم وصفوا قرار الموافقة الأمنية بأنها وسيلة جديدة من وسائل القمع، تتناقض مع الدستور الذي يتيح حرية التنقل والسفر دون تعسف أو اشتراطات مسبقة، مشيرين إلى أن مبررات سلطات الانقلاب واهية وليست هي السبب الرئيس للمنع من السفر، بل لمزيد من إحكام القبضة العسكرية.
جدير بالذكر أن "الشهادة الصفراء" صدر بحقها قرار من قبل المحكمة الإدارية العليا، قضى بإلغائها كونها تخالف دستور 1971، ولكن "لا صوت يعلو فوق صوت العسكر" حتى القانون والدستور.