أصبح حرق مقر الحزب الوطني الكائن على كورنيش النيل في الثامن والعشرين من يناير 2011، هو الشيء الوحيد المتبقي من انتصارات ثورة يناير على مدار الأعوام الأربعة الماضية بعدما استطاع الثوار محو تاريخ طويل من فساد الحزب المنحل، وأسندت حكومة إبراهيم محلب اليوم الأربعاء، هدم المبنى للقوات المسلحة، في خطوة لمحو عاره من التاريخ بعد تبرئة رجال النظام من جرائمه وحصار الثوار.
والعقار أنشئ في عام ١٩٥٩ كمقر لبلدية القاهرة، تحول بعده إلى مقر الاتحاد الاشتراكي العربي عام 1966، ثم إلى محافظة القاهرة، وأخيرًا ضم مقر عدة مؤسسات هي: المجالس القومية المتخصصة، والحزب الوطني، والمجلس القومي للمرأة، والمجلس الأعلى للصحافة.
رمز السقوط
اعتبر حرق المبنى قبل 4 أعوام أولى علامات سقوط نظام مبارك، وهي البناية التي اعتبرها مراقبون “مطبخًا للتوريث” في مصر، في إشارة إلى الخطوات التي كانت تتخذ داخله لتوريث جمال مبارك نجل الرئيس الأسبق، الحكم في مصر.
الفلول عائدون
في الوقت نفسه، هناك 160 مرشحا محتملا حتى الآن كانوا ينتمون يومًا للحزب الوطني المنحل الذي ثار عليه المصريون في 2011، وظنوا أنه ذهب بلا رجعة، أعلنوا عزمهم خوض انتخابات برلمان 2015، مما أعادهم مرة أخرى إلى المشهد السياسي.
وبعدما حصل رجال مبارك على البراءة واحد تلو الآخر، تبدلت الأدوار وأصبح الفاسدون “أحرار”، والثوار “سجناء”، إذ بدأت برجال الشرطة الذين تورطوا في قتل الثوار، مرورًا برجال الأعمال على رأسهم أحمد عز أمين لجنة السياسات بالحزب الوطني، حتى المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي.
تصريحات الهدم
ومنذ الثورة على نظام مبارك، خرجت ثلاثة تصريحات من جهات مختلفة تتحدث عن مصير المبنى، حيث أعلنت محافظة القاهرة في وقت سابق أنها ستهدمه وتحول موقعه إلى حديقة.
وقال وزير الآثار السابق محمد إبراهيم، إن المبنى سينضم إلى المتحف المصري في ميدان التحرير (وسط القاهرة) في إطار خطة تطويره.
وكانت وزارة الآثار المصرية أعلنت يوم 15 ديسمبر 2012 عن خطة تطوير خاصة بالحديقة المزمع إقامتها، تشمل إقامة حديقة فرعونية تضم أشجارًا ونباتات مصرية قديمة، ومعرضًا دائمًا لتوثيق الـ18 يومًا الأولى لثورة 25 يناير التي أنهت حكم مبارك رئيس الحزب والبلاد آنذاك.
وأخيرًا، وافقت حكومة إبراهيم محلب، على أن تتولى محافظة القاهرة السير في إجراءات هدم مبنى الحزب الوطني الكائن بكورنيش النيل.
كما وافقت على إسناد أعمال الهدم للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، على أن يتم استخدام الموقع بعد إتمام أعمال الهدم بقرار من مجلس الوزراء.
وتمتلك هيئة الآثار الأرض المقام عليها المبنى والتي تدخل في محيط المتحف الذي يضم الجزء الأكبر من ثروة مصر الأثرية، والتي تصل لأكثر من مائة ألف قطعة أثرية.
مشهد استفزازي
ووصفت نيفين ملك، عضو حزب الوسط، قرار الهدم بأنه يأتي ضمن مشهد استفزازي تمارسه سلطات العسكر، مشيرة إلى أن نجلي مبارك دخلا قبل أيام ميدان التحرير “رمز الثورة”، في الوقت الذي يتم محاصرة كل الثوار ومنعهم من الحديث.
وقالت نيفين، في تصريح لشبكة “رصد” الإخبارية، إن “ما حدث بالنسبة لمشهد هدم مقر الحزب الوطني استكمال لكل مهرجانات البراءة للجميع وقتل الثوار، ولم تصدر أي أحكام عادلة لكل من تسبب في سفك دماء المصريين”.
وأوضحت عضو حزب الوسط، أن “الانقلاب العسكري يحاول أن يمحي عار الحزب الوطني المنحل، وأن يخفي صورة الثورة المصرية من عيون الأجيال الجديدة، حتى لا يفكر أحدهم أن ثورة قامت ونجحت”.