شهدت مصر، وخاصة محافظة سيناء، أمس الأربعاء، يومًا داميًا لم تشهده مصر منذ زمن طويل؛ فلأول مرة يدخل الجيش المصري في اشتباكات دامية مع تنظيم مسلح لفترة طويلة منذ الفجر حتي ساعات النهار الأخيرة؛ حيث وضع تنظيم ولاية سيناء، الجيش في حالة أقرب إلى الحرب الشاملة، بعد سلسلة هجمات متزامنة وغير مسبوقة على مقار عسكرية وأمنية في مدينة الشيخ زويد، تسببت في مقتل العشرات من الجنود والمسلحين.
قوانين جديدة لمواجهة الإرهاب
الأحداث دفعت رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، إلى الإعلان أنّ مصر في حالة حرب حقيقية، وتم رفع بعض القوانين إلى قائد الانقلاب، خاصة بالإرهاب.
وأثار توقيت هذه العمليات الأكبر والأشرس على الجيش المصري، العديد من التساؤلات، حول توقيتها فهي عقب يومين من اغتيال النائب العام المصري هشام بركات، وقبل يومين من ذكرى 3 يوليو 2013 التي شهدت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي.
تضارب أعداد القتلي
شهدت أعداد القتلي حالة من الغموض؛ ففي الوقت الذي أكدت فيه وكالات أنباء غربية أن عدد القتلي بين 60 و80 جنديًا وعسكريًا، نفى بيان القوات المسلحة هذه الأرقام، مؤكدًا أنهم 17 فقط.
وأعلنت القوات المسلحة المصرية -في بيان- عن مقتل أكثر من 100 عنصر ينتمون لتنظيم “ولاية سيناء” في غارات وهجمات استهدفت مواقع وعربات يستخدمها المسلحون في مواقع مختلفة من سيناء، سيما منطقة الشيخ زويد.
وأكدت القوات المسلحة المصرية، مقتل 17 عسكريًا مصريًا بينهم 4 ضباط في تلك الهجمات، متوعدًا بسحق ما وصفه بالإرهاب الأسود.
المتحدث العسكري يؤكد السيطرة
وصرح المتحدث العسكري، العميد محمد سمير، أمس الأربعاء، أن الوضع في شمال سيناء تحت السيطرة وذلك عقب اشتباكات مع مسلحين أسفرت عن مقتل أكثر من 100 مسلح ينتمون لتنظيم “ولاية سيناء”.
وأفاد العميد محمد سمير -في تصريح للتلفزيون المصري الرسمي- أن الوضع في شمال سيناء مسيطر عليه تمامًا.
بيان ولاية سيناء
ونشرت حسابات بمواقع التواصل الاجتماعي، منسوبة لـ”ولاية سيناء”، ظهر اليوم الأربعاء، بيانًا ثانيًا تعلن فيه تبني التنظيم العمليات التي استهدفت عددًا من كمائن الجيش في الشيخ زويد بشمال سيناء.
وقال البيان: “بفضل الله وحده، وضمن العزوة المباركة والمستمرة في ولاية سيناء، يتم الآن حصار قسم شرطة الردة داخل مدينة الشيخ زويد”.
وأضاف البيان “تمكن أسود الخلافة من تفجير آليتين لجيش الردة المصري، وذلك قرب كمين جرادة على الطريق الواصل بين العريش والشيخ زويد”.
وتابع البيان: “تم استهداف كمائن الجورة، الظهيرة، وأسعيد، والوحشي» بقذائف الهاون وما زالت الاشتباكات متواصلة”.
تطور كبير في العمليات
وأظهرت هجمات “ولاية سيناء” أمس، حجم الدقة في التخطيط والتنفيذ التي بات يتمتع بها التنظيم؛ إذ تمكن من منع خطوط الإمداد للمناطق والكمائن التي تتعرض لهجمات عبر استخدام عبوات ناسفة وسيارات مفخخة، فضلًا عن استخدام صواريخ موجهة “كورنيت”، فيما قامت طائرات “إف 16” مجهولة وطائرات من دون طيار بقصف مناطق جنوب رفح والشيخ بعد فشل مروحيات الآباتشي في التصدي للمسلحين. وبات التنظيم يمتلك خبرات كبيرة من حيث التخطيط والتنفيذ والقيادة الميدانية، التي تحاول الربط بين المجموعات المشاركة في العمليات الكبيرة، وهو أمر بات ملحوظًا في عمليات التنظيم أخيرًا ومنذ إعلان مبايعته لتنظيم “داعش”.
تفاصيل 20 ساعة من الاشتباكات
روى الناشط السيناوي حسن حنتوش، ابن مدينة الشيخ زويد، الأحداث الدامية التي شهدتها المدينة، أمس الأربعاء.
وقال: “اليوم شهدت بعيني ما كنت أشاهده في سوريا من صواريخ وانفجارات وكل أنواع الضرب اللهم إلا البراميل المتفجرة، فقد بدأت الأحداث الساعة 7:15 بانفجارين متتاليين، تبعهما أصوات نيران خفيفة لمدة ساعة، بعدها ساد صمت لمدة نصف ساعة، وبدأ الضرب يحتدم للساعة الثانية عشرة ظهرًا، دون توقف ثانية واحدة، كان فيها ضرب صواريخ وطلقات نارية، ولا علم لأحد بما يجري بالخارج، بسبب قطع الشبكات والكهرباء واستحالة معرفة أية معلومات.
وأضاف حنتوش -في شهادته- كان همنا الشاغل هو إنقاذ الأهل والجيران والمرضى المصابين المتواجدين في العيادة، بعدها نحو الساعة الثانية ظهرًا بدأ القتال مرة أخرى، لكن هذه المرة على أعين الموجودين، وتحت منزلي مباشرة الذي يبعد عن قسم شرطة الشيخ زويد بأقل من 500 متر، فقد قدم رتل من المسلحين مجهزين بكل شيء بمعني الكلمة وبدأوا في الضرب على القسم من كل الاتجاهات المتاحة لهم.
ويصف “حنتوش” الموقف بأن المسلحين كانوا لا يتراجعون أبدًا، وكنا نشاهد الصواريخ والمدافع الثقيلة وكلها متوجهة ناحية القسم، وحتي الساعة الثالثة عصرًا كنا لا نسمع صوت طائرة واحدة، وكان المسلحون يكبرون ويهللون بسقوط القسم الذي هو بمنزلة إعلان نجاحهم في العملية.
وتابع “حنتوش”: “بدأنا نسمع صوت الـF16 ونستشعر الخطر الرهيب؛ حيث إن المسلحين بجانب المنزل وفي حالة استهدافهم بصواريخ سيتم تدميرهم وتدمير المنزل معه بما فيه، ثم بدأ دوي الطائرات في التصاعد وبدأت القذائف في الانطلاق، لكن القذائف لم تكن تضرب المسلحين، وكانت تصوب في اتجاهات مختلفة، وظللنا على هذه الحال إلى أن وصلت “الزنانة” -يقصد المروحيات- التي قضت بالفعل على كل من كان أمامنا، وعلمت أنها ضربت أيضًا سيارتين، وحينها بدأت الأصوات تسكن لبرهة وتعلو لأخرى إلى الساعة الخامسة والنصف وحينها تأكدنا أن العملية انتهت.