“لقد قُلت إننا نحتاج لأن ننظر إلى الأشياء من منظور الشعب العامل الكادح ودافعي الضرائب، وليس من منظور الحكومة ومسؤوليها”.
حاكم ولاية وسكونسن الأمريكية السابق “سكوت ماكالوم”
(1)
لم أعرف القاسم المشترك بين وزيرة التعليم والبحث العلمي الألمانية “أنيتا شيفان”، ووزير الهجرة البريطاني “مارك هاربر”، وأخيرًا وزيرة الثقافة السويدية “سيسيليا شيلو”، للوهلة الأولى؛ فعلى الرغم من أن الثلاثة يجمعهم الاستقالة، إلا أنها تمّت في فترات زمنية مختلفة وببلدان متنوعة في ثقافتها وقوانينها وأيضًا في عاداتها وتقاليدها، ما يَعني أن الاستقالة ليست وحدها القاسم المشترك الذي يجمع هؤلاء المسؤولين!
وزيرة التعليم والبحث العلمي الألمانية “أنيتا شيفان” استقالت في مطلع عام 2013 الماضي من منصبها، عقب فضيحة تتعلّق باحتيالها للحصول على درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات؛ حيث تقول الجامعة الألمانية إن الوزيرة تعمّدت السرقة الأدبية في رسالة الدكتوراه الخاصة بها ما استلزم سَحب الدرجة العلمية.
ورغم تمسّك المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” بصديقتها وزميلتها بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي “شيفان”، إلا أن الضغوط وحملة الانتقادات الشرسة التي طالت الأخيرة، جعلت “ميركل” تقبل استقالة الوزيرة الألمانية على مضض، إيمانًا من منطلق كيف يمكن لوزيرة التعليم الاستمرار في منصبها وسجلّها الأكاديمي مُلطّخ وموصوم! كما أن “شيفان” نفسها علّلت استقالتها بعدم رغبتها في إلحاق أي ضرر بالحكومة والحزب الحاكم، لأنها تعتزم ملاحقة الجامعة قضائيًّا!
أما وزير الهجرة البريطاني “مارك هاربر”، فقد استقال طواعية بدوره في مطلع عام 2014 الماضي، عندما تبيّن أن عاملة النظافة التي تعمل في شقته لسنوات، ليس بحوزتها ترخيص قانوني يتيح لها العمل في بريطانيا، رغم أن الوزير المستقيل لم يَكن على علم بأن عاملة النظافة ليست سوى مهاجرة غير شرعية!
وبالمثل، في عام 2006، استقالت وزيرة الثقافة السويدية “سيسيليا شيلو” عقب تسلّمها مهام منصبها بعشرة أيام فقط، وذلك بعد اعترافها بعدم دَفع الرسوم الضريبية المستحقة على امتلاك تلفاز لمدة 16 عامًا، علمًا بأن تلك الرسوم السنوية تبلغ 1599 كرونة سويدية، أو ما يعادل 1600 جنيه مصري، وتُعد من المصادر الرئيسية لتمويل وسائل الإعلام السويدية العامة، والتي كان ينبغي أن تشرف عليها “شيلو” بصفتها وزيرة للثقافة!
الدرس المستفاد: اللهم باعد بيني وبين تسلّم أي منصب في هذه البلدان، كما باعدت بين المَشرق والمَغرب!
(2)
وفي كوكب موازٍ آخر، وعلى بقعة من بقاع الأرض يَدعوها أهلها باسم مصر المحروسة، اختفت العديد من اللوحات الفنية لكبار الرسّامين التي يبلغ ثمنها حاليًا ملايين الجنيهات ولا يُعرف حتى الآن أين هي، منها لوحة “إنسان السد” للفنان عبد الهادي الجزار ولوحة “الراهبة” للفنان أحمد صبري و”ذات الجدائل الذهبية” للفنان محمود سعيد.
وبعد تمحيص وتدقيق في التقارير الصحفية التي تناولت اختفاء تلك اللوحات مؤخّرًا، صُعقت عندما عَرفت أن وزارة الثقافة كانت تُعير مثل هذه الكنوز القومية للهيئات الحكومية على سبيل “الهدايا”، دون رقابة عليها، أو تدوّنها الوزارة ضمن ما يُسمى بـ”كشوف العهدة” أو “تسجيل اللوحات”، وبطبيعة الحال، تَختفي تلك الكشوف واللوحات إما بسبب الإهمال أو التعمّد!
المُحزن في الأمر، أن هذه اللوحات، والتي منها لوحة “الراهبة” التي يبلغ ثمنها الآن 75 مليون جنيه، كانت تَخرج من متحف الفن الحديث إلى الهيئات والحكومات بموافقة رئيس قطاع الفنون التشكيلية، ولكن منذ تولّي فاروق حسني وزارة الثقافة، قنّن تلك “العادة” وأصبحت اللوحات لا تُعار إلا بموافقة الوزير نفسه! الغريب أيضًا، أن عدد 21 لوحة لكبار الفنانين قد اختفت من مستشفى العجوزة التي كان متحف الفن الحديث قد أعارها لها!
والسؤال اللولبي المتفذّلك الآن: ماذا تفعل تلك اللوحات بمستشفى ما؟ هل ستساعد المَرضى مثلًا على الشفاء السريع دون الحاجة للأدوية المستوردة؟! وحدهم المسؤولون بوزارة الثقافة يعرفون الإجابة على هذا السؤال العويص!
(3)
وفي مصر المحروسة نفسها، تُفاجئنا وزارة الثقافة ومسؤولوها دائمًا بكل جديد وغريب دون محاسبة أو عقاب كان؛ ففي أثناء زيارة الوزير الجديد “عبد الواحد النبوي” مؤخّرًا لمتحف “محمود سعيد” بالإسكندرية، وأثناء سماعه لشكوى أمينة المتحف “عزة عبد المنعم” التي تتعلّق بعدم معادلة وضعها الوظيفي بعد حصولها على درجة الماجستير، فإذا بالوزير “يَقذف” أمينة المتحف بتصريح تناولته وسائل الإعلام المصرية جميعها دون استثناء، يتعلّق بمشكلة الوزير مع “التُخان”!
فبعد أن قالها “النبوي” صريحة لأمينة المتحف: “أنا عندي مشكلة مع الموظفين التخان،” وقبل أن تردّ عليه الأخيرة بقولها إن الوزن ليس ضمن شروط العمل، وإنها من أوائل الخريجين في كلية الفنون الجميلة وحاصلة على ماجستير، وإنها تعمل بالمتحف منذ 7 سنوات ولم يَسبق لها أن خضعت لكشف هيئة أثناء تسلّمها للوظيفة، فإذا بالوزير يزيد الطين بلّة بقوله: “لا إزاي دي من شروط الوظيفة” قبل أن يَلتفت إلى مديرة المتحف قائلًا: “لازم تخليها تطلع وتنزل سلم المتحف كل يوم 20 مرة علشان تخس، وبعدين أنا دخلت لقيتها قاعدة في المكتب وقافلة على نفسها لتكون قاعدة بتاكل جوه؟”!
في أي بلد من بلدان العالم المتقدّمة، كان تصريح مثل هذا التصريح العنصري كفيلًا بجعل الوزير يتقدّم باستقالته على الملأ، قبل أن يعتذر عن إهانة سيادته للمواطنين ذوي الوزن الزائد. لكن، في مصر حيث تَغلب روح الدعابة على ما عداها، يتم عَمل “قعدة عَرب” تضم رئيس الوزراء ووزير الثقافة والباحثة “عزة”، ويتم حلّ مشكلة الأخيرة ومساواة درجتها المالية بمؤهلها الدراسي، ثم تُصبح الإهانة الكبيرة كأن لم تَكن، ويَخرج الجميع مَرضيًا من الاجتماع: الوزير في منصبه، والباحثة يَزيد مرتّبها بضعة جنيهات، حتى رئيس الوزراء نفسه لا شك يَشعر بالغبطة والفرح بعدما اكتشف أن لديه موهبة الإقناع والتفاوض، ولكنها كانت دون شك دفينة بسبب تراكم المهام الجِسام على سيادته!
ولا تَخرج من تلك الفقرة قبل أن تقول سبحان الله، بالله عليك!
(4)
وبالانتقال من وزارة الثقافة، إلى وزارة أخرى، وبطبيعة الحال في مصر المحروسة أيضًا، أي حيث لا يتم إقالة أو حتى يستقيل أي مسؤول طواعية على أرضها، لا يَسعنا سوى ذكر حادثة غَرق ناقلة نيلية تابعة للقوات المسلّحة محمّلة بـ500 طن فوسفات بعد اصطدامها بأحد أعمدة كوبري دندرة العلوي بمدينة قنا، قبل أيام قليلة.
وبخلاف عشرات إن لم يَكن مئات التقارير الصحفية عن هذه الحادثة التي إما تهوّل منها بوصفها أزمة قومية لا تقل بشاعة عن كارثة تسرّب إشعاعات مفاعل تشرنوبل النووي، أو تهوّن من الأمر لدرجة يُعدد معها البعض منافع سقوط حمولة الفوسفات في النيل، وفوائده غير المتوقّعة على الإنسان والحيوان والجماد، وأيضًا الزومبي والكائنات الفضائية وحتى على شخصيات مارفل الكارتونية، إلا أن المحصّلة هي أن أحدًا لم ولن يُحاسب على هذا الحادث، ولو حتى أدبيًّا، باعتبار أن الناقلة تابعة للقوات المسلحة!
وبما أن القوات المسلحة لم تَعتذر حتى الآن للشعب المصري على جهاز اللواء عبد العاطي الذي يحوّل مرض الإيذر أو “فيرس سي” عند المريض إلى “صباع كفتة”، فمن الطبيعي ألا يُحاسب أحد ما على وقوع تلك الناقلة المحمّلة بالفوسفات بمياه النيل!
الغريب أن بعض مسؤولي الدولة مثل محافظ قنا، سارع بالتأكيد على أنه يَشرب من مياه الحنفية ولا يوجد لها أيّة أضرار، فضلًا عن أن مياه النيل صافية، مستدلًا على أن “الأسماك تَسبح في المياه بنشاط غير عادي”! وإذا ما غضّينا الطرف عن أن مياه النيل لم تكن في أي وقت ما صافية، اللهم إلا في حقب فراعنة مصر القدامى، كيف تعقّب محافظ قنا حركة الأسماك “غير العادية” في مياه النيل؟!
وسيرًا على النهج ذاته، سارع محافظ الشرقية إلى تبرئة “الفوسفات” من تسمّم 310 مواطنين على الأقل بالمحافظة مؤخّرًا من جراء شرب مياه النيل، متّهمًا جماعة الإخوان الإرهابية في إثارة أزمة التسمّم، لأنهم “كفرة”، على حد تعبيره!
حمدًا لله على نعمة عدم الانضمام لأي جماعة أو فصيل سياسي، وإلا كُنت متهمًا الآن بتدمير أنف أبي الهول والقضاء على مستقبل “محسن هنداوي” الكُروي!
(5)
أشهر 5 تصريحات “مستفزة” لمسؤولين مصريين:
• “نفسي أشوف راكب واقف في الأوتوبيس” المهندس رزق علي رئيس مجلس إدارة هيئة النقل العام بالقاهرة.
• “الكتب المضبوطة لم تكن فى القائمة المسموحة بها للمكتبات المدرسية بمعرفة الوزارة، وأنه تم تسريبها إلى مكتبة المدرسة دون المرور على اللجنة المُكلفة بتسيير العمل بمعرفة مجلس إدارة 30 يونيو المتحفظ عليها ضمن ممتلكات مدارس الإخوان. وتقضي التعليمات الأمنية بإعدام الكتب الخارجة عن المألوف وليس فرمها ومن هنا كان اللجوء لحرق الكتب المضبوطة بعد التأكد من مخالفة مضمونها لمبادئ الإسلام المعتدل” وزارة التربية والتعليم ردًّا على حرق بعض الكتب التعليمية.
• “مصر تمتلك مستشفيات أفضل من تلك الموجودة ببريطانيا من حيث المباني والتجهيزات” الدكتور السيد عبد الخالق، وزير التعليم العالي.
• “وزير التربية والتعليم، الدكتور محمود أبو النصر، على استعداد كامل لتقديم استقالته إذا كان هذا هو الحل، ولكن مصر ليست من الدول المتقدمة مثل أمريكا واليابان حتى يشعر الوزير بالحرج ويتقدم باستقالته” المتحدّث الرسمي باسم وزارة التربية والتعليم، السيد هاني كمال، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج “هنا العاصمة” تعقيبًا على مسلسل وفاة الطلاب في المدارس المصرية.
• “ماعندناش رز وزيت، خدوا ميه معدنية” وزارة التموين تحاول إجبار المواطنين بمحافظة البحيرة على استلام مياه معدنية على بطاقات التموين بدلًا من الزيت والأرز.
في الختام، أدرك تمامًا أن مصر “حالة فريدة” بين الأمم، ولا يجب أن يُقارن مسؤوليها الذين يَحملون على ظهورهم حملًا ثقيلًا يشيب له الولدان، بغيرهم من دول العالم المتقدّم الذين يرفلون في النعيم والرفاهية، ولكن أقصى ما أخشاه أن نَظل نُردّد هذه “الذريعة” بعد كل كارثة تَلم بنا، إلى الدرجة التي تجعلنا نُكافئ المسؤول على تحمّله لـ “قرفنا” منذ البداية، ونحاسب أنفسنا لأننا تسبّبنا في “تعكير مزاج” سيادته!
نقلاً عن ساسة بوست