في الوقت الذي تحتفل فيه أركان نظام الانقلاب العسكري بافتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة، وتتعالى الأغاني والأناشيد الوطنية، وتحاول وسائل الإعلام تضخيم حجم المشروع وتأثيره، تعيش مصر في نفس التوقيت وعلى الجانب الآخر مشاهد مأساوية، حيث تنتشر حالات القتل والقمع والاعتقال لأبنائها، وتزداد صور الفقر في المجتمع، وتكثر حالات الفساد الإداري والتهالك في الخدمات.
في هذا التقرير نرصد لكم أبرز المشاهد التي تناقض مشهد “مصر بتفرح” الذي يرسمه الإعلام المصري لافتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة.
قتلى في سيناء
لقي 5 أشخاص مصرعهم وأصيب 2 آخران ظهر اليوم الثلاثاء؛ إثر سقوط قذيفة على منزل بالشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء؛ حيث قال شهود عيان إن قذيفة مجهولة سقطت على منزل بمنطقة أبو العراج جنوب الشيخ.
وفي سياق متصل، أصيبت طفلة اليوم أيضا في انفجار جسم غريب بمنطقة الماسورة جنوب رفح بشمال سيناء، وتم نقلها للمستشفى لتلقي العلاج، حيث تلقت الأجهزة الأمنية بشمال سيناء إخطارًا بإصابة الطفلة، دينا سامي أحمد، 5 سنوات، بشظايا بالجانب الأيسر من الصدر، إثر انفجار جسم غريب بقرية الماسورة، جنوب رفح.
ويأتي هذا في الوقت الذي تتواصل فيها عمليات القصف التي تقوم بها مقاتلات الجيش المصري لمناطق يقطنها مدنيون، والتي كان آخرها القصف الذي حدث في جنوب رفح، مساء اليوم.
وأدت العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش المصري في سيناء، في الفترة ما بين أول سبتمبر 2013، أي بعد أسبوعين من مذبحة فض رابعة، حتى يوليو 2015، إلى سقوط نحو 1103 قتلى، واعتقال 1800 من أهالي سيناء، كما دمَّر الجيش المصري نحو 1660 منزلا ومقرا خاصا ومزرعة، وتم حرق 531 سيارة، و1739 دراجة بخارية، وتدمير آلاف الأنفاق.
ويقول عيد المرزوقي، الخبير في الشأن السيناوي، إنه بمناسبة افتتاح ترعة قناة السويس شهدت سيناء إجراءات أمنية مشددة، حيث شنت قوات الجيش حملات اعتقال كثيرة، ومنعت الخروج والدخول من سيناء بالنسبة للمواطنين.
وأضاف المرزوقي، في تصريح لـ”رصد”، أنه منذ الشهر الماضي حتى اليوم الحالي قتل 20 طفلا و6 سيدات جراء قصف جوي لطائرات f16، مؤكدًا أن تلك المقاتلات تحدد الهدف عبر طائرات الاستطلاع وتقوم بقصفه في وقت واحد.
280 قتيلا جراء التعذيب بسجون مصر
في سياق آخر، كشفت منظمة هيومن رايتس مونيتور عن تزايد الانتهاكات بعدد كبير من السجون المصرية، وتصاعد وتيرة الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون على خلفية سياسية أثناء فترات اعتقالهم، حيث رصدت المنظمة تعرض المعتقلين إلى معاملات قاسية، فضلاً عن الضرب المبرح والتعذيب الممارس بحقهم، لمحاولة انتزاع اعترافات، أو لمجرد أهواء شخصية لدى ضباط الشرطة للانتقام منهم على خلفية معارضتهم للسلطة.
وأشارت المنظمة -في بيان لها- إلى وقوع أكثر من 280 حالة وفاة بين المعتقلين بسبب التعذيب، وكذلك بسبب الإهمال الطبي وعدم توفير الرعاية الطبية اللازمة للحالات المرضية، وذلك منذ أحداث 3 يوليو.
ولفتت إلى وجود مئات المعتقلين في السجون المصرية لديهم أمراض كالقلب والسرطان وأمراض أخرى خطيرة، وسط إهمال طبي ورفض إدارات السجون علاجهم، وذلك دون مساءلة عادلة لأي من الضالعين في تلك الانتهاكات.
وقال الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل، إن معارضي الانقلاب يمارس ضدهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت من أنواع التعذيب داخل السجون والسلخانات، لافتا إلى أن الانقلاب العسكري يمارس عمليات انتقامية بحق الإخوان والثوار وكل من يتعاطف معهم.
وأضاف أبو خليل، في تصريح لـ”رصد”، ما زلنا نتلقى الشكاوى من أسر المعتقلين، فهناك أيضا حالات اختفاء قسري ما زالت تمارس حتى الآن.
فقر
ورصدت المفوضية المصرية في دراسة لها بعنوان “لماذا لا تتساقط ثمار النمو”، ملامح الاقتصاد السياسي للنظام المصري، بدءًا من مرحلة تولي قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي حكم البلاد، حيث أوضحت الدراسة أن “النظام الحالي يعيد إحياء نفس السياسات الاقتصادية التي تبناها نظام مبارك، وبالأخص في أعوامه الأخيرة، وهي السياسات التي تهتم بجذب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات لا توفر فرص عمل مستدامة مثل قطاعي العقارات والصناعات الاستخراجية، وهي كذلك تلك السياسات القائمة على إطلاق العديد من المشاريع القومية الكبرى والتي غالبًا ما تكون في قطاع الإنشاءات، كما هي الحال بالنسبة لمشروع العاصمة الإدارية الجديدة”، حسب الدراسة.
وأشارت الدراسة إلى تراجع الحكومة الحالية عن عدد من الإصلاحات الضريبية والتي كان قد تم اتخاذها مع بداية العام المالي المنصرم، مثل إلغاء الضريبة الاستثنائية، والمقدرة بـ”5% لمن يزيد دخلهم على مليون جنيه” مع تخفيض الحد الأقصى للضريبة من 25% إلى 22.5%، وكذلك إيقاف العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التعامل في الأوراق المالية لمدة عامين.
وترى الدراسة أن الإصلاحات الضريبية التي كانت قد اتخذتها الحكومة العام المالي السابق، كانت محاولة من السيسي القادم إلى سدة الحكم على إظهار نفسه وكأنه يضغط على الأغنياء تمامًا كما يضغط على الفقراء، لكنه وبمجرد مرور بعض الوقت تم التراجع عن كل تلك الإصلاحات تقريبًا.
وأكدت المفوضية أن ما يقرب من 19 مليون فقير يقعون خارج تغطية منظومة معاشات الضمان الاجتماعي أو منظومة الدعم النقدي المشروط التي تم استحداثها مؤخرًا.