الولع بتكرار حكاية “عبد الناصر- هيكل” مازال يهيمن على المتنافسين على لقب “الكاتب بأمر السيسي” في مصر الانقلاب.
القصة بدأها رئيس تحرير الأخبار، المحرر العسكري السابق بالوراثة، وتجلت في تلك الحوارات التي تسربت حين كان يرأس تحرير صحيفة خاصة، وهي الحوارات التي تفوق فيها السائل والمسؤول على أمهر مهرجي السيرك في العالم، خصوصا ما تعلق بأحلام الجنرال بالساعة الأوميجا وأنور السادات.
الآن، دخل آخرون على الخط، ليس على طريقة المحاورات الصحفية، وإنما بأسلوب “اكتب ما يملى عليك أو يسرب إليك”، مع مراعاة تجنب ذكر اسم الجنرال.
يكتب الزميل عبد الله السناوي، المسكون بهاجس اجترار العلاقة المستحيلة بين عبد الناصر وهيكل، عن تفاصيل لقاء سري جمع الرئيس محمد مرسي وثلاثة من جنرالات المجلس العسكري، ممثلين للمشير حسين طنطاوي، عقب إعلان فوز الدكتور مرسي بالرئاسة، وقبيل أداء اليمين مباشرة.
يحكي السناوي تفاصيل ما جرى في الاجتماع السري في القاعة المغلقة، وكأنه خامسهم، أو كأنه كان مختبئا في عروة جاكيت واحد منهم، حيث يروي بنص عبارته أن “الاجتماع المثير غلبته حالة توتر مكتومة، وبقيت أكواب الشاى والينسون التي وضعت على مائدته، من دون أن يقترب منها أحد” وكما ورد على لسان السناوي المطلع على الخفايا “فى الساعة الخامسة من هذا المساء، ضمته مائدة مستديرة فى قصر الاتحادية إلى ثلاثة قادة عسكريين هم: الفريق عبدالعزيز سيف الدين قائد الدفاع الجوي والشخصية الثالثة في المجلس العسكري، واللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية، واللواء عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية”.
ثم يفصل “كان لدى الرئيس المنتخب طلبا واحدا صريحا ومباشراً: أريد أن تبحثوا لي عن حل يعود به مجلس الشعب، حتى يمكننى أداء اليمين الدستورية أمامه”، بدا الطلب مستحيلاً تماماً، فالمحكمة الدستورية العليا قضت ببطلانه. مما سمعه فى هذا الاجتماع: “إذا أردت أن تكون رئيسا محترما لدولة محترمة فعليك احترام الإعلان الدستورى الذي انتخبت على أساسه”.
وبصرف النظر عن الخطأ النحوي الكارثي في الرواية بنصب اسم كان، فإن الزميل لم يقل لنا من هو مصدرها، هل هو السيسي أم الجنرالان الآخران، أم الدكتور مرسي شخصيا، أم أن الزميل كان هناك، قريبا جدا، إلى حد قياس درجة حرارة الينسون، وإبداء الأسى على إهماله حتى برد، أم أنها، وهذا هو الأرجح، حصة إملاء عسكرية، منسوبة للمجهول؟ على أية حال، هناك من الوقائع ما يدحض هذه الرواية، ذلك أن أزمة أداء القسم كانت موضوعا للنقاش على مائدة الجبهة الوطنية التي تشكلت بعد انتهاء جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية، لمنع تزويرها، وكانت تضم شخصيات عديدة من مختلف ألوان الطيف السياسي، من الناصريين والليبراليين والإسلاميين.
وفي ذلك الوقت، كان الرأي الغالب، لدى جماهير الثورة ونخبتها، ألا يخضع الرئيس المنتخب للابتزاز المزدوج من القضاة والعسكر، بعد قرار حل البرلمان، قبل أمتار قليلة من وصوله إلى قصر الحكم، فتم التوافق على أن يكون أداء القسم بقاعة الاحتفالات الكبرى في جامعة القاهرة، بحضور جميع أعضاء البرلمان، وممثلي الأحزاب والحركات الثورية، وشخصيات مستقلة، على أن يسبق ذلك ذهاب الرئيس إلى مبنى المحكمة الدستورية، وأداء مراسم تسلمه السلطة، كإجراء بروتوكولي.
وأذكر أنه، في تلك الأثناء لم تكن هناك مشكلة بين الرئيس وتيار الإسلام السياسي بشكل عام وبين المؤسسة العسكرية، إذ حدث في احتفالية جامعة القاهرة أن هتفت مجموعة من القوى الثورية “يسقط حكم العسكر”، فور دخول المشير طنطاوي وأعضاء المجلس العسكري إلى القاعة، حيث توترت الأجواء، وهم العسكريون بالانسحاب، فقام مرشد الإخوان وآخرون من الجماعة ب “تطييب خاطر” المشير وجماعته، فيما هتف أعضاء البرلمان من الإخوان والسلفيين ضدنا “الجيش والشعب إيد واحدة” وبالمنطق، لا يمكن تصور أن الرئيس مرسي، عقب إطاحة طنطاوي من منصب وزير الدفاع، وسامي عنان رئيساً للأركان، سيسعى إلى تعيين مكانهما واحد من الذين أنفوا أن يحتسوا الينسون معه، وأسمعوه قولا غليظا من عينة “إذا أردت أن تكون رئيسا محترما لدولة محترمة فعليك احترام الإعلان الدستوري الذي انتخبت على أساسه”.
لقد عنون السناوي مقاله بعبارة “عودة إلى رابعة العدوية”، وبدلا من أن يمتلك الجرأة اللازمة للإجابة عن السؤال الحتمي هنا “من قتل الناس في رابعة”، هرب برشاقة، واختبأ خلف سؤال آخر “من عزل مرسي؟”، ثم أفتى بأن جماعته هي التي عزلته، وكفى الله العقلاء الموضوعيين التفكير، وهي إجابة لطيفة، تتيح للكاتب أن يستعرض عضلات معلوماتية، على طريقة هيكل. وفي الوقت نفسه، يرضي من أملاها عليه، ويبرئه من تهمة الانقلاب على رئيسه وعزله، وصولا إلى الأهم، وهو أن من ماتوا في رابعة هم ضحايا من عزل مرسي، وما دام الإخوان هم الذين عزلوه، فإنهم بالضرورة من قتلوا الناس في رابعة العدوية، تبعا لقواعد المنطق السيسي