الظلم أُسُّ كل بلاء في هذه الأمة، لا يمارسه أحد -فردًا أو دولة- إلا أورده المهالك، وقد حرمه الله على نفسه، وجعله بين عباده محرمًا، وكما قال ابن خلدون: الظلم مؤذن بخراب العمران، لكن هل يكفي كي ينصرك الله عز وجل أن تكون مظلومًا؟ أم أن المظلومية وحدها لا تكفي لنصرتك في الدنيا، ففي الآخرة لا شك ينصر الله عز وجل المظلوم بدخوله الجنة، وعقاب ظالمه بالنار، لكن في الدنيا جعل الله أسبابًا لكل مظلوم يريد النصرة.
لقد تعرض المسلمون الأوائل، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم للظلم البين، وكان بينهم خير البشر صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بالمظلومية لتكون سبب ركونه لنصر الله له، بل بحث عن كل أسباب النصر، بداية من اللجوء السياسي عند النجاشي، وقال عنه وعن وطنه: إن فيها ملكًا لا يظلم عنده أحد، ومرورًا بعرض نفسه على القبائل، ثم هجرته إلى المدينة، وبناء المجتمع الجديد، وعندما هزم في أحد، لم يكتف بقوله: نحن على الحق، بل فتش في نفسه وفي نفوس صحابته، كما قال القرآن الكريم: “قل هو من عند أنفسكم”.
وتعرض آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، على مر العصور، بعد الخلافة الراشدة، لكل أنواع الظلم، حتى ألف في ذلك الإمام الأصفهاني كتابًا من مجلدين بعنوان: (مقاتل الطالبيين) وهو فصيل من آل البيت، ومع ذلك كان من آل البيت المظلومين فصيل بني العباس، ظلوا مضطهدين ومطاردين سنوات، حتى أسسوا لحضارتهم ودولتهم ودعوتهم، وكان النصر لهم فيما بعد.
قد يكون المظلوم أداة من أدوات انتصار الظالم، وركنًا رئيسيًا من أركان هزيمته شخصيًا كمظلوم، وذلك بتوفيره كل سبل الهزيمة لنفسه، والانتصار لخصمه الظالم، فأدواته محفوظة للخصم، ووسائله، وكل تحركاته، بل يكاد يتحرك وفق ما يحدده له هو، عندئذ يكون المظلوم هنا ليس مجرد مظلوم، بل ظالم لنفسه أكثر من ظالمه؛ لأنه قيد كل قدراته التي منحها الله له في مقاومة ظالمه.
فلا يكفي جماعة الإخوان أن تكون مظلومة كي ينصرها الله عز وجل، فلقد وضع الله أسبابًا للنصر، إن أخذت بها انتصرت، وإن تخلت عنها، لن ينفعها مظلوميتها، بل تكون سببًا لإدانتها دينيًا وحياتيًا، وعندما تفكر جماعة الإخوان خارج الصندوق، وتبحث بحق عن مصادر قوتها الحقيقية، والتي تكمن في داخلها، في كل أفرادها، بكل توجهاتها، عندما تضع يدها على هذا الكنز المخبوء، بل المهمل في كثير من الأحيان، ستعرف طريقها الصحيح، عندما تفتح لكل صاحب طرح -مهما كان غريبًا- الباب لطرح ما لديه، والتفكير الجاد فيما طرحه، ولو بدا غريبًا أول الأمر، فإن أولى درجات الظلم التي تمارس دون دراية: هضم هذه العقول، والاستخفاف بها، أو عدم الدراية بأهميتها وقدرها. عندما تفكر الجماعة في الاستفادة من هذه الطاقات، ستقف على أولى درجات إنهاء الظلم الممارس عليها.
وهذا ما كان يفعله حسن البنا، رحمه الله؛ إذ كان يخرج من كل مظلومية ومحاولة حصار له ولدعوته، بعمل يجبر الجميع على احترام هذه الجماعة، وكلما ضيقوا عليه في أمر، سعى إلى مخرج، فقد كانت بالمناسبة معظم مشاريع حسن البنا الضخمة لها ارتباط بهذا الشهر الكريم (شهر رمضان)، خاصة مشاريع التوحد والتجمع، وتجنب الأخطاء، سواءً على المستوى الشخصي، أو على مستوى الجماعة، وهو ما أوضحه في مقالي القادم إن شاء الله.