أثارت استنتاجات “لجنة لوكر” التي دعت إلى “إصلاح شامل” في موازنة الجيش والأمن الإسرائيلي، مشاعر جريئة في أوساط الكثير من الإسرائيليين بين مؤيد ومعارض.
وظهر من دعوات التقرير وردود الفعل عليه أنّ الجيش الإسرائيلي، الذي تمتّع في الماضي بمكانة من القداسة وتصرّف دون أية رقابة حقيقية، قد فقد هيبته، ولم يعدْ يُعتبر في أوساط الإسرائيليين كهيئة لا ينبغي الرقابة عليها.
وكشف التقرير سلسلة من أوجه القصور في سلوك الجيش الإسرائيلي، لا سيّما في الرواتب الكبيرة جدًا، الإدارة غير المسؤولة للميزانية، عدم الشفافية وانعدام الكفاءة مما يضرّ بالاقتصاد الإسرائيلي برمّته.
بفضل المكانة المقدّسة التي حظي الجيش الإسرائيلي بها كان هناك سلوك اقتصادي مبذّر ومسرف، والذي تمثّل خاصة بالرواتب والمعاشات التقاعدية غير المتكافئة لجنود الجيش الدائمين. يحقّ للضابط في الجيش الإسرائيلي التقاعد والحصول على معاش تقاعدي كبير من سنّ 46، في حين أن سن التقاعد في بقية مجالات العمل في إسرائيل هو 67.
ويضم تقرير لجنة لوكر 53 توصية، من بينها تحديد ميزانية ثابتة للجهاز الأمني، تقليص الخدمة الالزامية للرجال إلى عامين فقط، وتغيير النموذج المتبع في دفع مخصصات التقاعد واجراء تغييرات تنظيمية شاملة في الجيش.
اقتراح بإطالة الخدمة الإلزامية للنساء!
واقترح قسم “القوى البشرية” في جيش الاحتلال، إجراء تقليص للخدمة الإلزامية للرجال مقابل إطالة الخدمة الإلزامية للنساء، ليتساوى الجانبان في الخدمة الالزامية، بحيث يقترح الجيش أن تصل إلى عامين وثلاثة أشهر، ويتواصل العمل وفق هذه الخطة حتى العام 2023.
وتعرضت “لجنة لوكر” إلى انتقادات من قبل الجهاز الأمني ومن خارجه. وازدادت هذه الانتقادات مع نشر التقرير؛ حيث تقترح اللجنة تحديد ميزانية مقدارها 59 مليار شيكل للسنوات الخمس القريبة، تشمل كل مصاريف الجهاز الأمني باستثناء اخلاء القواعد. كما توصي اللجنة بقيام الجهاز الأمني بتقسيم الميزانية إلى قسمين؛ الأول لتدريبات الجيش والثاني للأبحاث والتطوير، ومنع تغييرهما. وحسب اللجنة فإن وقف التدريبات في الجيش في 2014، والتي يدعي الجيش أن سببها هو ضائقة مالية، يعتبر “فشلًا نظاميًا” لا مكان له.
وتتعلق إحدى التوصيات الرئيسية للجنة بزيادة شفافية المنظومة الأمنية أمام وزارة المالية ومكتب رئيس الحكومة ومجلس الأمن القومي. كما اقترحت اللجنة أن تشترط المصادقة على ميزانية الأمن بتبني توصياتها.
وقال لوكر -خلال مؤتمر صحفي له- إنه “من المهم في 2015 أن يعرف كل مواطن إلى أين يتم توجيه كل شيكل في كل وزارة في إسرائيل، بما في ذلك في وزارة الأمن رغم كل القيود الأمنية”.
يعلون يشن حربًا على “التقرير”
من جانبه، شن وزير الحرب الإسرائيلي “موشيه يعلون”، هجومًا شديد اللهجة على لجنة لوكر، وكتبت “يديعوت أحرونوت” أن الخلاف الكبير حول ميزانية الأمن تسلل إلى طاولة الحكومة، وأثار عاصفة سياسية جديدة، اشتعلت بين أعضاء ائتلاف نتنياهو، وتهدد بوحدة الائتلاف. وبينما اهتم وزير الأمن يعلون بدعم قائد الأركان “”غادي ايزنكوت” علانية وشجب توصيات لوكر بشدة، خرج بعض الوزراء، كنفتالي بينت وزئيف الكين، إلى دعم لوكر والمطالبة بتطبيق توصياته.
وادعى يعلون أن تقرير اللجنة التي يقودها “يوحنان لوكر”، وهو جنرال في الاحتياط “سطحي وغير متوازن بشكل متطرف، ومنقطع تماما عن الواقع داخل ومن حول دولة اسرائيل”.
وحذر “يعلون” من أن “تطبيق التقرير سيقامر بأمن مواطني إسرائيل ولن يسمح للجيش وللجهاز الأمني بمواجهة التهديدات التي تواجه إسرائيل ومواطنيها وسيمس بقدرتنا على توفير الأمن لمواطني إسرائيل”.
ووصف يعلون التوصية بالمس بمخصصات التقاعد لرجال الخدمة الدائمة بأنها “نتاج حملة التحريض غير المسبوق” والذي يمكنه أن يقود “إلى استقالة جماعية من صفوف الجيش”.
وقال: “من ينسب إليهم “السرقة” و”السلب” ويقارنهم باللصوص وسارقي الخزينة العامة، يتصرف بشكل غير أخلاقي وحقير وغير مسؤول”. وحسب قوله فإن “حقيقة خجل رجال الخدمة الدائمة من الخروج إلى الشارع بالزي العسكري تعتبر وصمة ناجمة عن الهجوم غير المحتمل عليهم”. ودعا يعلون إلى تبني خطة “غدعون” المتعددة السنوات، التي أعدها الجيش.
وزير التعليم يؤيد التوصيات
لكن وزير التعليم “نفتالي بينت” خرج بالذات مؤيدًا لتوصيات لوكر ووصف التقرير بأنه “تقرير شجاع لجيش شجاع” ودعا الحكومة إلى تبنيه. وقال إن “التقرير يحمل معه بشائر اجتماعية وأمنية واقتصادية، ويشكل فرصة نادرة لإجراء اصلاح شامل في الجيش. وهو يفرق بين المحاربين وغير المحاربين، بين جرحى الحرب وجرحى حوادث الطرق خلال الاجازة، ويحسن ويقلص المقرات والقيادات، ويحول كل الموارد إلى الهدف الأعلى للجيش: الانتصار على الأعداء”.
وقال “بينت” إن التقرير يوازن بين الاحتياجات الوجودية لإسرائيل وبين جودة المجتمع فيها، ورفض ادعاء “يعلون” بأن التقرير يشكل خطرًا على أمن الدولة، وقال: “أعتقد أن الخطر على أمن إسرائيل يكمن في استمرار الوضع القائم. من الصحي جدًا للجهاز العسكري نفض نفسه بعد هذا العدد الكبير من السنوات، وأنا أختلف مع تصريحات يعلون”.
كما أعرب الوزير زئيف الكين عن دعمه للتقرير ودعا رئيس الحكومة إلى تبني توصياته كلها، وقال إنه من غير الممكن أن يطالب الجهاز الأمني بزيادة ميزانيته على حساب القضايا الأخرى الملحة في الدولة، ولا يسهم بحصته”.
وقال مصدر أمني رفيع، هاجم التقرير، لصحيفة “هآرتس” إن “وزارة المالية اختطفت هذه اللجنة بكل بساطة وسيطرت على توصياتها”. مشيرًا إلى أن “تركيبة اللجنة لم تكن متوازنة، وكانت الأولوية في تركيبتها للاقتصاديين الكبار، ولا يوجد فيها أي شخص يملك التجربة من المدراء العامين السابقين لوزارة الأمن، أو شخص عمل بشكل فاعل في سياسة القوى البشرية والتخطيط في الجيش”. وحسب رأيه فإن الجنرالين (احتياط) العضوين في اللجنة، لوكر وعامي شفران، يفتقدان إلى التجربة في هذا المضمار.
وكان القائد العام لجيش الاحتلال الجنرال “غادي ايزنكوت” قد تطرق إلى تقرير لوكر قبل نشره، ودعا إلى الحفاظ على كرامة من يؤدون الخدمة الدائمة. وقال: “محاولة نزع شرعية من يؤدون الخدمة الدائمة يشكل تهديدا جوهريا للقدرة على الاحتفاظ بالمهنيين في الجيش”.
نتنياهو يشكر “لوكر”
وشكر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خلال المؤتمر الصحفي اللجنة على توصياتها، وقال لوكر: “لقد أعددت هذا التقرير من أجل أمن إسرائيل، أنا أعرف أن هذا تضمن صراعًا وجهودًا متواصلة وليس شيئًا عابرًا”.
وقال الناطق العسكري “موطي الموز”، إن “الجيش لم يخرج لمحاربة لجنة لوكر. توجيهات القائد العام هي فحص الأفكار الواردة في التقرير وما يمكن تطبيقه منها. سننتظر قرار القيادة السياسية في الموضوع ونحن نتعامل بكامل الجدية مع التقرير وسنناقشه”.
وفي هذا الصدد حولت الشخصيات الأمنية انتقاداتها للتقرير إلى رئيس الحكومة نتنياهو. وتقدر جهات في وزارة الأمن بأن نتنياهو سيجد صعوبة في تبني توصيات التقرير أمام المعارضة الشديدة له، وأنه يتوقع قيامه بتبني تسوية تضعف إلى حد كبير توصيات اللجنة.
وقالوا إن الأمر سيحتاج إلى أشهر طويلة ولن يتبقى بعدها أي شيء من التقرير “لكن الضرر الذي لحق بمحفزات ومكانة رجال الخدمة الدائمة بات واقعًا”.