بخطوات متسارعة كلمح البصر، هلّ علينا تنظيم الدولة في بلاد العراق ثم الشام يتحدث باسم الشريعة ،وحكمها ويطلبها ويكفر بسايكس بيكو، ثم يتحول بعد ذلك من تنظيم إلى دولة الخلافة وينصب خليفة ويطالب المسلمين ببيعته..!
لن أتطرق في مقالي هذا عن التنظيم نفسه أو نشأته أو تمويله أو طبيعة أفكاره بين التشدد أو الصحة والتي أرى فيها وفي تطبيقها الكثير الكثير من الخلل، ولكني سأتطرق إلى مجموعة من الشواهد في محاولة لفهم المشهد العالمي الحالي.
الآن نشاهد حلفًا دوليًا استعماريًا ضخمًا من كفار الأرض من حلفاء سايكس بيكو، المحركين بدعم وتوجيه من المؤسسات الحاكمة في العالم – أطلق عليها جون بركنز اسم "united corporations" في كتابه اعترافات قاتل اقتصادي ، يواجه هذا التنظيم بكل قوته ويشعر بالخطر علي نفسه ،وفي المقابل لم نرى هذا الحلف يتدخل قبل ظهور ذلك التنظيم رغم مجازر نظام الأسد وحتى عندما تدخل أعلن تدخله لوقف زحف "داعش" حسب وصفهم!
إذًا لماذا ضد داعش وليس ضد النصرة وليس ضد بشار وليس ضد الأسد?!
أعتقد أن الإجابة تتلخص بكل بساطة في أن ذلك التنظيم يريد أن يتخطى شروط اللعبة المرسومة من المؤسسات الحاكمة ويريد إعادة ترسيم القواعد من جديد! وإدخال قوة مؤثرة في العالم علي الخط قد تتخطى سيطرة المؤسسات الحاكمة في العالم ،فهو تنظيم يتحدث عن هدم الحدود الذي بذل النظام العالمي الكثير كي يقيمها ،تنظيم يتحدث باسم الدين والخلافة التي مقصدها الأساسي إيصال الرساله لكل بلاد العالم ،والنظام العالمي لا يترك شيئا يهدده للصدفه بل ينهيه في مهده حتى لا يزعجه في المستقبل.
ولكن لماذا حلف عالمي وليس دولة واحدة مثل أمريكا تواجه والبقية تدعم وفقط?!
النظام العالمي يأبي إلا أن يشعر الجميع بالخطر، ويريد أن يشرك الجميع في وأد الفكرة حتي يخبره أنه إذا صمت فإن هذا الفكرة ستملك موضع أقدام حكام العالم فهذا ما فطن إليه قيصر عندما جاءه رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخبر أعظم قوة في العالم وقتها أن "أسلم تسلم" فيقول وقتها قيصر عظيم الروم لو صح هذا الرجل سيملك موضع قدمي هاتين!
إذا .. هنا أصل الفكرة وهنا مربط الفرس!
النظام العالمي لا يواجه داعش من أجل داعش .. بل من أجل فكرة رفعتها داعش وهي "الخلافة" تلك الفكرة التي تهدم القيود علي كل البشر لتحرر البشرية ،لتحررهم من ضغوط المال والسلطان والعصبيات؛ لتتركهم يقرروا مصيرهم ودينهم وتوحد نسيج العالم تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ولكن لماذا لم يواجه النظام العالمي جماعة الإخوان بنفس قوة المواجهة والتشويه مع داعش على الرغم من رفعها راية الخلافة الراشدة أيضا وتسعى للوصول لها ?!
يمكن أن يدرك الناظر أن جماعة الإخوان المسلمين هي فكرة عالمية ولكنها تنظيميًا مفككه وليست بعالمية فكرتها فكل قطر يهتم بقطره فقط وبالمشاكل الطفيفه التي يشغله ويعطله بها النظام العالمي فتجد الإخوان بكل قطر يضربون في ذيل ذلك النظام العالمي ففي مصر تجد انقلابًا وفي اليمن تجد اضطرابات سياسية وفي الجزائر تجد طاغية وهكذا.
وفي تلك اللحظة التي يقرر الإخوان أن يضربوا الرأس بكل قوة ويتركوا الذيل بأن يوجهوا النظام العالمي ككتلة واحدة وكجسد واحد للوصول للخلافه وقتها سيشتد الوطيس أضعافًا مضاعفه والغلبة ستكون وقتها ستكون للأكثر جاهزية لتلك المواجهة العنيفة.
أما إذا رجعنا إلي سؤالنا الأول عن داعش ،أهي عميلة، أم تمثل الخلافه ،فإني أحسب والله أعلم أنها لا هذا ولا ذاك هي شيء بينهما له مشاكله الفكرية والإيمانية وليست ذلك النموذج الذي يمكن تطبيقه
ولكن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُسأل هنا .. هل إذا تم معالجة ما يراه البعض من انحرافات في تنظيم الدولة سننضم له للوصول للفكرة! أم أن توجهنا لداعش بالنقد هو مجرد دفن للرأس في الرمال وهروب من مواجهة النظام العالمي وهل نستعد حقا لمواجهة ذلك النظام ونعد له العدة أم أنه مجرد كلمات علي أوراق!
وهنا تسقط الأقنعة ويقف كل فرد منا عاريًا أمام أفكاره وتطبيقاته!
هذا المقال هو مدخل لعٍدد من المقالات، التي تتحدث عن النظام العالمي وماهيته وتطوره وواقعه الحالي /والخلافه الإسلامية/ والتنظير لها، وكيف ييمكن أن تواجه ذلك النظام العالمي الذي تجذرت أفكاره الآن وكيف يكون المخرج من كل هذا وبالتمسك بماذا وترك ماذا؟