يبدو واضحاً، الآن، أن الحوثيين يفقدون السيطرة على اليمن، وظهر واضحاً اندحارهم من كل الجنوب اليمني، وبات التقدم نحو صنعاء قريباً. وهذا يعني أن سلطة الحوثيين وحليفهم علي عبدالله صالح باتت في نهايتها، وأن اليمن خرج من حساب السيطرة الإيرانية. سينتهي، إذن، الوجود الإيراني في اليمن، على الرغم من أنه سوف يعود إلى الهيمنة السعودية.
في سورية، بات الأمر معقداً، حيث بات واضحاً أن ميزان القوى العسكري مختلّ إلى حد كبير، ليس لمصلحة النظام، وحزب الله وإيران لم يعودا قادرين على إرسال قوات أخرى. وبات هنا العمل “على المكشوف” بين إيران وكل من السعودية وقطر وتركيا، حيث أدى التوافق الذي تحقق بين هذه الدول إلى توحيد قوى عسكرية كانت تتصارع، وتشل قدراتها إزاء النظام، وبالتالي، كانت عاجزة عن التقدم. لكن، أدى هذا التوافق إلى أن تكون القوى التي توحدت، وهي أحرار الشام وجبهة النصرة، وكتائب مسلحة أخرى، قادرة على التقدم للسيطرة على إدلب والتوغّل في سهل الغاب، والوصول إلى ملامسة الساحل السوري. وهي قادرة على التقدم أكثر نحو “جبال العلويين”. لكن، ليس في نية الدول الداعمة فعل ذلك، ربما إلا إذا تشددت إيران في عدم التخلي عن النظام. وسنلمس أن جيش الإسلام الذي يخضع لسياسة مشابهة لم يتحرك بعد نحو دمشق، على الرغم من قدرته على ذلك، ليبقى عنصر تهديد فحسب.
وفي العراق، يقود العجز عن حسم الصراع ضد داعش إلى الاعتماد أكثر على التدخل الأميركي، ولأميركا شروطها التي تريد منها إعادة بناء التوازن في السلطة العراقية لمصلحتها. وهي تلعب بداعش، أصلاً، من أجل ذلك. لكن، يبدو أن ما يجري سيساعد في تحقيق سيطرتها على الدولة العراقية (وإنْ بأزلام إيران)، حيث إن الانفجار الشعبي سيستغل من أجل تطهير الدولة من السيطرة الإيرانية (على الرغم من أن الحراك الشعبي سوف يستمر بالضرورة). ولقد جاءت إدانة نوري المالكي بسقوط الموصل بيد داعش لكي تضعف المنطق الإيراني، وتسمح بطرد كل الأزلام الذين زرعهم في الدولة. وربما يشير تعاون المالكي مع داعش إلى تورط إيران في الأمر، وهو ما سيجعلها محط إدانة.
إذن، في اليمن ستخرج إيران بـ “خفي حنين”، ربما تجري الموافقة على مشاركة الحوثيين في السلطة، لكن عنصراً ثانوياً. وفي سورية، ليس على إيران سوى الانسحاب من هذا البلد (وهو ما سيضعف حزب الله ويحاصره، ويقود إلى نهايته). وفي العراق، يبدو أن التكتيك الأميركي الذي قام على “اللعب بداعش” وصل إلى تحقيق الهدف المتمثل في إعادة السيطرة على الدولة، بعد الانسحاب سنة 2011 الذي سمح بسيطرة إيرانية كاملة.
بالتالي، يمكن القول باي باي لإيران، على الرغم من أنها سوف تكون حليفاً لأميركا موثوقاً، على الرغم من تجريد أميركا لها من مناطق سيطرتها ونفوذها. ربما هذا هو البديل لها، نتيجة حاجة أميركا لها في إطار ترتيب إستراتيجيتها القائمة على الخشية من الصين. وربما يكون ذلك مفيداً لها، لأنها ستكون أداة أميركية في إطار الصراعات العالمية.