طلبت الدكتور هدى، ابنة جمال عبد الناصر، تبديل اسم اليخت، الملكي الرئاسي، من المحروسة إلى الحرية، فرد عبد الفتاح السيسي، أول خديوي عسكري مدني منتخب وغير منتخب، باصطحاب أرملة أنور السادات، لتقف بجوار زوجته، في حفل الافتتاح، المبتذل، للتفريعة الجديدة لقناة السويس، والتي أطلقوا عليها القناة الجديدة. أنت هنا لست أمام دهاء التاريخ، أو مكره، بل أنت بمواجهة خبث الواقع ووقاحته، ذلك أن استدعاء “المحروسة” شيء، واستدعاء أنور السادات، واستبعاد جمال عبد الناصر، شيء آخر.
وحين يرتدي السيسي زي أنور السادات، العسكري، ويستدعي أرملته، مع تجاهل عائلة عبد الناصر، فإن الرسالة واضحة للخارج والداخل: أنا “ابن المحروسة” لا “ابن الحرية”، أنا ابن الحلم المفبرك، والساعة الأوميجا، زعيم أحلامي هو السادات.
في تصريحاتها لصحيفة المصري اليوم قبيل افتتاح الحفلة، أو حفلة الافتتاح، اعتبرت هدى عبد الناصر تغيير اليخت الرئاسي من المحروسة إلى الحرية إجراء لازما، كون الاسم القديم “يرمز لعهد رفضه المصريون، عقب ثورة 23 يوليو”، لافتة إلى أن والدها أطلق اسم الحرية على اليخت يوم 26 يوليو/تموز 1952، حتى جاء حسني مبارك، وغيّر الاسم عام 2000 إلى المحروسة.
السيسي مثل مبارك، مثل السادات، أبناء فكرة أن الطريق إلى الاحتفاظ بالسلطة يمر باسترضاء الغرب وعدم مناطحته، أو إزعاجه بشعارات من تلك التي كان يخاطب بها عبد الناصر الجماهير، ويحمل فيها على “إسرائيل ومن وراء إسرائيل” الذي هو الغرب، أميركا وأوروبا. لذا، من الطبيعي، بعد أن اطمأن السيسي إلى أنه لم يعد بحاجة إلى تلك “الطلة الناصرية” للسيطرة على الجماهير، بلغة الخمسينيات والستينيات، أن يستعير شخصية السادات، زيّاً وخطاباً، ليطمئن الغرب إلى أنه لن يحيد عن الخط الذي سار عليه السادات ومبارك الذي يبدأ من “كل أوراق اللعبة بأيدي أميركا والغرب” إلى “لن نسمح بتهديد أمن إسرائيل من الأراضي المصرية”.
يذهب عبد الفتاح السيسي إلى الحرب في اليمن، ليس على طريقة عبد الناصر، حين استدعاه الشعب اليمني ضد الرغبة السعودية، وإنما على طريقة حسني مبارك، حين استدعته رائحة البترودولار، في عاصفة الصحراء 1991. يذهب لمبلغ، لا لمبدأ، يسرح ويمرح في مراعي الأرز، لا يحق حقاً، وإنما يغرف مرقاً، بصرف النظر عن أن “عاصفة الحزم” عمل عربي واجب، لانتشال اليمن من بين أنياب انقلاب طائفي، الأمر الذي يجعلها معركة محترمة، تستخدم فيها أسلحة ليست كذلك. هي، كما قلت سابقا، محاولة إظهار وجه قومي وعروبي زائف لنظام ولد سفاحاً وابتساراً، فوضعوه في حضانة إسرائيلية، ثم جاؤوا له بالحليب المجفف من عواصم عربية، اعتبرت مبارك حاكمها الأثير لمصر.
غير أنه في موضوع قناة السويس، الأمر مختلف، ليس موضوعاً على رادار السيسي إظهار أي وجه ناصري، إذ يرتبط اسم جمال عبد الناصر بتأميم القناة، ما تسبب في استعداء القوى الغربية، ومن ثم لا بد من خلع الملابس الناصرية، وارتداء الثوب الساداتي، والوجه المباركي، والتركيز على أن تفريعته الجديدة هدية إلى الغرب، أو كما قال رئيس هيئة القناة، في واحدة من “قلشات النظام”، “الآن الغذاء والدواء والوقود سينتقل عبر العالم بشكل أسرع”.
كلام يشبه ما يقال في إعلانات السلع على شاشة التلفزيون، يخاطبون به شعبهم الغاطس في قاع الخرافة والدجل، عينهم دائما على بهرجة الحفلة، وزخرفة الوهم، حتى يبدو في أبهى صوره، ولا مانع من أن يقوم “ما يشبه السادات” بتحية “ما يشبه الجماهير”، وهو على ظهر اليخت الملكي، لا الرئاسي، حيث يطل على رمال الصحراء، ويلوح بيديه للعدم، ويضع كفيه على قلبه، ويوزع الابتسامات على الفراغ مبتسما.
يقول المنطق إنه من المفترض، من الآن، أن يبدأ الحساب على الوعود التي دغدغوا بها أحلام الجماهير الراقصة في الميادين والشوارع، وأن يشعر الناس بعوائد الحلم السيسي، غير أنهم، كالعادة، سيختطفون الجمهور بحلم جديد، ووهم جديد، كي لا يتركوا لهم فرصة للمحاسبة على القديم، أو كما قالها عبد الرحمن الأبنودي ببلاغة” احقنها بحلم”.
الوضع باختصار، أن “ما تشبه الدولة” تغرق “ما يشبه الوطن” بما يشبه الوهم، لكي يسهل عليها اختطاف “ما يشبه الشعب”، بعيداً عن التفكير في التغيير السياسي مرة أخرى.