في قرية "الفشن" بمحافظة "بني سويف" كان هناك موعد مع حلقة جديدة من حلقات العدالة الغائبة في مصر، حيث أصدرت جنايات أحداث بني سويف منذ أربعة أيام قرارًا يقضى بحبس الطفل عزت عبد المسيح – 10 سنوات- بنحو عام و7 أشهر لسرقته 5 أرغفة خبز من مخبز بالقرية.
يأتي قرار محكمة جنايات "بني سويف" بعد أن حرر صاحب المخبز محضرًا بالقسم ضد الفتى الصغير، وتم إخطار الأسرة بجلسة الاستئناف على الحكم والتي كان موعدها بالأمس، فصدر حكم بتبرأته نظير تنازل صاحب المخبز عن البلاغ فقط، وليس من باب تطبيق العدالة وفقًا للنصوص القانونية.
ذلك هو المشهد الأول من صورة العدالة في مصر، إذا ما انتقلنا للمشهد الثاني للعدالة سنجدها منقلبة على نفسها، فتلك التي حكمت على فتى صغير سرق حفنة من أرغفة الخبز بـعام و7 أشهر، قضت ببراءة المخلوع حسني مبارك وحاشيته من تهم عديدة، والتي من بينها قضايا سرقة وإهدار للمال العام.
ليطرح ذلك المشهد عدة تساؤلات من بينها: "إذا كان القضاء الذي حكم على مبارك ورجاله شامخًا وعادلًا فلماذا إذن حكم على الفتى الصغير بهذه المدة؟ لماذا يحبس الطفل الصغير الذي لم يبلغ بعد حتى يُحاسب ويحاكم، بينما يترك الكبار ممن سرقوا الملايين؟
وتُجدر الإشارة إلى أن واقعة الطفل تضاف لسجلات أخرى من الانتهاكات الفجة ضد أطفال مصر، فهناك عشرات الأطفال المعتقلون بسجون الانقلاب دون أي مسوغ قانوني.
المراقبون بدورهم يرون أن هناك 5 أسباب رئيسة حول اختلال ميزان العدالة في مصر في زمن الانقلاب، وهي كالتالي:
أولها – غياب قاعدة العدل أساس الملك في نظر القضايا.
وثانيها – تغليب الأهواء في الحكم، ولعل القاضي ناجي شحاته أقر واعترف بذلك أمس في تصريحات تلفزيونية له، أكد فيها أنه يميل لقائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي.
وثالثها – تخصيص دوائر بعينها في المحاكم لنظر قضايا رافضي الانقلاب لاسيما من القضاة المعروفين بمواقفهم المناهضة للمعارضة.
ورابعها – عدم تطهير القضاء مثلما نادت ثورة يناير.
أما خامسها – فخلل رأس الدولة، ومن ثم كان طبيعًا أن يفسد الجسد بما فيه منظومة القضاء.
من جانبها، قالت الكاتبة مها عمر في مقالة لها بعنوان: "الذين ظبطوا العدالة"، تعليقًا على مشهد العدالة بعد واقعة "طفل أرغفة الخبز": "تنقلب العدالة على نفسها، العدالة الباقية هي وحدها التي سمحت لمبارك بالخروج الآمن من الباب الخلفي للتاريخ، ملحوقًا بلعنات الملائكة والناس أجمعين، لكن اللعنات عزيزي القارىء لم تكن كافية لتتدخل وتغير مجرى العدالة الشامخة".
وأضافت في مقالتها: "فالعدالة هي التي "ظبطت" القضية بأدلة ثبوتية ضعيفة وتحريات هزلية، عين العدالة مطمئنة، تترك القاتل يمر بسلام، والقائمون على الأمن "ظبطوا" العدالة ومنحوها ما تريد من وجاهة، كل عدالة في مصر اليوم متوضئة ومستعدة لصلاة العشاء وتدعو: ألا يؤمر عليك حاكم ظالم"، والهنجر موجود عليه اسم العدالة بالبنط العريض، وأي فريد ديب سيظبط العدالة بما تحتاجه لكي ينجو مبارك بمنتهى العدل من أعدل قضية في التاريخ رفعها شباب يناير، وتركوا الدفاع للقاتل وعادوا إلى بيوتهم، فأعادته العدالة هو وحاشيته إلى مقاعدهم".
فيما علق دكتور سيف عبدالفتاح – أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة – على العدالة بين المشهدين السابقين قائلًا: "الطفل اللي احتاج 5 أرغفة عيش يتسجن.. واللي يسرق مليار يبقى وزير!".
ولعل ما نراه الآن بساحات القضاء المصرية ينطبق عليه ما قاله "نجيب محفوظ" قديمًا حين ذكر: "لا تخدعك في المحاكم عبارة "العدل أساس الملك"، أعرف الكثير من اللصوص يضعون على مكاتبهم: "هذا من فضل ربي!".