وعلى الرغم من أن الجيش أوشك علي الإنتهاء من المرحلة الثانية وإخلاء الشريط الحدودي بعمق كيلو متر إلا أنه لا يلاحظ أي تقدم في السيطرة الأمنية علي المنطقة بل تزايدت وتيرة العمليات المسلحة ضد قوات الجيش بالمنطقة، واستهداف الأهالي، مما يؤكد أن ما قام به الجيش خلال الأربعة شهور السابقة من إخلاء وتهجير للأهالي نجح فقط في القضاء على الحياة بالمنطقة لا علي الإرهاب المزعوم.
رفح المصرية يبلغ تعدادها السكاني إثنين وسبعون ألفا وثلاثمائة وتسعة وستون نسمة (72369)، حسب آخر إحصائيات السجل المدني بمجلس مدينتها.
سكان المرحلة الأولي والثانية فقط ستة وعشرون ألفا وتسعمائة وإثنين وعشرون نسمة موزعون علي مختلف أحياء الشريط الحدودي والذي يعد ميدان صلاح الدين أكثرهم حيوية ليس فقط لأنه صاحب أعلى كثافة سكانية بالمدينة والتي تبلغ ثلاثة عشر ألفا وثلاثة وتسعون (13093)نسمة، وقبل بدء العمليات العسكرية علي سيناء كان يعد مزارا سياحيا يتوافد عليه السياح من داخل وخارج مصر.
فللميدان تاريخه الذي أكسبه هذه الأهمية فمن خلاله عبرت جيوش صلاح الدين الأيوبي نحو فلسطين أثناء الحروب الصليبية وهو ميدان ممتد بدايته في رفح المصرية ونهايته في رفح الفلسطينية يربط بينهما بوابة صلاح الدين.
هذا التاريخ حوله جيش السيسي في أيام معدودات الي حطام بل حتى حطام المنازل قاموا بدفنها فأصبحت أرض الميدان أرض مستوية لا يصدق من يراها أنه كان أي حياة علي سطحها يوما ما.
وبعد أن إنتهت المرحلة الأولي ظن أهالي المدينة أن النكبة توقفت عند هذا الحد فبدأوا يجمعوا شتات عائلاتهم فإذ بلجنة الحصر تأتيهم معلنة البدء في حصر بيوت المرحلة الثانية ليتيقن الأهالي أن المرحلة الأولي لم تكن إلا بداية لطوفان التهجير القسري.
وليكتمل المشهد كان لابد من بعض الإجراءات الشكلية ليستغلها إعلام الإنقلاب في رسم صورة عبثية أن الإخلاء يتم بموافقة الأهالي ودعم من شيوخ القبائل فكان لابد من أن يجتمع المحافظ بشيوخ القبائل ليخرج بعدها المحافظ ليعلن مباركة مشايخ رفح.
بلقاء أحد من حضر هذا اللقاء وهو الحاج (أ.م) وهو من وجهاء عائلة البراهمة قال لـ”رصد”: “لم يكن الهدف من اللقاء هو الإستماع لنا بل كان لتبليغنا بقرار الإخلاء ولقد وجهت كلامي للمحافظ وقلت له: “كان عندي بيتين في المرحلة الأولي وراحوا وأنا الآن في المرحلة الثانية في بيتي 53 شهادة ميلاد، كام أسرة وكام طفل وين بدهم يروحوا إحنا مستعدين اللي يفتح نفق نسلمه لكم ولكنه قال ما يفيد أن الوقت قد فات علي هذا الكلام وأنه إجتمع بنا ليبلغنا أنه إبتداء من الأسبوع القادم سيبدأ إخلاء منازل المرحلة الثانية”.
وأضاف: “لم تخذل المحافظة الأهالي فقط في هذا الإجتماع بل كان لها دور أساسي في زيادة حجم الخسائر عند الأهالي فالتعويضات التي قدرها مهندسو لجان الحصر التابعة للمحافظة لم تشمل الأرض المحيطة بالمنزل”.
اللجنة قدرت التعويضات كالآتي -بحسب الأهالي-: 1200 جنيه لمتر البيت الخرساني كامل التشطيب و 800 جنيه لمتر البيت تحت التشطيب والعمود المسلح 100 جنيه رغم أن مصنعية العمود وحدها قيمتها تزيد عن 250 جنيه.
الانقلاب هجر الأهالي وبخس ثمن منازلهم وصدمهم بقرار جديد هو أن الإخلاء سيمتد ليصل لعمق خمسة كيلو متر، ليعلق أحد الأهالي على القرار: “أين كانت الدولة خلال الفترة السابقة ماداموا يريدون إخلائها فلماذا تركونا نبني ونؤسس ونضع كل ما جمعناه من مال في بيوت تمنحنا الدولة تراخيص بنائها وتمدنا بالمرافق وشبكات المياه والكهرباء لتأتي اليوم تقول لنا اخلوا منازلكم ب1200 جنيه تعويض”.
مأساة التعويض ليس فقط في قيمته وإنما في الأوراق التي يقوم صاحب البيت بالتوقيع عليها والتي تشمل عقود بيع تؤكد بأنه باع البيت والأرض وخانة المشتري فارغة، و أيضا إقرار منه يتعهد فيه أنه لن يبني علي عمق خمسة كيلو ليتيقن الأهالي أنهم بقيمة التعويض لم يبيعوا بيوتهم فحسب بل باعوا مدينة رفح بأكملها، بيع تحت الإكراه والتهديد.