الصراع بين السعودية وإيران لم يكن خافيًا على أحد قط، لكنه امتد -في مرحلة حاسمة من المفاوضات النووية مع الغرب- للضرب تحت الحزام، ومحاولة لتبادل في التحالفات وتغير المواقف الدولية المساندة لكلا الطرفين، نرصدها في النقاط الآتية:
***
1- زيارة محمد بن سلمان لروسيا (الخميس 18 يونيو)
________________________________________
قبيل عشرة أيام من اجتماع جينيف بين طهران والغرب، توجه محمد بن سلمان، نجل العاهل السعودي وولي ولي العهد ووزير الدفاع إلى الحليف الإيراني الأكبر: روسيا.
أسفرت الزيارة، حسب موقع CNN بالعربية، عن 6 اتفاقيات بين روسيا والسعودية، شملت صفقة دبابات تي 90 روسية الصنع، وعربات مصفحة، وطائرات عمودية مقاتلة (هليكوبتر)، ومنظومة إس 400 دفاع الجوي بعيد المدى، لتتجاوز الصفقات الـ10 مليارات دولار.
***
2- زيارة محمد بن سلمان لفرنسا (الأربعاء 24 يونيو)
______________________________________
ومن المدينة التي كانت العاصمة الروسية في وقت سابق “سان بطرسبرج”؛ حيث استقبله الرئيس بوتين بحفاوة، طار الأمير الشاب محمد بن سلمان إلى باريس حيث استقبله في الإليزيه الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند بنفسه، بحفاوة أيضا، ليقوما بتوقيع 10 اتفاقيات بين البلدين.
وحسبما أعلن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس فإن قيمة الاتفاقيات بلغت نحو 12 مليار دولار. جاءت أهم الاتفاقيات بين المملكة وفرنسا، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السعودية: إنشاء مفاعلين نوويين، توقيع عقد تزويد حرس الحدود السعودي بعدد 23 طائرة هيلكوبتر من شركة إيرباص بقيمة 470 مليون دولار، مذكرة تفاهم بين الخطوط الجوية العربية السعودية وشركة ايرباص بخصوص سرعة تسليم 50 طائرة إيرباص منها 20 طائرة (إيرباص 330)، و30 طائرة (إيرباص 320)، وغيرها.
***
3- وثائق ويكليكس السعودية (الجمعة 19 يونيو)
___________________________________
وبمجرد أن حط الأمير الشاب الرحال في روسيا، حتى نشر موقع ويكيليكس في اليوم التالي وثائق ومستندات زعم أنها مسربة من وزارة الخارجية السعودية، تحتوي على مراسلات سرية من مختلف السفارات السعودية حول العالم.
كشفت الوثائق الهيكل البيروقراطي للمملكة ذا المركزية الشديدة، كما كشفت النقاب عن دور المملكة السافر في شأن العديد من الدول العربية ولاسيما الشأنين المصري واليمني.
الوثائق سببت حرجا كبيرا للمملكة، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية إلى مناشدة المواطنين إلى عدم الالتفات إلى هذه الوثائق التي وصفتها بالمزيفة. وبدأت الأصوات تتعالى أن إيران وراء هذه التسريبات، وكأنها ترد الصفعة للسعودية!
***
السعودية تبحث عن حليف جديد
________________________
واضح أن هدف الزيارتين كان محاولة من السعودية لرفع دعم روسيا عن إيران، ولكسب فرنسا كحليف جديد للسعودية للضغط على إيران والحفاظ على مصالح الخليج بدلًا من واشنطن التي بدت غير مكترثة بالخليج كثيرا، بعد رفض أميركا في كامب ديفيد توقيع اتفاقية دفاعية مكتوبة مع دول الخليج، ورفضها كذلك تزويد الخليج بأسلحة نوعية خوفا من اهتزاز ميزان القوة في المنطقة الراجح لصالح إسرائيل.
بوادر البحث الخليجي عن حليف جديد إضافي (لا يلغي بالضرورة الشراكة مع أميركا) بدأت منذ فترة، فالرئيس الفرنسي أولاند سبق وأن حضر كضيف شرف قمة التشاور الخليجية التي عقدت في الرياض في 5 مايو الماضي.
وقبلها بيوم واحد فقط وقعت في الدوحة بحضور أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند اتفاقية يقتني بموجبها سلاح الجو القطري 24 طائرة فرنسية مقاتلة من طراز “رافال” بقيمة سبعة مليارات دولار. وهي الصفقة التي سبق وأن رفضتها قطر وعدة دول أخرى لارتفاع سعرها مقارنة بإمكانياتها.
لهذه الأسباب يمكننا أن نفهم التصدر الفرنسي في البداية لمشهد المفاوضات مع إيران في جينيف، واشتراط لوران فابيوس ثلاثة شروط قبل بدء المفاوضات: الشرط الأول هو الحد الدائم للقدرات النووية الإيرانية في مجالي الأبحاث والإنتاج، والثاني هو تحقق صارم من المواقع الإيرانية، بما فيها العسكرية إذا استدعت الحاجة، (وهو ما سبق وأن رفضته إيران رفضا قاطعا وجدد رئيس الأركان الإيرانية رفضه) أما الثالث فعودة العقوبات بطريقة آلية في حال انتهاك إيران لالتزاماتها، وهذا الشرط الأخير أيضا رفضته إيران سابقا، إلا أن الغرب يعيد طرحه الآن! وكلها شروط لم توافق عليها إيران بشكل تام في الاتفاق الأخير!
***
الخلاصة:
_________
والآن وبعد توقيع الاتفاق النهائي بين الغرب وإيران يمكننا أن نقول أن المليارات التي قدمتها السعودية لكل من فرنسا وروسيا لم تجد نفعا! وأن ما قامت بها فرنسا كان كما نقول في مصر “برو عتب” أو “تأدية واجب” فقط لتبرير الصفقات التي قدمتها الرياض لباريس!
السعودية تدفع الآن ثمن السياسة الخارجية الرعناء التي جعلتها تتحالف مع إيران وأميركا ضد العراق في 2003، وتتحالف مع الحوثيين ضد الإخوان في اليمن سبتمبر الماضي، وتتخلى عن المقاومة الفلسطينية المحاصرة لصالح إسرائيل، حيث تقف الرياض وتل أبيب معا للأسف في خندق واحد في كثير من القضايا، ومن بينها الملف النووي الإيراني، كما صرح نتنياهو في مؤتمر هيرتزليا السنوي يونيو الماضي!
هذه السياسة السعودية الرعناء جعلت إيران تحت العقوبات تتحكم في أربعة عواصم عربية، بينما جميع الحلفاء السعوديين المحتملين (حماس في غزة- الإخوان في مصر- حزب الإصلاح في اليمن) في أضعف حالتهم بسبب حرب السعودية ضدهم!
والآن السعودية تتحرك في الوقت الضائع محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن يبدو أن إيران انتصرت مجددا في هذه الجولة! فبهذا الاتفاق تم الاعتراف -رسميًا- بإيران كشريك للغرب في المنطقة، وطبعا هذا على حساب السعودية التي ظلت لعقود الحليف الأكبر لأمريكا بجانب إسرائيل!