كتبت صحيفة “التايمز” البريطانية، ووسائل إعلام عربية، قصة شاب سوري قطع رحلة قاسية للهجرة من بلدته، درايا، بريف دمشق؛ حيث سبح لمدة ست ساعات من تركيا باتجاه الجزر اليونانية، وصولًا إلى هامبورج بألمانيا، واستغرقت رحلة شتاته قبل الوصول إلى ألمانيا، ثلاثة أعوام ونصف العام.
حكى الشاب هشام معضماني، قصته بالتفصيل، خلال صفحته على موقع التواصل “فيس بوك”؛ حيث بدأ قصته بكتابة أسماء البلاد التي تضمنتها رحلته القاسية من الغوطة إلى هامبورج.. (سوريا- لبنان- مصر- تركيا- سوريا- الأردن- تركيا- اليونان- مقدونيا- صربيا-هنجاريا- النمسا- ألمانيا).
بداية القصة
قال معضماني: “إنها المرة الأولى التي أغادر بها بلدي الحبيب سوريا بسبب الحرب التي أنهكت بلدي، وبعد مجزرة في مدينتي داريا التي كانت الأكبر في سوريا ذلك الوقت، لكن الأصعب من ذلك، أنني ودعت والدتي الغالية على عجل، ودعتها أملًا أن الحرب لن تطول وسأعود قريبًا، ولم أعلم أنها ستمتد رحلة اللجوء تلك الى ما يزيد على ثلاثة أعوام ونصف العام حتى الآن”.
وأضاف، “مكثت أسبوعًا واحدًا في لبنان فقط بسبب غلاء المعيشة، وقررت الذهاب إلى مصر بنية الالتحاق في الجامعات المصرية، وصلت إلى مصر بتاريخ 29/9/2012، وبعد عدة أسابيع قمت بتحضير الأوراق اللازمة، إلا أن باب التسجيل في الجامعات قد أغلق، لا فرصة عمل هناك، فذهبت إلى تركيا لأعود بعدها إلى سوريا، ظنًا مني أن الحرب ستنتهي قريبًا وسأعود لجامعتي، ولكن الحرب لم تنته، بل زادت ضراوة”.. بتاريخ 5/4/2013 بدأت رحلتي من الغوطة إلى أوروبا، قررت الخروج من سوريا مجددًا إلى أوروبا فقد طالت فترة انقاطعي عن الجامعة، وهناك بإمكاني متابعة تعليمي، وأعود بعدها وأشارك بإعادة بناء بلدي الذي دمرته الحرب، بعد ثلاثة محاولات باءت بالفشل لا مجال للوصول من الغوطة إلى تركيا التي تعتبر نقطة الانطلاق إلى أوروبا، فالغوطة تحت الحصار.. سائق سيارة “براد” ينوي الذهاب إلى الأردن لينقل بعض الجرحى وبعض العائلات ولديه متسع لي ولصديقي، ذهبت معه..
في صباح 6/4/2013، بعد رحلة مرعبة تخللتها القنابل المضيئة لكشفنا في الصحراء وإطلاق بعض الرصاص علينا من قبل الحكومة السورية، وصلنا حدود الأردن.
نقلنا حرس الحدود الأردني إلى مركز استقبال اللاجئين السوريين “مركز أمن البادية”، بحجة أنهم فقط يستقبلون العائلات، زجونا في السجن لمدة 12 ساعة وقاموا بحجز أوراقنا وسلب جواز سفري الذي يعتبر أهم وثيقة، خاصة لمواطن بلد تنهشه الحرب ولا مجال لاستصدار أي وثيقة من جهة حكومية، وقاموا بإعادتي إلى سوريا”.
عامان تكلفة عبور بلد عربي
ويتابع معضماني: “مكثت عامين في الأردن، كانا أصعب عامين في حياتي على الإطلاق، ومن جانب آخر تعرفت على أصدقاء سوريين وأردنيين خلال تلك الفترة كانوا خير أصدقاء وجعلوا تلك الحقبة الزمنية أسهل قليلًا.. تعرفت على سمسار، ودفعت 400$ لجلب جواز سفري من مركز حجز الوثائق السورية في الأردن “رباع السرحان”.. ذهبت لأبيت أمام السفارة السورية لتجديد جواز السفر، ومن مساء السبت إلى ظهر الخميس تمكنت من تجديد جواز السفر، والثلاثاء المقبل موعد سفري إلى تركيا.. عامين كانت تكلفة عبور بلد عربي!!
الثلاثاء 16/06/2015 الساعة الواحدة ظهرًا، أشعر بشدة الخوف والارتباك، هل سأعبر المطار أم ستقوم المخابرات بإعادتي إلى سوريا كما فعلت بالعديد من أصدقائي”.. “التفت نحوي أحد المسافرين السوريين وقال لي: سوري؟ ذاهب إلى تركيا من ثم إلى أوروبا؟، أجبته لا. ذاهب إلى تركيا لمقابلة عائلتي فقط، أريد الآن فقط تجاوز المخابرات، أنا على نافذتهم الآن، بعد عشرات الأسئلة قام بطبع ختم المغادرة على جوازي، ابتسمت للحظة ثم سمعت صراخ زميل، الحق بي إلى غرفة التحقيق التابعة للمخابرات في المطار، لم يبدأ التحقيق بعد!، لحقت به، أجبت عن جميع أسئلتهم وأخبروني أنه بإمكانك المغادرة، ملأت الفرحة قلبي وتوجهت نحو ذلك الشاب وأخبرته نعم ذاهب إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا هنا، تعرفت على رفيق الرحلة “فراس أبو خليل” من اللاذقية من أشجع وأطيب الأصدقاء الذين قابلتهن”.
من تركيا لليونان.. سباحة
وأكمل معضماني قصته: “سألته كيف سنعبر البحر من تركيا إلى اليونان؟، بالتأكيد كما يعبره الجميع، نتفق مع مهرب، ينقلنا بـ البلم “القارب المطاطي الصغير” مقابل 1000$ على الشخص الواحد أليس كذلك؟
قال لي: بالتأكيد لا، سنذهب سباحة!!!!
ظننته يمزح؛ فلم أسمع قبل أن أحدًا قد فعلها، وصلنا إلى تركيا مساءً، وفي صباح اليوم التالي كنا في أزمير وأطلعني على خريطة الشاطئ والنقطة التي سوف نسبح منها إلى الجزيرة اليونانية “8 كم”.
بعد سير ساعتين وسط النهار وحر الشمس، وصلنا النقطة، اطلعت عليها، تبدو قريبة، أجبته: نعم، سأسبح معك، رغم أنني لم أسبح في البحر سوى مرتين وهذه الثالثة ولكن أسبح منذ الصغر، عليّ فعلها، فما أملك من نقود لن يكفيني إلا إذا سبحت هذه المسافة.
وعدنا إلى المدينة، اشترينا سترة النجاة والزعانف التي تساعد في السباحة وضوء ليزر والقليل من الماء والطعام، عدنا نحو نقطة الانطلاق، وصلنا الثامنة مساءً تسللنا بين الأشجار، تلك التلة التي تبعد عن الأعين، ألقينا كل أمتعتنا ولبسنا فقط “شورت” السباحة وسترة النجاة، ربطت أوراقي ونقودي بأكياس النايلون لكي لا يصلها الماء ووضعتها بحقيبة صغيرة على خصري، سأحتاج إلى حذاء عند الوصول الى الشاطئ إن وصلت!، ربطت حذائي على كتفي وحملت الزعانف، فإنها التاسعة والنصف، قد حل الظلام وحان موعد الانطلاق ، كانت التلة مرتفعة وعلينا تسلق ذلك السفح لنصل إلى المياه، وصلت إلى صخرة مرتفعة قليلًا عن الماء واختبأنا خلفها ليعبر مركب خفر السواحل، بعد أن ابتعد عنا نزل صديقي فراس إلى الماء وأخبرني أن الماء بارد جدًا، توترت قليلًا وتقدمت نحوه ونزلت إلى المياه، كانت باردة جدًا، زاد توتري وزادت دقات قلبي، غمرت كامل جسدي في المياه ليعتدل مع درجة برودتها ونظرت إلى الشاطئ المقابل، كم هو بعيد وكم البحر مظلم، كانت أكبر لحظة خوف أعيشها في حياتي، أنا على مشارف الموت وآخر لحظاتي في هذا العالم”.
وأضاف “صرخت لفراس اسمعني جيدًا: لقد خططت كثيرًا لرحلتك هذه لن أكون سببًا في إفشالك سأسبح 50 مترًا إن استطعت المتابعة سوف أتابع، ولكن إن لم أستطع أكمل طريقك وأنا سأعود، لبست الزعانف، وقامت بقلبي داخل المياه فسترة النجاة تطفو بي من الأمام والزعانف من الخلف، بدأت بالسباحة، وبدأت بالتقدم، في طريقنا يوجد جزيرتان صغيرتان مهجورتان، نظرت إلى الأولى تبعد 3 كم، إن وصلت إليها لن أموت سابقى عليها حتى الصباح وأطلب المساعدة.
نظرت خلفي وما زلت ابتعد تدريجيًا عن الشاطئ، ولكن ما زالت الجزيرة الأولى بعيدة ولكنني أتقدم ولم أشعر بالتعب بعد.
البحر مظلم
البحر مظلم من حولي، سبحت على ظهري ونظرت إلى السماء، كانت مليئة بالنجوم ويخطها الشهاب بين اللحظة والأخرى، أخبرت فراس أنها من أجمل اللحظات أو أجمل منظر مررت خلاله في حياتي. ما زالت الجزيرة المهجورة الأولى بعيدة في حين ظهرت خلفها باخرة تسير ليس ببعيد عنا، سألت فراس هل أشير بضوء الليزر لها وتقوم بإنقاذنا، أجابني أننا لم نتجاوز المياه التركية بعد، ماذا لو أعادتنا إلى تركيا، إياك بإصدار أي إشارة، ما زلنا في حالة جيدة، فقط تابع السباحة”.
وقال: “تجاوزنا الجزيرة الثانية، تفاجئنا ببعد الشاطئ اليوناني!!، لا حل إلا بالمتابعة، خفضنا سرعتنا وبدأنا بالسباحة ببطء لكي لا تنفذ طاقتنا، وما زال صديقي فراس بروحه الجميلة يقوم بتشجيعي على المتابعة، وعاودنا السباحة ولا يزال الشاطئ بعيدًا. بدأنا السباحة في التاسعة والنصف، لا أعلم الوقت الآن، أظن أنها الثانية في منتصف الليل وما زلنا نسبح، الأمواج تارة تساعدنا نحو الأمام وتارة تسحب بنا نحو الخلف وطاقتي تنفد. ولكن! الأضواء تقترب، 1 كم متر ونصل أحياء الى الشاطئ دون أن يبتلعنا ذلك البحر الواسع، وفي ذات تلك اللحظة، ضوء أحمر على يسارنا يقترب نحونا، هل نشير له، فالشاطئ أصبح قربنا، سنصله لوحدنا، ولكن بعد الشاطئ إلى أين نذهب ونحن مبللان، سنشير إليهم وهم سينقلوننا إلى مخفر شرطة السواحل؛ حيث يجب أن نذهب..
أخرجت الضوء من الحقيبة؛ حيث وضعته في جيب منفصل، أخرجته من كيس النايلون لكي لا تقربه المياه، وأشعلته وأشرت نحو تلك الباخرة لدقيقة، وإذا بها تشعل أنوارها وتسلط علينا ضوء الكشاف، وبدأت تحوم حولنا؛ حيث كانت تتصل بخفر السواحل، دقائق وبدأت قورابهم تتجه نحونا وقاموا بإرسال قارب صغير نقلنا إلى آخر أكبر منه، كان الجو باردًا جدًا، فنحنن مبللان، جائعان بعد 6 ساعات سباحة، الظمأ يقتلني من ملح البحر، سريعًا قدموا لنا المياه طلبوا التأكد من أننا سوريان، ومضوا بنا نحو اليابسة.
نعم عبرنا من تركيا إلى اليونان، كان أكثر شيء مجنون فعلته في حياتي، كانت صعبة جدًا، لكن فعلناها دون دفع ذلك المبلغ لمهرب البشر، كانت ليلة عظيمة لن أنساها”.
الوصول لليونان
أضاف معضماني “كانت معاملتهم جيدة في ظروف سيئة حيث أعطونا وثيقة تسمح لنا بالبقاء في اليونان لمدة 6 أشهر، حصلنا على تلك الوثيقة بعد يومين انتظار في تلك الجزيرة كيوس، لنتعرف على 6 أصدقاء آخرين، رامي ورامي أبو نذير وحمادي وجاسم ومحمود والشاغوري، قد أضافوا طعما جميل إلى تلك الرحلة، فقد أصبحنا اخوة في نهاية الرحلة، وإتجهنا سوياً الى أثينا، أبتنا ليلة واحدة في أثينا، وفي الليلة التي تلتها إتجهنا الى مدينة تسالونيك القريبة من الحدود مع مقدونيا.
توجهنا الى محطة القطارات، يوجد قطار ياخذنا الى الحدود في السابعة مساا، ولكنها السادسة صباحاً، لن ننتظر سنذهب الى محطة الباصات ونذهب بالباص، للأسف لم يقبل موظف الباصات بأن يحجز لنا تذكرة الى تلك المنطقة الحدودية “أفيزوني”، لأننا غير مخولين بزيارة المناطق الحدودية بناءً على الوثيقة التي منحت لنا.
وبعد عدة ساعات من السير على الأقدام، وقفنا لدقائق تحت ظل شجرة لنستريح قليلا ونأكل بعض حبات التمر، فما زلنا دون طعام من الليلة السابقة، ولا نحمل سوى بضع حبات التمر والماء الذي أصبح ساخنًا.
تحت تلك الشجرة فتحت هاتفي النقال الذي مازال يلتقط إشارة الشبكة اليونانية، الكثير من الرسائل، أولًا سأتفقد رسائل والدتي لأطمئنها أنني بخير، وهنا أستقبل الخبر الأسوأ في حياتي الذي قسم ظهري بأن والدي قد فارق الحياة، ما أن انذرفت دموعي وإلا برفاقي ينهضون لمتابعة السير، تابعت سيري حزينا متألما لقد أردت أن أتصل به من ألمانيا، وأخبره انه بإمكاني اليوم متابعة تعليمي، وستراني محاميًا كما أردتني، ولكن قدر الله وماشاء فعل”.
ما زلنا نسير ونسير، نمشي ساعتين ونرتاح عشرة دقائق، لم نصل الحدود المقدونية حتى الساعة الثالثة ليلًا، لنجد مئات اللاجئين واقفين على الحدود، حيث قوات الجيش منتشرة ولا تسمح لأحد بالدخول, تكلمنا مع بعض الشبان هناك وأخبرناهم عن سيرنا على الأقدام، أخبرونا أنهم دفعوا فقط 1 يورو فوق سعر التكت للموظف ليحجز لهم سريعًا في ذلك القطار، ونحن قد أذاب السير أقدامنا فقد بدأ الدم يسيل من اسفل أقدام جميع أفراد مجموعتنا، ذلك يعود للسير على أحجار سكة القطار فلا طريق اخر كان لدينا.
لكن القصة لم تنته هنا؛ علينا دخول مقدونيا، ترجل فراس مرة آخرى بعد سباحة البحر، ليقودنا عبر ال جي بي أس، برنامج الخرائط، ونتابع سيرنا بين الغابات لنلتف خلف الجيش ونعبر الحدود وندخل مقدونيا.
سرنا وراءه نحو 200 شخص، يتضمنهم نساء وأطفال وبعد 8 ساعات سيرًا وصلنا الضيعة المقدونية جفجيليا ودخلنا مخفر المدينة لنأخذ وثيقة طرد من البلاد مدتها 3 أيام وإستخدام المواصلات العامة، كان ذلك بعد أن وافقت الحكومة المقدونية على إعطائها لللاجئين بعد ضغوط ومظاهرات شعبية على ما كان يواجهه اللاجئون في غابات مقدونيا من تعرض لمسلحين ومشلحين والشبح الكبير سجن غازي علي بابا”.
ويكمل: “أخذنا تلك الوثيقة واتجهنا نحو العاصمة المقدونية سكوبيه، وكنت قد حجزت بفندق على الإنترنت، ذهبنا اليه مباشرة، دخل اليه رفاقي، وذهبت الى أقرب صيدلية لأجلب لهم كريمات وأدوية تساعد جراح أقدامهم بالشفاء.
في اليوم التالي الساعة الواحدة ظهراً وجهتنا من محطة الباصات الى مدينة كومنوفو القريبة من حدود صربيا.
نزلنا بها واتجهنا الى محطة القطارات القريبة لنحجز الى النقطة الحدودية، ولكن كانت محطة القطارات شبه مهجورة، وموعد قدوم القطار في الحادية عشر ليلا، لم ننتننتظر، خرجت للبحث عن سيارتين تكسي تنقلنا الى الحدود، وجدت واحدة نقلتنا على دفعتين الى المعبر المقدوني-الصربي الرسمي، واتجهت نحوهم، ولكن لم يسمحوا لنا بالعبور وأشاروا لنا الى الطريق الترابي الذي نسلكه نحو صربيا. سلكنا ذلك الطريق، تجاوزنا نهرا صغيرا ومشينا على يسار السكة الحديدية لمدة ساعة واحدة، لنجد الجيش الصربي منتشرا أيضا على الحدود، هناك ثلاثة دوريات أمامنا، 300 مترا بين الواحدة والأخرى، إقتربنا بهدوء، وأتفقنا على الجلوس حتى غياب الشمس وحلول الظلام، لنقوم بتجاوزهم. ساعة واحدة من الانتظار حتى حل الظلام، بدأنا بالزحف واحدا تلو الآخر، دوريات الشرطة كانت على يمينا ويسارنا، وفجأة يبدؤون بالصراخ: بوليس بوليس، لا.قد قبض علينا!، وإذ بأحد أصدقائنا، يتسارع نحونا، ويخبرنا أنهم قد لاحظوا مجموعة آخرى غيرنا وركضوا نحوهم وامسكوا بهم، إنها فرصتنا، تابعنا السير وقد ابتعدنا عنهم، وعبرنا الحدود، لقد كانت كمعجزة.
الأرض وعرة يملؤها الوحل لم نهتم وتابعنا المسير على السكة الحديدة مجددا، لنصل محطة القطار في ثالث قرية صربية عند الساعة 11 ليلا، بعد 5 ساعات من السير على الأقدام، وكان القطار سيتجه نحو العاصمة بلغراد بعد نصف ساعة”.
وأضاف “لن يقوموا بالحجز لنا دون الذهاب الى مركز الشرطة في المدينة وأخد ورقة طرد لمدة 72 ساعة وعلينا الانتظار من يوم إلى ثلاثة أيام للحصول عليها , ظهر شاب تونسي قال لي بأنه سيقوم بالحجز لي عبر وثيقته فابتسمت له، نعم انا متشكر لك، ولكن ذلك ليس بالمجان قال لي، مقابل 10 يورو، لا بأس ظننت اننا نعيش نفس المعاناة وستعيننا بالمجان لا مشكلة خذ النقود واحجز لنا ثمانية تذاكر، عند قدوم القطار تفاجئنا ان تذكرة القطار لن تكفي لأن الشرطة وقفت على باب القطار، ذهبت وأخبرتهم أننا لا نحمل تلك الوثيقة، فقد وصلنا للتو على موعد القطار، لم يقبلوا بذلك، صعد الجميع الى القطار وذهب، وبقينا نحن الثمانية، وبعد ذهاب القطار بلحظات جاء أحد عناصر الشرطة، أخبرنا أنه بإمكاننا الذهاب بالقطار التالي بعد ثلاث ساعات، بإمكانكم النوم بالقطار الآن الى حين موعده.
في اليوم التالي نحن في العاصمة بلجراد ولكن لا يوجد فندق يستقبلنا دون تلك الوثيقة قرب محطة الباصات، ولكن أحد سائقين التكسي بالقرب من المحطة نقلنا الى فندق، يبعد نصف ساعة عن المحطة، كان ذلك الفندق بتكلفة مرتفعة وبجودة سيئة جدا.
مكثنا ثلاثة أيام في ذلك الفندق نخطط لعملية عبور هنجاريا دون التعرض الى بصمة اللجوء، التي تجبر هنغاريا جميع العابرين الذين تلقي القبض عليهم على البصم والتقدم بطلب اللجوء لها، رغم انها لا تملك مقومات وميزات اللجوء التي تنص عليها اتفاقية دبلن، من يود الذهاب الى ألمانيا لا مشكلة في ألمانيا تتغاضى عن هذه البصمة وتمنح حق اللجوء، بسبب سوء المعاملة في هنغاريا أما باقي الدول فلا تتهاون بهذه البصمة وتقوم بترحيل اللاجئين الباصمين في هنغاريا اليها، وذلك سيكون عقبة على معظم أعضاء مجموعتنا فمنهم من تنتظره عائلته في بلجيكا و السويد فذلك دفع بعض الأصدقاء للذهاب مع مهرب بتكلفة 1500 يورو على الشخص الواحد ليقطع بهم هنغاريا نحو النمسا.
بقيت لوحدي مع اثنين آخرين فلا نملك تكلفة الذهاب مع المهرب، وفي اليوم الثالث اتجهنا نحو محطة الباصات، وقمنا بشراء تذاكر الى مدينة كنجيزا القريبة من حدود هنغاريا، وقبل الوصول بدقائق، أوقفتنا الشرطة الشرطة الصربية وكان قد بقي 15 راكب في الباص، جميعهم سوريون واثنين جزائريين، صعد أحد عناصر الشرطة الى الباص، وسار بنا الباص لمدة 5 دقائق واوقفنا في نقطة، أنزلنا بها وذهب الباص ووقفنا مع عناصر الشرطة واخبرونا: من يدفع يمشي، أرادوا 10 يورو على الشخص، دفعناها وأشاروا لنا أن نسلك هذا الطريق نحو هنغاريا نحو مدينة سجد الهنغارية”.
مخاطر ومطاردات
وقال معضماني : “كانت مسافة السير 7 ساعات وبين ساعة وآخرى تمر سيارات الشرطة الهنجارية، ونهرب منهم ونختبأ في الغابة، ثم نتابع، وفجأة ركض نحونا بعض عناصر الشرطة وألقوا القبض على بعض منا ونجوت أنا وبضعة آخرين، في الساعة الرابعة صباحًا نحن قرب مدينة سجد، الجميع ألقى حقائبه وبدل ثيابه ودخل المدينة، قررت البقاء حتى السابعة صباحًا ومن ثم أدخل أنا والاثنين الآخرين، بعد الجلوس للحظات ومن شدة التعب غرقنا في النوم وسط الغابة التي تملأها الحشرات واستيقظت في الساعة السابعة والنصف صباحا، أيقظت أصدقائي، ألقينا جميع اغراضنا وبدلنا ثيابنا بثياب لا تدل على أننا مهاجرين، فدقائق وسندخل المدينة بحثًا عن سيارة تكسي. ها نحن الآن داخل المدينة، بعض المزارعين ينظرون إلينا، زحمة السيارة ليست بعيدة، نحن باتجاهها، نعم على طرف الطريق توجد سيارة أجرة، 20 مترًا ونصل إليها وننجو من الشرطة التي ظهرت فجأة ووصلت إلينا قبل وصولنا لسيارة التكسي. أصعدونا سيارتهم وأخذوا بنا الى مركز إحتجاز للمهاجرين، وعلى الطريق أخبروني أنهم تلقوا خبرًا من طائرتي الإستطلاع وقناص أنهم لاحظوا خروجنا من الغابة وجاؤوا للقبض علينا.
الوصول لألمانيا
بعد ساعتين من الإنتظار في مركز الإحتجاز، قاموا بنقلنا إلى العاصمة بودابيست، إلى مركز الهجرة والأجانب، واعطونا خيارين إما أن نبصم بصمة جنائية ويأخذوننا الى السجن لمدة شهر ويعيدوننا إلى صربيا بعدها، او نتقدم بطلب لجوء ونبصم ويخرجوننا بنفس اليوم. إن لم أبصم سأضيع شهرا في السجن وأعود إلى صربيا ومن ثم سأعيد نفس المحاولة التي تبلغ فيها نسبة النجاح أقل من 10% بسبب التشديد الكثيف للسلطات الهنغارية على الحدود، ولا أملك أيضا 1500 يورو لأدفعها للمهرب الذي لا يضمن لي أن لا يقبض عليي وأعود لنفس الخيار والبصم. قررت أن أبصم ولكن وضعت مادة الألتكو على أصابعي قبل البصم وبالفعل لم تظهر بصماتي نهائيا على الجهاز ولكن لا مجال للتذاكي فأجبروني على تنظيفهم حتى ظهرت بصماتي، وفي ذات اليوم الساعة واحدة ليلا قاموا بإخراجنا، ذهبت لفندق أمضيت الليلة، وفي اليوم التالي ذهبت لأقرب مطعم وأستخدمت شبكة الإنترنت للتواصل والبحث عن سيارة من بودابيست لألمانيا. اتفقت مع سائق ب 500 يورو على الشخص، كنا 11 مهاجر، وبعد ساعة ونصف من الإنطلاق عبرنا هنغاريا إلى النمسا، وبعد ساعتين نحن في ألمانيا، أمتار قليلة في ألمانيا حتى تجاوزتنا سيارة شرطة وأشارت لنا بالوقوف، قاموا بإعتقال السائق بتهمة نقل مهاجرين غير شرعيين، وتقدموا نحونا وسألوا: هل أنتم سوريون، نعم جميعا، “أهلا بكم في ألمانيا”، كانت إبتسامتهم وترحيبهم مريح جدا، نقلونا الى مركز أمني، اخذوا بصماتنا و أعطونا عنوان كامب ل نذهب آليه ولكنني ذهبت الى هامبورغ المدينة التي أحبها، والتي تتغاضى عن بصمة هنغاريا، وهناك نقلونا الى كامب بوشتد قرب هامبورغ والوضع فيه جيد جدا.
أخيرًا أنا في ألمانيا 01/07/2015، أنتظر الحصول على تصريح الإقامة لأبدأ بتعلم اللغة ومتابعة تعليمي مجددًا”.