قيادات الإخوان زي الفُل، والقواعد هي التي جاءت بها. جملة قالها لي أحد كبار الإخوان ممن لهم مكانة في نفسي، نقلا عن أحد القيادات التي لم يعجبها مقالي (أزمة الإخوان في قيادتها)، فهل هذا الكلام صحيح؟ هل القيادات زي الفل، لنتأمل واقع القيادة والقاعدة في الإخوان، لنرى مدى تطابق هذا الكلام على الواقع.
بداية: هل اختارت القواعد هذه القيادات؟ يقينا لا، لم يكن لها أي دور في اختيارها، وإن تم اختيار بعضها في مرحلة ما، فكل من تولى منصبا قياديا، ظل متربعا في سدته سنوات طوال، وبعض القيادات تولى القيادة ثم جمع حوله من على نفس شاكلته في التفكير والإدارة، فمثلا: من الذي اختار أول رئيس لحزب الحرية والعدالة، أهي القواعد أم القيادة؟ ومن الذي اختار أمين الشباب في الحزب، أهي القواعد أم القيادة؟ ومن، ومن؟ قيادات كثيرة أستطيع أن أحصرها لم يكن للقواعد فيها دور يذكر في اختيارها.
وهل نشرت هذه القيادات ثقافة الترشح والاختيار بين القواعد؟ وهل تجددت القيادات في كثير من الأقطار؟ أعرف صديقا عاش في بلد خليجي ما يقرب من ستة عشر عاما يخبرني أنه منذ وصوله حتى خروجه منها، ونفس الشخصيات كما هي، بل لم يحضر انتخابات ولو لمرة واحدة، وذلك ببساطة لأن المسؤول الفلتة الجهبذ، استخدم أسلوبا جديدا فعمل فلترا ممكن أن نسميه (فلتر الدعوة)، فلا يقبل بتصعيد أحد كي يترشح إلا إن كان على نفس خطه، وبذلك ضمن أنه لن يصعد للترشح إلا ما يريد، وبقية الصف أقصى ما يفعله هو الانتخاب.
بل هناك وسيلة أخرى يقوم بها بعض القيادات، كما يحدثني صديق آخر في بلد آخر، أنه قبل الانتخابات، قامت الإدارة بالطواف بأحد أفراد الإخوان على كل الصفوف (أسر وكتائب وشعب) متحدثا، وذلك لتهيئته ليكون المسؤول القادم، وهو ما تم بالفعل رغم أنه وافد جديد على البلد، ولم يبق فيها سوى بضع أسابيع، ثم بعد ذلك نزعم أن القواعد قد اختارت؟!!
الأمر الآخر: هل سعت هذه القيادات إلى تطوير ثقافة هذه القواعد من حيث تعريفها باللائحة الإخوانية، وما فيها، وما له من حقوق وما عليه من واجبات، لقد كانت هذه الفئة من القيادات لا توصل للصف الإخواني إلا ما عليها من واجبات، أما ما لها من حقوق، ومنها: محاسبة هذه المسؤول، فليس مطروحا، فضلا عن تجريمه لدى فئة من القيادات. وهل سعت لتطوير ثقافة القاعدة في حسن الاختيار، أو ترقيتها؟ لم يتم، لأنه ببساطة لو تم تطويرها وتثقيفها، فلن تأتي بهذه القيادات مرة أخرى لسدة القيادة.
هل سعت هذه القيادات إلى ترك مناصبها وتصعيد قيادات أخرى؟ وما شعور القواعد عندما تجد مسؤولا في الجماعة في منصبه منذ ما يقرب من (37) سنة، وهكذا قيادات أخرى، فهل اعتذرت هذه القيادات عن مناصبها، ثم خرجت هذه القواعد تهتف ببقائها طوال هذه المدة؟ إن الثابت هو العكس، أن الجميع طالب برحيل جميع القيادات، وأن كفى ما مضى من تجاربها، ولهم الأجر من الله عز وجل، وأن المرحلة الآنية تحتاج إلى فكر جديد وقيادة جديدة، تحسن التعامل مع الواقع المعيش.
إن شعورا يتنامى كل يوم، وهو ما كنا نقوله من قبل: إن جماعة الإخوان مختطفة، سواء على المستوى الفكري، أو التنظيمي، أو الدعوي، كنا نتكلم في ذلك على المستوى الفكري سنوات ما قبل الثورة، فخط الجماعة الذي بناه حسن البنا وهو بناء يشترك فيه القواعد مع القيادات فيه، في كل صغيرة وكبيرة، يختلف اختلافا جذريا عن حالها اليوم، ومنذ فترة السبعينيات تحديدا، حتى اليوم، وهو ما أحتاج إلى مقالات قادمة إن شاء الله نفصل فيها ذلك، باستعراض منهج الإخوان وأدبياتها، ومواقفها، وشفافية هذه المواقف، وجعلها دعوة عامة يشترك في بنائها الجميع، من أبناء التنظيم، ومن غيره، كل على قدم المساواة، لنرى هل ما نراه اليوم من أفكار ومواقف يزعم متخذوها أنهم على منهج البنا، أم أنهم فعلا يسيرون على منهج البنا ولكن بأستيكة (ممحاة)!!