زمان، كان الشائع بين الشباب في مصر، أنه لو أدار “مبارك” بلاده بنفس الطريقة التي يدير بها المايسترو صالح سليم ناديه، لكانت مصر هي الدولة الأكثر نجاحًا، وتنمية، وازدهارًا، ورفاهية، في الشرق الأوسط، ولنافست على المستوى العالمي في أكثر من مجال.
كثيرا ما كنا نتحدث، عن أن النادي الأهلي هو المؤسسة الناجحة الوحيدة في مصر، وهي المؤسسة الوحيدة التي تدار بشكل علمي، كما أنها المؤسسة الوحيدة، التي لا يسرقها من يديرها !!
الموقع الجغرافي للنادي الأهلي بالجزيرة، لا يسمح له باستغلال سور النادي، في أي مشروعات استثمارية تدر عليه أموالا، كما ان مساحته الصغيرة لا تسمح باستغلالها في أي نشاط اجتماعي خارج النشاطات المقررة للنادي، ولأعضائه، وذلك خلافا لنظيره الأبيض، ومنافسه التقليدي، نادي الزمالك، الذي يسمح له موقعه المتميز “جدا” بتأجير سور النادي، والاستفادة من كل سنتيمتر في توليد ثروات ضخمة، ومع ذلك فالفارق في ميزانيات الناديين، وفوائضها، وحسابات الأرباح والخسائر، الموازنات العامة بلغة الدولة، دائما لصالح النادي الأهلي، نجاح في التخطيط، والإدارة، في مقابل فشل ذريع لدى كافة الأطراف الأخرى، وملفات من الفساد، وبالمناسبة: أعضاء الأهلي يشتكون، ويريدون المزيد !!
بعد الانقلاب العسكري في 3/7، كان مرتضى منصور هو الوجه الأكثر تمثيلا للنظام، والأكثر اختزالا، وتكثيفا لطبيعة المرحلة، يقفز السيسي على حكم البلاد، بقوة السلاح، يخطف رئيس منتخب، يسجنه في مكان غير معلوم، يحاكمه على تهم عبثية، فيما يبدو الشيء نفسه هو “القانون” الوحيد في مصر، لدى من يجيده ويقدر عليه، الشارع لم يعد لنا، صار للبلطجية، السجن للسياسيين، الإعلام للعصابيين، ومرضى الذهان، المؤسسات الدينية للقوادين، والقضاء للزند، وكفى به اسما، وصفة، أما الرياضة المصرية، ومعها صورة النظام كما أخبرتك فلهذا المرتضى.
لا أتابع الكرة الآن، الهم العام في مصر أكثر قسوة، وأشد وطأة، احاول أحيانا من باب التسلي، والإلهاء المتعمد، تجنبا لأمراض السكر والضغط ومضاعفاتهما، إلا أن المتابعة الدقيقة تنصني، ومع ذلك فلا أحد في مصر يمكنه الفكاك من متابعة “مرتضى”، لا تحتاج إلى متابعة الشأن الرياضي كي تتابعه، مرتضى سيصل لك أينما كنت، شتائمه مواد قانونية ودستورية، وصوته “الجهير”، أو الجعير، كما شئت، لا يحتاج إلى ميكروفونات، أو نوافذ إعلامية، فقط عليك أن تتجنب أن تكون في مرمى الشتائم صونا لأعراض أفراد عائلتك فردا فردا، الإناث قبل الذكور، وأمك قبل الجميع.
المذكور استطاع أن يحصل بطولة الدوري العام، الغائبة عن ناديه منذ 11 عاما أو يزيد، بذراعه، وصوته، وسطوته، وعلاقاته بالنظام العسكري في مصر، الجميع يخشونه، الحكام، المدربون، اللاعبون، بائعو السميط في المدرجات، سائقو الباصات التي تحمل الناس إلى الاستاد، كل من له “أم” يخشى مرتضى منصور، سواء كانت أمه حية أم توفاها الله.
تراكمات بعضها فوق بعض، دون تعليق من مجلس الأهلي الموقر، ذلك الذي اعتاد منذ الرجل الكبير صالح سليم أن تكون مواقفه على قدر اسم ناديه، أخيرا حدث خلاف بين الأهلي واتحاد كرة القدم، بدورهم يخشون البعبع الأبيض، بالمخالفة لقوانين اللعبة ولوائحها، المعمول بها في العالم أجمع، يحكم الاتحاد لصالح صاحب الرئيس، لا يجد الأهلي حلا، ينسحب !!
الخبر يقول أن الأهلي قرر الانسحاب من جميع البطولات المحلية التي ينظمها اتحاد كرة القدم في مصر اعتراضا على اللاقانون، وقدم شكوى إلى “الفيفا” “استقواء بالخارج”. قد يبدو الخبر عاديا لقاريء غير مهتم بالكرة المصرية، إلا أن انسحاب الأهلي، النادي الأكبر، والأكثر تحقيقا للبطولات، نادي القرن، وصاحب القاعدة الجماهيرية الكبيرة لا يعني سوى انهيار اللعبة في مصر، انهيار اقتصادياتها، خسارتها لأكثر من 60 بالمئة من عائداتها، توقف عشرات المعلنين، انسحاب عشرات العروض لشراء بطولة الدوري التي لن يصبح لها سعر في الغالب، انهيار المعبد على رؤوس أصحابه، فشل محقق للجميع، الأهلي يعلم ذلك، ويضغط به بديلا عن “الشرشحة” في الفضائيات، والبلطجة، والسب والقذف، وربما الضرب بالنار، من نوعية الرصاصات التي تخترق الأجسام النحيفة!!
الكثيرون يعترضون على فكرة إحياء أسلحة النضال الجماهيري في مصر، من تظاهر واعتصامات، في مواجهة الآلة العسكرية، العصابة التي تحكمنا، يقولون أن الظرف مختلف، والسياق الذي أفرز يناير لم يعد هو السياق، تقلص الهامش المباركي، وضاق حتى كاد أن يخنق من فيه، الشرطة الآن تضرب في المليان، تفتقد الظهير الشعبي، لكنها لا تفتقد الظهير بشكل عام، لديها جيش جرار من “المواطنين الشرفاء” كلهم مرتضى منصور، ولديها جيش جرار من العسكر، ولديها الإعلام، وهو أمضى من سابقيه، فلم لا تقتل بدم بارد، ومن يحاسبها.
يأتي الموقف الأخير للنادي الأهلي ليعيد للأذهان حوارات الماضي غير البعيد من كون الأهلي المؤسسة الوحيدة التي تستحق هذا الوصف أصلا، لا علاقة للانحياز الرياضي بالموضوع، لم يعد الأمر يعنيني، لكنها الحقيقة، الأهلي قرر الانسحاب فانقلبت الدنيا، ولن تقعد قبل تحقيقه ما يرد على الأرجح، أو في أسوأ الظروف عدم خسارته شيء يذكر، ماذا لو انسحبنا بدورنا، ماذا لو خططنا لانسحاب شامل، لكل من يريد العدل في مصر، ولا يجد له سبيلا آمنا، ماذا لو تحملنا تهديدات بالفصل التعسفي من جهاز الدولة، على خلفية الاعتراض على قانون السخرة المدنية الجديد، الذي يتحول معه كل موظف في الدولة إلى “عبد” مملوك بصك، لا حقوق له سوى ما يقررها سيده بناء على حسابات الولاء والطاعة، ماذا لو تلاقت مصالحنا، كفصيل يريد التغيير الجذري في هذا البلد لصالح كل طبقاته، لا طبقة المقربين، والمحاسيب، دون غيرها، مع تطلعات موظفي الدولة لمعاملة أكثر آدمية، وأقل ظلما وجورا، عصيان مدني، لا يجد وقتا أفضل من هذا، ولا نموذجا، ومثالا سهلا أفضل من “الأهلي”، ماذا لو فعلناها، هل يفسدها مرتضى؟ سنرى.