لن يكون مدهشاً لأحد، لو أن وزارة الأوقاف المصرية طبعت سيناريو مسلسل “حارة اليهود” في كتاب فخيم، وقررته على مكتبات المساجد، بديلاً لمؤلفات الدكتور يوسف القرضاوي، والراحليْن سيّد قطب وحسن البنا.
لمَ لا؟ ورمضان في مصر هذا العام ذو نكهة إسرائيلية لا تفوت على كل إنسان طبيعي، يمتلك واحدة من الحواس الخمس، بما يجعل شخصاً، مثل علي سالم، يمتلئ خيلاء على خيلاء، وهو يرى كل ما بشر به وحارب من أجله، بحثاً عن حالة غرام تطبيعي كامل، قد تحقق الآن.
مسلسل وسفير وحرق كتب، من حق أفيخاي أدرعي المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، في هذه الحالة أن يحلم بأن يؤم الجموع في مسجد عمرو بن العاص، بصلاة القيام، بدلا من محمد جبريل الذي حرمت عليه سلطات عبد الفتاح السيسي إمامة الناس في المسجد الشهير، ليأتي عليهم وقت يدخل عليهم شهر رمضان، فلا يتوجه إليهم الحاكم بالتهنئة بالشهر الفضيل، فينبري أفيخاي أدرعي بخطاب “صهيوأراب” فصيح يهنئ فيه ويتمنى “صيامكم مباركا ومقبولا.. ذنبا مغفورا وإفطارا هنيئا.. عساكم من عواده”.
يعمل أفيخاي بالقاعدة المعروفة “الحاضر يسدّ”، فإذا كان عبد الفتاح السيسي لا يملك وقتا، ولا مزاجا، أو مشغولا بمتابعة مسلسل “حارة اليهود”، أو ترتيبات زفة استعادة “إسرائيل” سفيرها المصري، بعد غياب ثلاث سنوات، فليُملل أفيخاي التهنئة، نيابة عنه، مستعرضا ما يمتلكه من “وازع ديني”، لا يقل أبداً عن “الوازع الديني” لدى قضاة أحكام الإعدام على الموتى والأبرياء.
من المنطقي، إذن، في دولة تحتقر العلم، وتزدري الفكر، وتعتبر الدين هو ما يراه الحاكم، أن تتخلص من كتب العلامة يوسف القرضاوي التي لا يوجد رف في أي مكتبة بالعالم الإسلامي، من إندونيسيا على المحيط الهادي إلى المغرب على الأطلسي، لا يحمل كتابا له.
من الطبيعي في دولة تدوس على كل القوانين والقيم أن تتصرف مع التراث المعرفي للبشرية، وكأنه ملكية خاصة لها، تحرقه أو تمزقه، متوهمة أنها بذلك قد تخلصت منه، وسط صمت عجيب من المنظمات الدولية المعنية بالثقافة والفكر، ولا أدري كيف كان من الممكن أن يكون موقف اليونسكو لو أن خبراً نشر عن حرق كتب التراث اليهودي في القاهرة، أو أي عاصمة أخرى؟
لكن، لا عجب، فقد سكت العالم عن قتل البشر فوق منصات القضاء، وشاهد حرق الآلاف في اعتصامات سلمية، ولم يجد غضاضة في استقبال الحارقين القتلة، باعتبارهم زعماء نموذجيين وفق الكتالوج الإسرائيلي، وكأن القانون الدولي الآن يقول: من حقك أن تفعل كل شيء، ما دمت لا تغضب إسرائيل.
الآن، تحقق حلم علي سالم الذي أعلنه بعد نجاح الانقلاب، وصار المصري في الكيان الصهيوني مواطناً صالحاً ووطنيا من الدرجة الأولى، بينما المصري في دولة عربية، مثل قطر، أو إسلامية، مثل تركيا، هو في نظر سلطة الانقلاب جاسوس وعميل وخائن، فمع تصعيد عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، وسط فرحة غامرة من الشعب الإسرائيلي، انتهز علي سالم الفرصة ليضرب في الصميم، فكتب في صحيفة “المصري اليوم” معنفاً الحكومة المصرية ويقول “أنتم السبب في أن آلاف المصريين الذين يعيشون في إسرائيل الآن يشعرون بالرعب لمجرد التفكير في زيارة الأهل في مصر بعد سنوات طويلة من الغياب، كانوا يعرفون أن تهمة التجسس لحساب إسرائيل تقف في انتظارهم في مطار القاهرة. أليس ذلك هو ما حدث يا سادة؟ اسمعوني، يا سادة، وفكروا في ما أقول.. أصدروا بيانا واضحا يبلغ المصريين في إسرائيل بأن زيارتهم مصر هي حق من حقوقهم، وأن إقامتهم وعملهم في إسرائيل هما أيضا حق من حقوقهم”.
هنيئا لعلي سالم ولأفيخاي أدرعي. الآن تستطيع إسرائيل أن تنام ملء جفونها، مطمئنة إلى أن هناك من يسهر على أمنها، فعلا وليس قولاً فقط، ويؤمن حدودها، من الأوغاد، المصريين والفلسطينيين، في سيناء وغزة، ثم يمنحها قبلة دبلوماسية عميقة، بسفير ينحدر من عائلة تبلي بلاء حسنا في كراهيتها للثورة، وولائها لمن ترضى عنهم إسرائيل لحكم مصر، حازم خيرت، فتى جلدا، والأخ الأصغر لرئيس هيئة استعلامات مبارك، وأحد نجوم موقعة الجمل، إسماعيل خيرت، وكلاهما من أصهار وزير الخارجية، سامح شكري، والذي كان سفيرا لمشروع توريث جمال مبارك، في واشنطن، قبل ثورة يناير.
والمثير في الاختيار أن المعيّن سفيراً في تل أبيب عمل سفيراً لمصر قبل ذلك في دمشق، وهذا أصدق تعبير عن عقيدة نظام، يتغذى على حليب إسرائيل، ويرفل في نعيم التطبيع معها والتبعية لها، وفي الوقت نفسه، يقف داعما لنظام بشار الأسد في حربه المجنونة ضد الثورة السورية، من منطلقات قومجية عربية حنجورية وحدوية في مواجهة العدو الصهيوني!