أعلنت جماعة الإخوان المسلمين مطلع العام الجاري أنها أجرت انتخابات جديدة لمكتب الإرشاد أفرزت وجوها جديدة، من بينها وجوه شابة، مما يضع الجماعة أمام تساؤل عريض، في الوقت الحالي، وهو هل حانت لحظة المراجعات؟ وهل تطول هذه المراجعات الجانب الفكري، خاصة مع إصدار المتحدث باسم التنظيم بيانا غاضبا بعد تنفيذ أحكام الإعدام في 6 من الشباب، مطالبا بالقصاص، فهل من الممكن أن تلجأ الجماعة إلى العنف مع تزايد الضغوط؟
ماذا تريد الجماعة؟
الدكتور عبد الله الأشعل، أستاذ القانون والدبلوماسي السابق، قال إن تأثير المراجعات الإدارية والفكرية الأخيرة لجماعة الإخوان المسلمين، سيتوقف على هدف ورؤية الجماعة نفسها لموقفها الحالي، وماذا تريد، هل اإسقاط الانقلاب العسكري عبر عمليات إرهابية مسلحة أم الضغط على النظام عبر أدوات سياسية كالمظاهرات والتحركات السياسية؟
وأضاف الأشعل، في تصريحات لـ”رصد”، أن القيادة الجديدة للجماعة من الضروري أن تعرف من هم الإخوان؟ هل هم جماعة جهادية ومسلحة أم جماعة سياسية أم دعوية، حتى يتحدد ماذا تريد؟ فإذا كان التظاهر هو الورقة الأخيرة أمام الجماعة لإسقاط النظام فعليها أن توضح لشبابها هذه الرؤية، وإذا كانت ترى أن النظام لن يسقط إلا بتضافر كل الجهود، فعليها أن تعمل على هذا الأساس.
“منتصر” هل يصلح واجهة للإخوان؟
واستنكر الأشعل البيان الأخير الذي أصدره متحدث الجماعة محمد منتصر، قائلا إن البيان يفتقد الكياسة السياسية، لأن الجماعة ليست جيشا يمكنه مواجهة دولة كاملة لها جيش وشرطة وقضاء، وهناك فرق بين ما يشهر به الإنسان وما يؤمن به، وعلى هذا الأساس فالمتحدث الجديد لا يصلح واجهة للإخوان، حسب تعبيره.
وأشار الأشعل إلى أنه كان أمام الإخوان محطات كثيرة أخطأت فيها، منها تبني مجموعة إعلامية كبيرة داخلها لفكرة استمرار الصراع حتى تستمر في وضعها الجيد الحالي، رغم أن الجماعة في حاجة لالتقاط الأنفاس لتحديد مسارها.
ولفت إلى أن التعاملات الأخيرة تجاه الإخوان من إعدامات وأحكام وقتل هدفها أن يخرج الإخوان عن سلميتهم، وهذا إن تم سيسقط ما تبقى لهم في المجتمع المصري من احترام، مشيرا إلى خطورة دفع الجماعة إلى نقطة اللا عودة.
صياغة المرحلة
الدكتور مختار غباشي، رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أكد ضرورة هيكلة الجماعة من جديد إن أرادت الاستمرار في المشهد السياسي، نظرا لوضعها الضعيف الحالي هي وبقية التيار الإسلامي، في مصر وبقية دول الوطن العربي.
وقال “غباشي” في تصريحات لـ”رصد” إن الإخوان في مصر يفتقدون للحنكة السياسية التي يمتلكها عبد الفتاح مورو وراشد الغنوشي في تونس.
وأضاف غباشي أن وضع الإخوان الحالي يختلف عن وضعهم قبل 30 يونيو، ويختلف عن وضعهم قبل ثورة يناير، وهذه المراحل كان يجب أن تحدد الجماعة الأطر الصحيحة التي ستتعامل بها مع كل مرحلة، لكنها فشلت في صياغة وضع كل مرحلة على حدة.
وأشار غباشي إلى أن الأخطاء السياسية والاستراتيجية للإخوان، أثرت بالسلب على تحسين أوضاعها ورصيدها الشعبي الذي انخفض كثيرا -رغم أنه بدأ في الارتفاع تدريجيا بسبب الأحكام الأخيرة- وما افتقدته من وضع سياسي مؤخرا.
ولفت إلى أن دعوة محمد منتصر للقصاص، في حد ذاتها خسارة للإخوان والطرف الآخر، قائلا: “العنف في هذا التوقيت ليس الطريق الصحيح للإخوان، لأن هناك أطرا سياسية هي الأولى منه، وممارسته ستخسر الجماعة رصيدها المتبقي لدى الشعب”.
علي خفاجي، أمين شباب حزب الحرية والعدالة بمحافظة الجيزة، رفض التعليق على فكرة هيكلة الجماعة، قائلا إن من الأولى ترك القيادات الجديدة التي تم اختيارها مؤخرا بمكتب الإرشاد أن تأخذ فرصتها أولا، لأن التعليق في الوقت الراهن لن يكون مناسبا وسطحيا.
الفصل بين الدعوي والحزبي
وكان عصام تليمة، عضو الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين، قد طالب بعزل جميع قيادات الصف الأول الحالية في جماعة الإخوان المسلمين بمصر لصالح جيل جديد من الشباب، وبالفصل بين العمل الدعوي والعمل الحزبي داخل الجماعة، وكذلك بتجديد أدبيات الجماعة ذات الطابع الإصلاحي لتتناسب مع “مرحلة العمل الثوري” الحالية، وفقا لتصريحات أدلى بها لموقع “بي بي سي”.
كما ذهب تليمة إلى ضرورة قبول أعضاء الجماعة للنقد الموجه إليهم وللجماعة، باعتبار ذلك وسيلة لإصلاحها، بل طالب بإعمال مبدأ محاسبة قيادات الجماعة في مجال النجاحات والإخفاقات على السواء.
وقال تليمة إن “الأداء السياسي لجماعة الإخوان خلال فترة وجودهم في السلطة لمدة عام لم يكن موفقا، لأنها تعاملت بنهج كان يتطلب أداء أفضل، لا سيما في التعامل مع الدولة العميقة”.
وأضاف أنه بعد وصول الإخوان لسدة الحكم في مصر انقلبت الجماعة بجميع أفرادها من العمل الدعوي إلى العمل السياسي، وهذا لم يكن صوابا، وكان يتعين أن تعمل الجماعة على خطين لا أن تدمج بينهما.
وأردف أن الجماعة تعاملت مع ملفات الدولة كما تتعامل مع ملفات الدعوة وشتان بين الأمرين، وتعاملت مع الأمور بمنطق إصلاحي جزئي، ولم تتعامل معه بمنطق ثوري، ولا توجد في أدبيات الإخوان ما يعرف أبناءها أدبيات الثورة وكيفية التعامل معها.
ومن مآخذه على الجماعة أنها “بعد ثورة يناير انسحبت من الميادين مع باقي الناس في حين كان يتعين أن تبقى هناك، لأن النظام لم يكن قد سقط كله بعد”.
ونصح تليمة الجماعة “بالقيام بالمراجعة سواء بأشخاص من داخلها أو بالاستعانة بخبرات من خارجها لأن أحيانا الإنسان لا يرى خطأه”.
وانتقد التغيرات التي أعلنت الجماعة عنها، وقال “ما تم لا أراه كافيا أو كاملا.. هناك أصوات من تلك القيادات من الصف القديم الذي كان وقت الأزمة، وكل من كان سببا في الأزمة عليه أن يتنحى ويتجه للعمل التربوي، لأنهم فشلوا في إدارة الصراع مع الثورة المضادة ومع الدولة العميقة”.
وأضاف تليمة أن هناك أيضا توضيحا: “ما هو المشروع الذي تقدمه الجماعة للأمة حتى في حال سقوط الانقلاب، كذلك تحتاج إلى مراجعة علاقاتها مع المختلف طائفيا ومذهبيا، خاصة أن الجماعة يقينا قصرت في التواصل مع خصومها”.