تحت عنوان “الاقتصاد المصري لا يزال يعاني رغم تراجع الديون الخارجية”، نشرت وكالة “شينخوا”، تقريرًا باللغة الإنجليزية استهلته بالتأكيد على أن الاقتصاد المصري لا يزال يعاني من عجز تجاري وعجز في الميزانية، وكذلك من الديون المستحقة قريبًا على الرغم من تحسُّن التصنيف الائتماني وتراجُع الديون الخارجية.
ونقلت الوكالة الصينية، عن خبراء اقتصاد مصريين قولهم: إن الاقتصاد المصري لا يزال مريضًا؛ وأن مدفوعات الديون الخارجية التي سددتها مصر خلال الفترة الماضية جاءت أساسا من المساعدات المالية التي تقدر بالمليارات.
وحول هذه النقطة قال الخبير الاقتصادي، والمتحدث السابق باسم وزارة التجارة والصناعة المصرية، إبراهيم نوار: “المسألة أننا نسدد ديوننا من الودائع الخليجية، وليس من الموارد المحلية الحقيقية”.
وأضاف: “لا يمكن أن يشير تسديد الديون الخارجية إلى نمو اقتصادي حقيقي، إلا إذا تم عن طريق موارد دولارية حقيقية، واستثمار أجنبي مباشر، أو صادرات إضافية، لكن الحالة هنا مختلفة؛ لأن مصر تعاني من نقص الاستثمار الأجنبي إلى جانب عجز تجاري”.
عجز تجاري وعجز في الميزانية
تعاني مصر، أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان، من عجز في الميزانية قدره 31.5 مليار دولار للسنة المالية 2014/2015، ما يمثل 10% من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما تحاول الحكومة تخفيضه من خلال إصلاحات اقتصادية تشمل تخفيضًا كبيرًا في الدعم، أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار المنتجات النفطية والكهرباء.
“ورغم السياسات الاقتصادية المعتمدة على التقشف وخفض الدعم، فإن التحسن في الديون الخارجية لا يتعدى الأرقام؛ لأنه يعتمد على المساعدات الخارجية أكثر من التنمية الاقتصادية”، على حد قول المتحدث السابق باسم وزارة التجارة والصناعة المصرية، الذي وصف الوضع الاقتصادي في مصر بأنه “مثير للقلق”.
كما أن العجز التجاري، الذي يمثل الفجوة بين واردات البلاد وصادراتها، ارتفع في النصف الأول من العام المالي 2014/2015 إلى 20.2 مليار دولار، وفقا لتقرير أصدره البنك المركزي المصري مؤخرًا.
ويعتقد الخبراء أن هذا العجز يبتلع جزءًا كبيرًا من احتياطيات العملات الأجنبية، ويُسهِم في نقص الموارد الدولارية الضرورية للمستثمرين والمستوردين.
هكذا يتضح أنه “لا يمكننا الحكم على الآداء الاقتصادي بأكمله بناءً على تحسن مؤشر واحد، مثل: انخفاض الديون الخارجية”، بحسب رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات، إيهاب الدسوقي.
وأضاف: لم تتحسن الصادرات المصرية ولم يتراجع العجز التجاري، مشددا على أن “التحسن الاقتصادي الحقيقي يجب أن ينعكس على تحسين مستوى معيشة الشعب، إلى جانب نمو اقتصادي يرتبط بعدالة التوزيع”.
نقص الدولار والاستثمار
في عام 2011، كانت مصر تمتلك 36 مليار دولار من الاحتياطيات الأجنبية في البنك المركزي، لكن البلاد فقدت قرابة 20 مليار دولار منها خلال الاضطرابات السياسية طيلة السنوات الأربع الماضية.
ومؤخرًا، تلقت مصر ستة مليارات دولار من المساعدات المرسلة من دول الخليج كودائع لمساعدة الاقتصاد المتعثر، ورفع احتياطيات العملة الأجنبية لتتجاوز 20 مليار دولار. وسبق لدول الخليج- ومن بينها: السعودية والإمارات والكويت- أن ساعدت مصر بأكثر من 12 مليار دولار بعد إطاحة الجيش بالرئيس مرسي في يوليو 2013.
من جانبه، اعتمد البنك المركزي سياسة جديدة للحد من شراء الدولار في السوق السوداء، ما جعل ودائع الدولار تقف عند مستوى 50 ألفًا شهريا، وهو الأمر الذي أدى إلى شلل المستثمرين والمستوردين الذين يحتاجون إلى العملة الأجنبية لاستمرار أعمالهم.
وفي هذا الصدد، يقول رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات: “لا تزال البيئة الاستثمارية في مصر غير إيجابية، ما يؤثر على حجم الاستثمارات الأجنبية في البلاد”، مشيرًا إلى أن التحسن الأخير في قوانين الاستثمار غير كافٍ.
مستحقات قادمة
مطلوبٌ من مصر سداد ما يربو على 5 مليارات دولار من ديونها الخارجية خلال الأشهر القليلة القادمة، بما في ذلك وديعة لقطر تقدر بـ 2.5 مليار دولار، وقرابة 1.4 مليار دولار أخرى لنادي باريس على أقساط. وتخطط مصر لسداد مليار دولار لقطر بحلول أكتوبر 2015.
يقول د. فخري الفقي، مساعد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي، سابقا: “لكن الديون قد تزيد مرة أخرى؛ نظرا لأن مصر عليها مستحقات ينبغي تسديدها في يوليو ويناير المقبلين تبلغ 1.4 مليار دولار على أقساط لنادي باريس، وملياري دولار سنويًا لدول الخليج ابتداءً من عام 2018”.
مضيفًا: “الودائع التي ضخها الخليج في البنك المركزي في يوليو 2013 أنفقت كلها بحلول يناير 2014، وسوف تُسدَّد لاحقًا بالإضافة إلى فائدة قدرها 2.5%”.
وأشار الخبراء إلى أن العام 2019 سيكون الأصعب على مصر؛ لأنها ستكون مضطرة إلى سداد المستحقات الخارجية السنوية، إلى جانب فوائد نحو ثمانية مليارات دولار كشهادات استثمار اشتراها المصريون للاستثمار في مشروع توسعة قناة السويس.
هل هناك أمل؟
ويرى بعض الخبراء أنه بعد اكتمال مشروع قناة السويس في أغسطس المقبل، وبمزيد من تحقق الأمن والاستقرار الذي يمكن أن ينعش السياحة في مصر، فمن الممكن أن تزيد الموارد الدولارية في البلاد خلال السنوات المقبلة، لتكون قادرة على دعم النمو الاقتصادي، إلى جانب سداد المستحقات الخارجية.
ووفقا للخبراء، فإن سداد الديون الخارجية مهم جدًا؛ لأنه هو الذي أدى إلى تحسين التصنيف الائتماني لمصر بشهادة المؤسسات الرسمية، مثل: فيتش وموديز، ما يدعم مصداقية البلاد في أنحاء العالم.
لكن “الفقي” أوضح لـ شينخوا: “هناك أمل؛ شريطة أن تتمسك مصر ببرنامج إصلاح اقتصادي جاد ومدروس، وواضح ومُفَصَّل.. بيدَ أن هذا ما تفتقر إليه مصر حاليًا”.