بعد أن فتح “رصد” ملف ثروات مصر المنهوبة، وتناول في تقرير سابق أبرز الصفقات المشبوهة فى قطاع البترول والثروة المعندية الذي من المفترض أن يضخ للخزانة المصرية مليارات الدولارات، ما ينعكس بطبيعة الحال على الاقتصاد المصري المنهك وانعاش ميزانية الدولة التى باتت القروض والديون هما أبرز مواردها فى السنوات الماضية.
الملف المسكوت عنه فى مصر والذى خسرت الدولة من خلاله أموالا طائلة سواء فى صفقات معلنة أو سرية، دفعت “رصد” إلى استطلاع آراء مسئولين سابقين بالقطاع والحكومة، الذين كشفوا عن عدد من المفاجآت المحزنة لحقيقة الفساد المتوغل والمسيطر على تعاملات هذا القطاع الحيوي.
لغز الـ 220 مليار
فى البداية تساءل وكيل وزارة البترول الأسبق إبراهيم زهران -في حديث خاص لـ”رصد” عن مصير أكثر من 220 مليار دولار أرباح قطاع البترول المصري خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة، مشيرا إلى أن المبلغ على ضخامته لم تشعر به الخزانة العامة للدولة أو يحدث أى فارق فى تطوير البنية التحتية لهذا القطاع.
وكشف زهران أن مصر جنت 250 مليار دولار من قطاع البترول خلال السنوات القليلة الماضية، أنفقت منها ما لا يزيد عن 30 مليار دولار علي مشروعات البنية التحتية بالدولة، وتابع مستنكرا: “أين ذهبت باقي الأموال؟”.
وأكد زهران أن قطاع البترول بمصر به فساد يعد الأضخم علي الإطلاق بين كل مؤسسات الدولة، موضحا: “قمنا بدراسة في أوائل التسعينات عن شركة أماكو الأمريكية، وكشفت وقتها أن البترول الذي حصلت عليه هذه الشركة من مصر يفوق في ثمنه ما حصلت عليه القاهرة من معونات أمريكية”، معقبا: “لم نكن بحاجة إلى المعونات لولا الفساد”.
مخططات الفساد
وكيل وزارة البترول الأسبق شدد على أن مصر تسير الآن بنفس مخططات الفساد التي سارت عليها علي مدار الأعوام الماضية، مشيرا إلى أنه لو تم إصلاح فساد قطاع البترول ستجني مصر تريليون و300 مليار دولار”.
وأضاف زهران أن كل الاتفاقيات التي عقدتها مصر وتدخل بها سامح فهمي وزير البترول الأسبق، والمتهم بقضايا فساد لإجراء تعديلا أو تغييرات خسرت فيها أموالا طائلة، مؤكدا أن صفقة “بريتش بتروليم” تجني لمصر وحدها ما يفوق 500 مليار دولار.
ولفت إلى أن أملاك مصر فى سيناء التي استحوذت عليها إسرائيل عقب نسكة 1967، صدر قرار من الأمم المتحدة لصالح مصر بالحصول عليها، وتتجاوز 500 مليار دولار، غير أن القيادة السياسية لا ترغب بالمطالبة بهذا الحق رغم القرار الصادر لصالح مصر.
وحول الشركات الأجنبية العاملة بمصر، قال زهران إنها تجني المليارات لصالحها بينما تحصل مصر على أرباح هامشية، مضيفا: “مثال علي ذلك الصفقة التي وقعتها مصر مع شركة بريتش جاز والتي تصل أرباح الشركة بها لـ6%، غير أن وزير البترول الأسبق سامح فهمي تدخل وأقر للشركة أرباحا تصل إلي 28%”.
خراب مصر
ووصف الخبير البترولي الاتفاقيات التي وقعتها شركة بي بي البريطانية مع مصر خلال الفترة من 2000- 2010، بأنها “خراب علي مصر”.
وحول الزيادة التي أقرتها حكومة محلب على المواد البترولية، قال زهران هي “نصب علي الشعب”، مضيفا “تحدثت مع المهندس إبراهيم محلب في زيارة سابقة، لأوضح له أنه لا يوجد دعم بـ150مليار دولار، فالدعم كله لا يتجاوز 30 مليار دولار، وأما الحديث عما يفوق الـ150 مليار دولار فهو فقط -ما أسماه- بـ”رغبة مسئولين في فتح مجالات صرف غير قانونية بمجالات كثيرة”.
وأوضح زهرن أن حصة مصر من الزيت والغاز يتم وضعها بالموازنة العامة بما يقدر بـ13مليار دولار، وهو -ما وصفه- بـ”الوهم”، قائلا: إن الدولة لا تدفع مقابل الحصول عليهم ولكنها أرقام تكتب بالموازنة، مضيفا أن حديث الدولة عن أي مبالغ تدفعها للحصول علي مواد بترولية غير حقيقي وزائف.
وعن حقول الغاز المصرية التي استولت عليها إسرائيل بالبحر المتوسط، شدد زهران على أن هذه الحقول يمكن أن تحقق لمصر 50 تريليون قدم مكعب من الغاز، أي ما يعادل 750 مليار دولار.
وأكد انه لا يوجد إرادة سياسية حقيقة لاسترداد حقول مصر ولا إصلاح فساد قطاع البترول، مشيرا إلي أن مصر بكل سهولة يمكنها اللجوء للأمم المتحدة والحصول علي قرار يعطينا الحق باسترداد هذه الحقول بسبل شرعية وقانونية.
أقوي من الدولة
مساعد وزير الخارجية الأسبق إبراهيم يسري، اتفق مع زهران في حديثه، مؤكدا لـ “رصد” أن قطاع البترول أقوي من الدولة، بل وأقوي من المؤسسة العسكرية وأنها أصل الفساد في مصر. -علي حد تعبيره-
وكان يسري قد فجر قضية تصدير الغاز للكيان الصهيوني في 2010 والتي اتهم فيها وزير البترول الأسبق سامح فهمي، كما رفع قضية آخري ضد شركة “بي بي” البريطانية بسبب صفقاتها المشبوهة خلال الأعوام الأخيرة.
وأوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق أن فساد قطاع البترول بمصر يصل لمليارات الدولارات، قائلا “هو قطاع يسخّر كل مرافق الدولة لمصلحته”.
أكد يسري أن مصر سكتت عن حقها حقول غاز المتوسط بشكل يدعو للتعجب والريبة ويثير علامات استفهام كثيرة، مشيرا إلى أن مصر إذا أرادت استرداد حقوقها بهذه الحقول ربما تضطر إلي الدخول فى حرب مع الكيان الصهيوني، خاصة بعدما قامت الدولة العبرية بإقامة منطق رادارات للطائرات والصواريخ حول هذه الحقول ما يؤكد عدم نيتها فى التنازل عنها .
وتابع يسري أن وقاحة الكيان وصلت لحد أن يستولي علي حقل تمار النفطي، وتقوم بتصدير الغاز من خلالها لمصر .
سرقة من كل الجهات
ووصف مشاعد وزير الخارجية الأسبق رفع الدعم عن المواد البترولية بالتصرف الغير وطني والغير سليم من قبل المسئولين، خاصة أنه يأتي في وقت يعاني فيه المواطن المصري أوضاعا اقتصادية غاية في السوء.
وأكد يسري أن غاز مصر وبترولها يُسرق من كل الجهات، لافتا إلي أن الشركات الأجنبية تحصل علي نصيبها كاملا والذي يصل لـ40% بينما اللافت أن شركة “بريتش بتروليم” الوحيدة التي تحصل علي 100% من الحقول التي تكتشفها وهو ما وصفه بالأمر العجيب .
وشدد يسري على أن الشعب المصري يحصل علي قشور من أرباح قطاع البترول، بينما القطاع يمكنه أن يوفر لمصر مليارات الدولارات ويمكن مصر من تحقيق اكتفاء ذاتي، مؤكدا: “قطاع البترول أقوي من كل شئ وهو أساس الفساد في مصر، ويحتاج لإعادة تطهير وهيكله لإزالة الفساد المتراكم به منذ أكثر منذ 40 عاما.