تساءلت إذاعة “فويس أوف أميركا” عن تداعيات الحكم على الرئيس محمد مرسي بالسجن 20 عامًا: “هل هو إعلان نعي أم بداية جديدة لإخوان مصر؟”.
وللإجابة عن هذا التساؤل، نشرت الإذاعة تقريرًا للصحافية الأمريكية هيذر موردوك. بدورنا نستعرض أبرز ما تطرق إليه:
من الرئاسة إلى السجن
في عام 2012، اختار الرئيس محمد مرسي حكومة “ديمقراطية، لكنها ليست موالية بخنوعٍ للغرب”، والآن حُكِم على مرسي بالسجن 20 عامًا، إلى جانب الآلاف من جماعة الإخوان المسلمين المؤيدين له، ووصمَت الحكومة التي خَلَفَت مرسي، الإخوان بأنها جماعة إرهابية، وقتلت قوات الأمن المئات من أعضاء الجماعة في الشوارع، ومئاتٌ غيرهم، من بينهم بعض القيادات، ينتظرون عقوبة الإعدام.
من جانبهم يقول قادة الإخوان المسلمون في الخارج، إن “المنظمة لا تزال قوية، وأن جيلًا جديدًا من القادة الشباب بدأ في الظهور ليحل محل المسجونين والقتلى”. وجاء في بيانٍ أصدره، من إسطنبول، القيادي في حزب الحرية والعدالة، عمرو دراج: “إن محاكمته (مرسي) صورية من إعداد وتوجيه الحكومة ولا تدعمها أدلة على الإطلاق”.
بعدها بساعات، صرَّح “دراج” للصحافيين أن الإخوان سوف ينظرون دومًا للقيادات المسجونة على أنهم قادتهم، لكن رجالًا جُدُد سوف يظهرون لـ”إدارة الأمور… عليكَ أن تكون في الخارج وفي قلب الأحداث”.
موتٌ أم غيبوبة؟
يرى بعض المحللين أن الحكم على مرسي بداية نهاية جماعة الإخوان المسلمين كما نعرفها، ويمكن أن تكون تصريحات عمرو دراج، مجرد النزع الأخير لمنظمة تحتضر، قتلها طموحها، على حد وصف رئيس مكتب صحيفة الحياة اللندنية في القاهرة، محمد صلاح، الذي أضاف: “لم يفقد الإخوان الآن السلطة السياسية فقط، بل ثقة الجمهور أيضًا، إنهم جيدون في المعارضة، أما الحكم؟ فشلوا فشلًا ذريعًا”.
بيدَ أن مراقبين آخرين يرون أن فقدان القوة والشعبية قد يكون مؤقتًا، وأن جماعة الإخوان المسلمين ليست جيدة فقط في المعارضة، على حد قول الكاتب المصري البارز فهمي هويدي، ولكنهم أساتذة، يمتلكون موهبة بارزة في التحمل.
الحظر لا يفيد
باستخدام مزيج من عمل الخير والتقوى، اكتسب الإخوان شعبية في أوساط الفقراء المصريين، ولا يزال كثيرون يعتبرونهم جماعة دينية مضطهدة، وليس حركة متطرفة عنيفة، وفي هذا الصدد يقول هويدي: “من الصعب القول: إن كل شيء انتهى بحظرهم قانونيا، فعلى مدى أكثر من 80 عاما كانوا هنا، وسوف يستمرون”.
ورغم حظر الإخوان بشكل ما في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك لمدة 20 عاما، ضربت جذور الإخوان بأطنابها عميقًا، وصعدت بسهولة بعد انتفاضة عام 2011 باعتبارها الحزب الأقوى والأكثر تنظيما والأغنى.
يعود ذلك، بحسب “هويدي”، إلى أن حظر مبارك لم يكن مطلقا. ففي عام 2005، فاز أعضاء جماعة الإخوان المسلمين بـ20% من مقاعد البرلمان، هذا الاستعراض للقوة أثار حملة أمنية حكومية ضدهم، وبعد سقوط مبارك، استحوذت الجماعة على نصف مقاعد البرلمان، وفي العام التالي فاز مرسي في منافسة ساخنة، وانتخب رئيسًا بنسبة 51%.
الدولة العميقة
لكن شعبية مرسي سرعان ما تراجعت، حيث عجز عن الوفاء بالتحسينات الموعودة في الخدمات الأساسية؛ جزئيًا بسبب عدم قدرته على عقد تحالف مع أعضاء “الدولة العميقة”؛ تلك النخبة التي كانت تمسك بزمام السلطة لفترة طويلة من خلف الكواليس، كما أن انقطاع الكهرباء ونقص الوقود والشائعات الكاذبة التي روجتها وسائل الإعلام وضعت الدولة على الحافة.
وبعد تدخل الجيش للإطاحة بمرسي، بدت مصر منقسمة؛ ما بين مجموعة تُبشِّر بالسيسي، وآخرين يحتقرونه، تمت شيطنة وسائل الإعلام الأجنبية، فيما بدأت وسائل الإعلام المصري تعزف على نغمة الحكومة، وسرعان ما بدأ الاعتقال يطال الصحفيين، حتى أولئك الذين لم يكن يُلقى القبض عليهم عادة، حتى أصاب الذهول بعض الليبراليين الذين احتفلوا بعد سقوط الحكومتين (مبارك ومرسي).
غسيل دماغ
أحد هؤلاء يُدعى محمد، وصف نفسه بأنه ناشط سابق، وأعرب عن خيبة أمله من نتائج الانتفاضتين، قائلا: “شعرت وكأنني استيقظت للتو”، ورغم حماسته للإطاحة بمرسي، قال محمد إنه لم يتوقع سيطرة الجيش على الحكم، بل أراد فقط وضع حد لما وصفه بـ”الدكتاتورية الدينية”.
وأضاف: “بالنظر إلى الوراء، كان ينبغي أن أرى القادم: هذا ما حدث بعد سقوط مبارك؛ استولى الجيش على السلطة، لكني تعرضت في ذلك الوقت لعملية غسيل دماغ، قامت بها وسائل الإعلام، لي ولآخرين”، في إشارة إلى النشوة الأولية بعد سقوط مرسي.
لم يكن محمد أبدًا مناصرًا لجماعة الإخوان، لكن عندما سئل عن شعوره تجاه إدانة مرسي، قال: بالطبع كانت خطأ؛ لقد “صوت الشعب لصالحه”.
محمد ليس الوحيد الذي يشعر بخيبة الأمل، وهو يتساءل عن مستقبل الديمقراطية في مصر بعدما نجا مبارك تقريبا من قبضة العدالة، بينما لا يزال مرسي قابعًا في السجن.
اختبار الديمقراطية
ما يُعَقِّد الأمور، هو الجهد القوي الذي تبذله الحكومة ووسائل الإعلام للخلط بين جماعة الإخوان المسلمين والعنف الجهادي الذي يجتاح أجزاء من مصر والمنطقة، صحيح أن المشاعر المعادية للإخوان المسلمين بلغت مستويات مرتفعة- بحسب هويدي- لكن المزاج الوطني يمكن أن يتغير مرة أخرى.
قائلًا: “الأغلبية مناهضة للإخوان الآن، لكن هذا قد يتغير لأن وسائل الإعلام تلعب دورا كبيرا في تغيير العقول. عندما يحدث ذلك ربما ببساطة يطلق سراح بعض أعضاء الإخوان المسلمين، من واقع خبرتنا، سيطلقون سراحهم بعد سنوات قليلة.
الاختبار الحقيقي للديمقراطية في مصر، بحسب “هويدي”، لن يكون معدل الإدانات، ولكن ما إذا كانت مساحة سياسية كافية سوف تفتح لدمج ما يمكن أن يكون الجيل القادم من جماعة الإخوان المسلمين.
اتهامات بلا دليل
لكن هل الإخوان المسلمون جماعة سياسية ودينية ينبغي دمجها في الفضاء السياسي المصري، أم أنها عصابة من المتطرفين؟ يرى “صلاح” أن أعمال العنف الأخيرة، بما في ذلك اشتباكات الشوارع والتفجيرات المتكررة على نحو متزايد، تشير إلى الاختيار الأخير.
لكن بينما ألقت الحكومة اللوم مرارا وتكرارا على جماعة الإخوان المسلمين، فإنها قدمت القليل من الأدلة التي تربط بين الجمعة والعنف، فيما تنفي الجماعة هذه المزاعم، وتقول إن أي عنف من جانبها كان دائما دفاعا عن النفس ضد الهجمات.
في المقابل وُجِّهَت انتقادات حادة للحكومة الحالية فيما يتعلق بسجل حقوق الإنسان، مع وصف منظمة العفو الدولية إدانة مرسي بأنها “صورة زائفة للعدالة”.