قال علاء الأسواني في تغريدة على “تويتر”: “أجّرت شقتي لشخص فمزق العقد، واستولى على الشقة، استدعيت الشرطي فطرد المستأجر، واستولى على الشقة، وسأنتزع حقي كاملاً، لم أندم على اشتراكي في 30 يونيو”.
إذا كنت تقصد بالشقة ثورة يناير، فما أرخصها من ثورة، وما أخفه من تعليق، يفقد هذه الثورة العظيمة جوهرها الأخلاقي النقي، ويحولها إلى شيء تافه، لا يساوي قطرة دم واحدة مما بذله شهداء، كانوا على يقين من أنهم يناضلون ويكافحون من أجل وطن نظيف وإنساني وعادل.
بداية، الحمد لله على أنك اعتبرتها شقة، وليست “بوتيك” للملابس المستوردة، أو “كشك” يبيع المرطبات والسجائر، وإن كان منطق الإيجار والاستثمار لا يفرق بين مبنى ضخم بحجم عمارة يعقوبيان وشقة إسكان اقتصادي، أو فرشة على رصيف يتكسب منها بائع متجول.
ثانيا: أظنك تدرك، لو سلمنا بأنها شقة كما تريد، أنها لم تكن يوما شقتك وحدك، ولا شقة من تمثل من تيار فكري أو سياسي، بل كانت ثورة (شقة) كل المصريين، من مختلف التيارات والتوجهات، إذ لا فضل لمصري على مصري، إلا بإخلاصه لهذه الثورة النبيلة التي وقف لها العالم كله، احتراما وإجلالاً وتقديراً لنقائها وعفويتها وتحضّرها، يستوي في ذلك الليبرالي والاشتراكي والإخواني والسلفي، العامل والفلاح والطالب والمثقف والفنان.. وبالتالي، ليس صحيحا أنك وحدك أجّرت ثورتك لمحمد مرسي الرئيس القادم من عباءة الإخوان، لأسباب منطقية جدا، في مقدمتها أن ثورة مصر ليست بالابتذال إلى درجة أن نتعامل معها بمنطق الشقة.. والأهم أنها لو كانت كذلك، فإن حصة مرسي وجماعته، كشركاء فيها، لا تقل عن نصيب أحد من بقية العملاء والخونة الذين هم مجموع المشاركين في ملحمة يناير.
وأكرر ما قلته قبل تسعة أيام من “ثورة شفيق والزند وعكاشة وموسى وسما والجيش والشرطة والمخابرات” التي تقول إنك لست نادماً على المشاركة فيها، وأذكرك بأن ثورة يناير كانت المتمم لفورات غضب واحتجاج شارك فيها كل ألوان الطيف السياسي، كان يجمعهم عنصر واحد، هو الإصرار على التخلص من نظام مبارك. لذلك، تأسست كيمياء الثورة على عناصر من اليساري واليميني والليبرالي والإسلامي، توحدوا ضد “المباركية”.
وأيضا: ويذكر التاريخ أن المليون مواطن الأول الذي أصاب دولة مبارك بالتصدع كان قادما من حملة المليون توقيع على مطالب التغيير التي لا يستطيع أحد إنكار أن نحو ثلثي هذا الرقم جاء من حشد جماعة الإخوان المسلمين للتوقيع عليه.
ولذلك، عندما يأتي أحد ليقصي الإسلاميين خارج المشهد، ويحولهم إلى أعداء ألداء، بعد أن كانوا شركاء حميمين، ثم يقول إنه يكمل الثورة الأم، فإنه هنا يكون في خصومة مع أبسط قواعد المنطق السياسي السليم.
وإذا ذهب إلى ما هو أبعد، ووضع بقايا دولة مبارك وأتباعه مكان شركاء الثورة الأصلية، فإنه، هنا، من حيث انتوى، أو لم ينتو، يكون في حضن ثورة عكسية سالبة، بصريح القول “مضادة”.
عزيزي: الثورة ليست لعبة بوكر، كما أنها لا تعرف لغة المحترفين وأدواتهم، ولا تحتمل أن يتصور أحد أنه وحده الثابت “الجوكر”، ومن حقه أن يغير ويبدل ويبعثر في أوراق اللعبة كيف يشاء، فيستبعد هذا ويضم أو يحتضن ذاك في الوقت الذي يريد.
ويؤسفني أن أكرر على مسامعك إن النتيجة المباشرة للاستسلام لمنطق الكراهية العمياء وفلسفة الإقصاء والإبادة أن نشعل النار في قمحنا وخبزنا وننشد للخراب أغنيات ثورية، ولا يكون هناك فرق بين ما نقوله، وما يردده عبد الفتاح السيسي وأحمد موسى وتوفيق عكاشة من أناشيد الإقصاء المنقولة من سفر الإبادة والمحو للمعارضين، لكي يحيا الآخرون في كنف الدولة البذيئة.
من حقك أن تفخر بمشاركتك في “ثورة يونيو المضادة الحاملة لفيروس الانقلاب”، وليس من حق أحد أن يعاتبك، ويقول لك “انظر، لقد صرت أنت وجابر عصفور وفاروق حسني” في معسكر الفخر بالثلاثين من يونيو. لكن، أظن أنك تتفق معي في أن “يناير” لم تكن شقة، بل كانت بيت مصر الكبير الذي يتسع للجميع، وعلى قدم المساواة، وبالتالي، لم يكن يصح أن يعلق عليها أحد لافتة “للإيجار”، ثم يستعين بالبلطجية مفتولي العضلات لانتزاعها، وأخيراً، يجلس يبكي على ضياعها، فلا احتفظ بالملكية، ولا استفاد من الإيجار.
أخيراً وليس آخرا، تعجبني شجاعتك في الاعتراف بأنك استدعيت “الشرطي”. لكن، كان عليك أن تكمل الجملة “الشرطي والعسكري (الأعظم في التاريخ بعد إيزنهاور) والفلول والبلطجي وإيون إليسكو وكتالوج الثورة الرومانية المضادة”.