في مقاله المنشور اليوم السبت في صحيفة الحياة اللندنية، يطرح الكاتب السعودي المعروف جمال خاشقجي تساؤلا مشروعا حول هدف الإخوان المسلمين من المشاركة في العملية السياسية، ويقترح في نهاية المقال خطة أسماها "الخطة ج- تنحوا جانبا أيها الإخوان.. لتمر الديمقراطية"، وهي خطة بناها على إجابة مفترضة على تساؤله، وعلى الأحداث التي شهدتها مصر وقطر وتونس الأسبوع الماضي.
ويقول خاشقجي في مقاله: "ماذا يريد الإخوان المسلمون؛ أن يحكموا أم أن تسود الديموقراطية التي تدعهم يعيشون وتدع غيرهم يعيش؟ الإجابة عن هذا السؤال ستحدد خطوتهم التالية بعد أسبوع حافل بأحداث مفصلية من الدوحة حتى تونس".
وبعد ان طرح هذا التساؤل، يؤكد خاشقجي أن "النظام العربي القديم ومن حوله طائفة معتبرة في كل دولة عربية تتوجس خيفة من التغيّرات الجذرية التي حركتها موجة الربيع، وهي مستعدة أن تقاوم بشراسة هذا التغيير أو الإسلام السياسي المتداخلين، بقوة الانتخاب"، ويستعرض عدة دلائل على هذا الاستعداد ونتائجه، وأهمها نتيجة الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة في تونس، ونتيجة الانتخابات الرئاسية في مصر في العام 2012، والتي بالكاد فاز فيها مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي.
وبعد إجراء قراءة تاريخية لأداء الإخوان السياسي، ومواقف دول المنطقة والطبقات المتحالفة معها من الإخوان، وعلاقة الإخوان بالسلفية، وغيرها من خلفيات المسألة الجديرة بالقراءة، يعود الكاتب إلى السؤال الذي طرحه في البداية، ويقترح إجابة عليه، ويبني على هذا الاقتراح خطته للحل السحري الذي سيوصلنا إلى الديمقراطية في العالم العربي، فيقول: "ماذا يريد الإخوان، الحكم وعودة الشرعية أم الديموقراطية التي يمكن بها أن يستأنفوا حياتهم السياسية فوق الأرض، وتخرجهم وأبناءهم من المعتقلات، وتتنفس مصر وغير مصر الصعداء، وتستطيع أن تمضي نحو بناء ديموقراطية حقيقية وصحية، يحتاج هذا تضحيات مؤلمة من الجميع، أولها أن يتنحى الإخوان عن الطريق جانباً، يوقفوا كل احتجاجاتهم التي باتت (احتجاجاتهم فقط) وليست احتجاجات شعبية، ويتركوا عجلة الديموقراطية تمر، ففي مصر قوىً عدة تريد استكمال مسار الديموقراطية، حتى الإسلام السياسي بات ممثلاً في قوى جديدة، بل إن داخل النظام القديم من يرى ضرورة الدفع نحو الديموقراطية والتعددية وأنها شرط للنهوض بالبلاد، ولكن ما من هؤلاء مستعد لمشاركة الإخوان، ليس مهماً لماذا، المهم إدراك هذه الحقيقة والقبول بها. ليس مهماً من ينتصر، المهم أن تنتصر الديموقراطية وتسود".
وفي سياق محاولتي الرد على الخطة التي يطرحها خاشقجي، لم أجد خيرا مما كتبه كاتب سعودي مهم في الخامس عشر من نوفمبر الماضي، في مقال حول أزمة الأنظمة والليبراليين والإسلاميين العرب، وإن كانت هذه الأزمة هي الإسلام السياسي أم الديمقراطية.
يقول الكاتب في مقاله إن نقاشا كان يدور في الندوات وفي أوساط المثقفين منذ ربع قرن، وكان يدور حول سؤال (وهنا أقتبس من المقال): "هل يمكن «تأهيل» قوى الإسلام السياسي ودمجها في الحياة السياسية شراكة وانتخاباً وتداولاً للسلطة؟ طرح هذا السؤال وكأن الديموقراطية تنتظر العرب في المنعطف التالي، ولكن تبيّن أن الهدف من السؤال ليس إعداد الدول العربية للتحول الديموقراطي المنتظر، وإنما للتحذير منه، فروّج لعبارة «شخص واحد، صوت واحد، لمرة واحدة» كي تحذّر الغرب من دفع العرب نحو الديموقراطية، لأن الأحزاب الإسلامية ستنتصر في الانتخابات ثم تلغي المسار الديموقراطي".
وتابع الكاتب "ما حصل في جزائر 1992، ومصر 2013 بتدخل الجيش في المسار الديموقراطي وبرضا وتشجيع من القوى «المدنية الليبرالية» قلب تلك النظرية تماماً، بل نقل مشكلة التعامل مع الديموقراطية إلى المعسكر «الديموقراطي»، ولكنه لا يزال وبإصرار عجيب يطرح السؤال عمّا إذا كان الإسلام السياسي مؤهلاً للممارسة الديموقراطية! إنه نقاش غير جاد، تستخدمه القوى «الليبرالية المدنية» للتغطية على موقفها المخجل من الديموقراطية، كما أنه استدعاء لجدل حول وضع عربي انتهى تماماً ولا عودة إليه، ففي ذلك الزمن «البعيد»، كان المحلل السياسي والباحثون العرب والغربيون، ومعهم إصلاحيون محليون، يتعاملون مع كتلة صلبة متشبثة بالحكم، تتمتع بشرعية ما نتيجة غلبتها، وبدا أنها قدر العرب المحتوم.
إنها النظام العربي القديم، المكوّن من عناصر ثلاثة؛ عسكر يقودون، وبيروقراطية مطيعة تسيّر أحوال البلد، وطبقة مدنية منتفعة، فحاولوا إقناعها وقلبوا معها احتمالات ونتائج إشراك الإسلاميين في شكل محدود ومسيطر عليه في مؤسسات النظام، بعدما استعصوا على الزوال، على رغم التنكيل من إعدامات ظالمة واعتقالات لا تنتهي حتى تبدأ من جديد، وحملات تشويه، ولم يكن ذلك نتيجة يقظة ضمير ورغبة في الإصلاح، وإنما اعتراف مستحق نتيجة قوة الإسلاميين في الشارع، قلّل الإعلام الرسمي من حجمها، ولكن أمنه الفعال والعالِم بواقع الحال في الأحياء الشعبية والمساجد يرفع التقرير تلو التقرير الذي يؤكد وجودهم القوي".
وأضاف الكاتب في مقاله المعنون بـ"إنها الديموقراطية… لا الإسلام السياسي": "لم يكن الحوار والتدافع بين الإسلام السياسي والنظام العربي القديم صدامياً دوماً، وإنما أدى إلى شراكة بينهما في بعض الدول العربية كاليمن، إذ تحالف «الإخوان» مع الرئيس المعزول علي عبدالله صالح لأكثر من عقدين، ولم ينهِ تحالفهما غير الربيع العربي، وفي السودان أيضاً بين الجيش والإسلاميين، ولكن كانت شراكة وفق قواعد النظام العربي القديم، أي أنها كانت على حساب الديموقراطية. الشاهد هنا أن مشكلة العرب، ليبراليين كانوا أم إسلاميين، هي مع الديموقراطية، وليست مع الإسلام السياسي أو أية آيديولوجية أخرى، وأن موقفهم المتردد والانتقائي نحوها هو الذي عطّل مسيرتها".
إذن، الرد على ما طرحه الأستاذ خاشقجي في مقاله المنشور اليوم، هو ما يمكن اختصاره من مقال الكاتب السعودي الآخر المنشور قبل حوالي شهر ونصف من الآن، وهو أن مشكلة الطبقة الحاكمة وتحالفاتها هي مع الديمقراطية، وليس مع الإسلام السياسي، وهو ما يعني أن هذه الطبقة ستحارب الديمقراطية الحقيقية بغض النظر عن هوية الطرف الذي سيحكم بناء على هذه الديمقراطية.
بقي أن نقول، أن الكاتب السعودي الآخر هو نفسه جمال خاشقجي، وأن اللجوء إلى أحد مقالاته للرد على مقاله الجديد لا يستبطن كشف التناقض في المقالين، بقدر الإعجاب بفكرة المقال القديم التي ترد على فكرة مقال اليوم.
بقي أن نقول أيضا، أن بعض الأطراف قالت بصراحة في مصر إنه لا مكان للإخوان في الحياة، وليس فقط في السياسة، وهو ما دفعنا إلى اقتراح خطة بديلة للخطة "ج" التي يقترحها الأستاذ خاشقجي، وهي الخطة "د": موتوا أيها الإخوان.. كي تعيش الديمقراطية!