"أتعهد أنا… المحبوس على ذمة قضية… فى أحداث… بأني لا أنتمي إلى جماعة الإخوان المحظورة، ولم أمارس أي أعمال عنفية، وأني أريد بذلك التصالح مع الحكومة، وأرجو من إدارة السجن توصيل هذه الرسالة عني إلى المسئولين".
كان هذا نص الورقة التي تداولها المعتقلون في عدد من سجون الانقلاب العسكري في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، ورفضها عدد كبير من المعتقلين، وهي تتحدث عن فكرة قديمة تم تنفيذها في تسعينيات القرن الماضي مع الآلاف من أعضاء الجماعة الإسلامية داخل سجون مبارك وعلى إثرها خرج أعضاء الجماعة الإسلامية من سجون مبارك عام 1997م، والذي اعتبره الثوار لجوئا من الانقلاب وسلطاته لحيلة "الورقة" لمحاولة شق صف المعتقلين على ذمة قضايا الدفاع عن الشرعية.
والتوبة هي صيغة كتابية في صورة إقرار؛ كانت أجهزة الأمن تطلبها من المعتقل يثبت فيها التبرؤ من كل ما فعله من أعمال وتجريمها والتعهد بعدم تكرار ذلك مع أجهزة الأمن عند الحاجة إليه فيما يسند إليه من أعمال.
وقال مصدر محتجز فى سجن العقرب: "إن عملية جمع التوقيعات داخل السجون انطلقت تحت مسمى التصالح مع النظام، وتنتشر عبر وسطاء من المسجونين فى أوساط المحتجزين الذين لا يتبنون أية أيدولوجية سياسية أو فكرية.
وأضاف المصدر: "بلغنا من خلال الحوار مع بعض المعتقلين فى السجون الأخرى أثناء جلسات المحاكمة أن الأمر ذاته ظهر عندهم".
ومن جانبه، قال مصدر مسئول بقطاع السجون فى وزارة الداخلية، إنهم لم يتلقوا أية طلبات رسمية من سجناء جماعة الإخوان تفيد بتصالحهم مع الدولة وعدم ممارسة العنف، وأنهم غير مسئولين عن أية طلبات أو أوراق يتم تداولها بهذا الشأن.
وأضاف المصدر، أن المرة الوحيدة التي تم تلقي جهات الأمن طلبات رسمية تفيد المصالحة والاعتذار للشعب من قبل معتقلي جماعة الإخوان المسلمين كانت من 14 سجينًا إخوانيًا بقسم شرطة عتاقة بالسويس أطلقوا مبادرة للصلح عن طريق إرسال رسالة لجهاز الأمن الوطنى ومديرية أمن السويس مطالبين بفتح صفحة جديدة معهم.
وشدد المصدر، على أن أجهزة الأمن وقطاع التفتيش بالسجون يجرى حملات تفتيشية بين الحين والآخر على جميع السجناء سواء السياسيين أو الجنائيين، ويحذر تداول أية أوراق أو منشورات داخل السجون لمخالفتها القانونين واللوائح المنظمة للسجون المصرية.
اعتقال أم سجن؟
وقال المفكر الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، إن جماعة الإخوان ارتكبت أخطاء، مشددًا على أنه لا يجوز إدانة أعضاء الجماعة لمجرد انتمائهم إليها، بل الخضوع لحكم القضاء في حقهم.
وأضاف "أبوالمجد"، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "90 دقيقة"، على قناة "المحور"، أن اعتراف جماعة الإخوان بقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي ونبذهم أعمال العنف يُهيئ لعقد المصالحة معهم.
أكد المحامي الحقوقي محمد زارع رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي أن إقرارات التوبة المنتشرة بين قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين بالسجون هي استنساخ لنظيرتها التي كانت تجمع داخل السجون في التسعينيات من الجماعات الإسلامية.
وأوضح زارع فى تصريحات لـ"اليوم السابع" أن الشخص الموقع على إقرار التوبة ونبذ العنف بالتسعينيات كان يبحث ملفه مرة أخرى؛ لأن هناك من يفعل ذلك كتمويه للخروج من السجن فقط، قائلا "ولا يوجد حل يستمر للنهاية بالصدام والعنف والمواجهات الأمنية فقط".
وأشار رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي إلى أن إقرارات التوبة هي أسلوب تتبعه الدولة لمحاولة التنويه بين الأشخاص، ودراسة كل منهم على حدة، ومن يتبع الفكر التفكيرى المتشدد، ومن لديه نية صادقة يتم التعامل معه بالحوار، مؤكدا أن الفكر المتطرف لا يتم مواجهته إلا بالفكر المستنير.
وأضاف المحامي الحقوقي محمد زارع أن الأمر يتكرر مرة أخرى داخل السجون الآن، لافتًا إلى أنه لا علاقة له بالإباحة القانونية أو التجريم القانوني، وأنه من حق كل سجين أن يختار طريقه وعلى الدولة أن تقرر العفو عنه أو لا باعتبار ذمام الأمور بيدها، متوقعًا أن يحدث ذلك قريبا.
وأوضح رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائى أن إقرارات التوبة هى طريقة لإنهاء النزاع بين الدولة وعناصر جماعة الإخوان عن طريق فرزهم إلى مجموعات، وهو أسلوب تم تجربته من قبل بالتسعينيات وظلت مصر بلا إرهاب لأكثر من 14 عامًا نتيجة بعض المراجعات الفكرية وتوقيع إقرارات التوبة.
وفي السياق ذاته أكد المحامي الحقوقي أسعد هيكل أن إقرارات التوبة التي يوقع عليها عناصر جماعة الإخوان المسلمين بالسجون ليس لها إطار قانوى، لكن من الممكن أن توضع فى إطار الاعتراف بالواقع وما حدث في 30 يونيو.
وأوضح المحامي أسعد هيكل، في تصريحات لـ"اليوم السابع"، أن توقيع تلك الإقرارات خطوة جيدة من جماعة الإخوان وبعض عناصرهم للاعتراف، بما حدث من أخطاء من ناحيتهم بحق الشعب المصري أثناء فترة حكمهم، وما ارتكبوه من عنف بعد "ثورة 30 يونيو".
وأشار الحقوقي أسعد هيكل إلى أن تلك الإقرارات قد تكون سببًا في تطبيق مبدأ الرأفة معهم خلال محاكماتهم، مشددًا على أن التصالح لا يكون مع الحكومة، ويجب أن يكون مع الشعب، فالحكومات متغيرة والشعب هو الباقى ويجب أن توجه تلك الإقرارات للشعب. فيما أكد أستاذ القانون العام الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أن إقرارات التوبة التي يوقعها قيادات جماعة الإخوان المسلمين بالسجون، هي مجرد مناورة سياسية الغرض منها إفشال الدولة وكسب تعاطف المصريين بغرض الرجوع مرة أخرى للحياة السياسية، وإثارة البلبلة مرة أخرى بالشارع المصري.
وأشار الدكتور أحمد مهران -مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية- أن إقرارات التوبة إجراء غير قانوني بكل المقاييس وغير سياسي، ولا يتفق مع طبيعة الوضع السياسي في مصر؛ لأن الإقرار بالمسئولية والتوبة لا يعني الإعفاء عن المسئولية أو القصاص من المتهمين الذين ارتكبوا جرائم في حق المصريين.
التاريخ يعيد نفسه
وقد شهدت نهاية حقبة التسعينات انتهاء الحرب بين النظام والجماعات الإسلامية المسلحة، والذي دام ما يقرب من عقدين من الزمان، والنهاية آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المعتقلين الذين امتلأت بهم سجون مبارك.
وظهرت لأول مرة فكرة المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية والتي أعلنها أحد قادتها أثناء إحدى المحاكمات العسكرية لأعضاء الجماعة.
هذه المراجعات التي أعلنت خطأ الجماعة ومنهجها في الخروج على الحاكم والنظام ومقاومته بقوة السلاح، ودعت إلى وقف العنف بشكل نهائي، والعودة إلى العمل الدعوي فقط، استنادًا إلى تأويلات جديدة معتدلة للأحكام الفقهية فيما يتعلق بفكرة الحاكمية والطائفة الممتنعة وغيرها من المفاهيم التي كانت الجماعة تتبنى بشأنها في الماضي تفسيرات أدت بها إلى مواجهة مسلحة مع النظام.
اغتيالات الجماعة الإسلامية
في 6 أكتوبر 1981 اغتالت الجماعة الإسلامية الرئيس المصري أنور السادات حيث قام الجناح العسكري للجماعة بقيادة الملازم أول خالد الإسلامبولي، وبصحبة زملائه عبد الحميد عبد السلام الضابط السابق بالجيش المصري، والرقيب متطوع القناص حسين عباس محمد، والذي أطلق الرصاصة الأولى القاتلة والملازم أول احتياط عطا طايل حميده رحيل، بقتل الرئيس أنور السادات أثناء احتفالات مصر بانتصارات أكتوبر في مدينة نصر بالقاهرة.
وفي 8 أكتوبر 1981 م قام بعض أفراد الجناح العسكري للجماعة الإسلامية بمهاجمة مديرية أمن أسيوط ومراكز الشرطة واحتلال المدينة ودارت بينهم وبين قوات الأمن المصرية معركة حامية قتل فيها العديد من كبار رجال الشرطة والقوات الخاصة, وانتهت بالقبض عليهم وعلى رأسهم ناجح إبراهيم وكرم زهدي وعصام دربالة، والحكم عليهم فيما عرف في وقتها بقضية تنظيم الجهاد بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عامًا.
كان للجماعة دورها في حرب أفغانستان حيث قتل عدد من أعضائها، من أبرزهم علي عبد الفتاح أمير الجماعة بالمنيا سابقًا، ومن هناك أصدرت الجماعة مجلة (المرابطون)، وأقامت قواعد عسكرية لها.
ينسب إلى الجماعة محاولات إرهابية لاغتيال بعض الوزراء ومسؤولي الحكومة والشرطة، ومن أبرزهم رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب المصري، ويقال إن قتله كان لتصفية حسابات، كما ورد بمرافعة د. مندور المحامي بمرافعته والكاتب فرج فودة.
وفي 17 نوفمبر 1997 قامت الجماعة بقتل 58 في خلال 45 دقيقة شخصًا معظمهم سياح سويسريون بالدير البحري بالأقصر بمصر فيما عرفت لاحقًا باسم مذبحة الأقصر أو مذبحة الدير البحري. وفيها هاجم ستة رجال مسلحون بأسلحة نارية وسكاكين حيث كانوا متنكرين في زي رجال أمن مجموعة من السياح كانوا في معبد حتشبسوت بالدير البحري
قامت بمحاولة لاغتيال الرئيس المخلوع مبارك في أديس أبابا عام 1995 وقتل جميع أفرادها آنذاك من قبل الحرس الرئاسي المرافق.
وفي عام 1997 أعلن قادة الجماعة من داخل محبسهم "مبادرة لوقف العنف" وقد حظيت هذه المبادرة برفض من جانب بعض رموز الجماعة في الخارج، مما ترتب عليها عدد من الانفجارات طوال المرحلة والتفجيرات.