تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي، بمشاركة مسؤولين ومستوطنين، اقتحامها المسجد الأقصى في القدس المحتلة لليوم الثالث على التوالي بصورة همجية، وسط رد فعل عربي وإسلامي لا يتجاوز دائرة الاستنكار والتنديد.
وانسحبت القوات المقتحمة، ظهر اليوم، بعد أن حرقت جزءًا من المسجد القبلي وخلفت خرابًا كبيرًا داخله، فيما أطلقت وابلاً كثيفًا من القنابل الصوتية والغازية والرصاص المطاطي وأصابت عددًا من المرابطين الذين تصدوا لهم بالتكبيرات والأحذية.
وكانت فرقة قناصة مقنعة اعتلت سطح المصلى القبلي، وحطمت عناصرها نوافذه وأطلقت قنابل الصوت والغاز والرصاص المطاطي على المعتكفين داخله، وقامت بعدها باقتحام المصلى حتى وصلت المحراب ومنبر صلاح الدين ومكثت فيه نحو 20 دقيقة، كما ذكر أحد حراس الأقصى، وعاثت فيه الخراب والدمار.
سبق ذلك فرض قيود مشددة منذ الصباح، ومنع دخول جميع المصلين وطلاب المدارس الشرعية، في حين اقتحمته قوات الاحتلال مدججة بالسلاح من باب المغاربة.
وفور انسحاب القوات المقتحمة على وقع تكبيرات المصلين وهتافاتهم، قام المصلون بخلع الأقفال التي وضعتها على أبواب المصلى وعاينوا الدمار الذي خلفته داخله، ووصف شهود عيان ما جرى فيه بالكارثة الكبرى و”الزلزال” إثر مشاهد التخريب والدمار التي خلفتها قوات الاحتلال قبيل انسحابها.
واعتدت قوات الاحتلال على عمال الأوقاف وحراس المسجد الأقصى، وعلى الرجال والنساء والأطفال، وأفاد رئيس قسم الإسعاف في جمعية الهلال الأحمر أمين أبو غزالة أن هناك 36 إصابة منها 7 إصابات بجراح في الرأس لكبار السن، والباقي إصابات بالعيارات المطاطية والغاز المدمع وقنابل الصوت.
وأفاد المحامي حمزة قطينة من مؤسسة “قدسنا لحقوق الانسان” بأن الاحتلال اعتقل خلال اليوم ثلاثة أشخاص من داخل المسجد الأقصى.
وشهد محيط المسجد الأقصى اعتداءات فاقت بوحشيتها المنظمات الإرهابية وعصابات الإجرام -كما أفاد شهود عيان- إلا أن المصلين حافظوا على رباطهم أمام الحواجز العسكرية يرددون التكبيرات والهتافات المناصرة للمسجد الأقصى، كما اقتحمت قوات الاحتلال مركز الجالية الإفريقية ومدرسة الأيتام في البلدة القديمة قرب المسجد الأقصى وقامت بالاعتداء على الطلاب فيه، ووقعت إصابات بين صفوفهم.
وذكر شهود عيان أن أحد ضباط الاحتلال أمر عناصره في محيط المسجد الأقصى باستهداف المصورين والصحفيين ومنعهم من توثيق الأحداث، حيث تعرض الصحفيين هناك للاعتداء والدفع بالقوة والتهديد.
في السياق، أصيب عدد من المواطنين بجروح مختلفة، جراء اعتداء جنود الاحتلال الإسرائيلي على المشاركين في مسيرة خرجت في بلدة الرام شمال القدس المحتلة نصرة للمسجد الأقصى وتنديدًا باعتداءات الاحتلال المتواصلة بحق المسجد منذ ثلاثة أيام.
ورفع المشاركون الذين كان جلهم من طلبة المدارس الأعلام الفلسطينية ورددوا الهتافات المنددة بالاحتلال الإسرائيلي، وطالبوا بالتدخل من أجل إنقاذ الاقصى والقدس من التهويد.
ووصفت الإصابات بالطفيفة ناتجة عن الاختناق وعولجت ميدانيًا فيما لم تسجل اعتقالات، وأغلق جنود الاحتلال مدخل الرام الشمالي ومنعوا الدخول أو الخروج من البلدة.
تنديد وتهديد
في غضون ذلك، نددت السلطة والفصائل الفلسطينية والسعودية وجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، بالاعتداءات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى.
وندد مجلس الوزراء الفلسطيني في بيان له باقتحام الأقصى وفرض حصار عسكري على البلدة القديمة بالقدس وعلى المسجد الأقصى، ووضع متاريس حديدية بالقرب من بواباته.
وحذّر المجلس في مستهل جلسته الأسبوعية التي عقدها اليوم في رام الله برئاسة رامي الحمد الله من مخاطر وتداعيات شروع قوات الاحتلال بتنفيذ اقتحام عسكري غير مسبوق على المسجد الأقصى، واقتحام المصلى القبلي، وإطلاق قنابل الغاز السام، والرصاص المطاطي على المرابطين فيه، والذي أدى إلى وقوع عشرات الإصابات في صفوف المصلين، وإلحاق الدمار الكبير في المصلى، بالإضافة إلى الشروع بتكسير نوافذ وأبواب المصلى والدخول إليه والعبث بمحتوياته وتدميرها، والاعتداء على حراس وسدنة المسجد الأقصى وملاحقتهم والقيام باعتقال عدد منهم.
واعتبر منع سلطات الاحتلال دخول النساء والفتيات والطالبات من كل الأجيال إلى باحات المسجد، وقرار وزير جيش الاحتلال بحظر نشاط مصاطب العلم والرباط في المسجد الأقصى “جريمة عدوان على الديانات السماوية، وانتهاكًا سافرًا لحرية العبادة وأداء الشعائر الدينية للمسلمين”.
حذّر أيضًا من خطورة دعوة منظمات وجماعات الهيكل المزعوم المتطرفة أنصارها إلى أوسع مشاركة في اقتحامات مكثفة للمسجد الأقصى المبارك، تزامنًا مع بدء موسم الأعياد اليهودية، وتنظيم فعاليات تلمودية في رحاب الأقصى المبارك، معتبرًا ذلك مؤشرًا لفرض مخططات التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك، وتحقيق أهداف حكومة الاحتلال الإسرائيلي العدوانية بالسيطرة الكاملة على مدينة القدس والأقصى وتهويدهما.
وطالب المجلس الأمتين العربية والإسلامية لاستشعار الخطر الحقيقي على المدينة المقدسة والمسجد الأقصى؛ ما يستدعي من المسلمين في كل أرجاء العالم التحرك بشكل جدي، والوقوف في وجه الأخطار المحدقة بالمدينة المقدسة، وما يوجب على المجتمع الدولي التحرك فورًا والوقوف عند مسؤولياته لوقف اعتداءات حكومة الاحتلال، وإجراءاتها العنصرية وانتهاكاتها التهويدية، وحربها الدينية التي تفجرها بحق مدينة القدس والأقصى.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” اليوم الثلاثاء إن التصعيد الإسرائيلي في المسجد الأقصى “إعلان حرب”.
وطالب المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري المجتمع الدولي بالتحرك لوقف الجريمة الإسرائيلية قبل انفجار الوضع بأكمله، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني لن يسمح بتمرير المخطط الإسرائيلي المجرم، فيما أكد القيادي في حركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي أن ما يحدث في المسجد الأقصى من اقتحامات هو “نية مبيتة عند حكومة الاحتلال لفرض واقع جديد في المسجد الأقصى، وتقسيمه مكانيًا بتخصيص أماكن خاصة لليهود في باحات الحرم”.
وقال الهندي، في بيان صحفي اليوم الثلاثاء، إن “كيان الاحتلال يستغل انشغال العرب والمسلمين بأزماتهم لتكريس هذا الواقع الجديد، والأقصى لا يجد من يدافع عنه إلا المرابطون والمرابطات من الرجال والشيوخ والنساء وحتى الأطفال المصلين”.
وطالب الهندي “أحرار الأمة بإظهار غضبهم على انتهاكات العدو للمسجد الأقصى، وتنظيم مسيرات غضب للدفاع عن قبلتهم الأولى، وثاني المسجدين، وثالث الحرمين الشريفين”.
من جهته قال القيادي في فتح نبيل شعث: إن الوضع في القدس الشرقية خطير للغاية بسبب الهجمة الاسرائيلية على المسجد الاقصى.
وحذر شعت لدى استقباله، اليوم الثلاثاء، سفراء وقناصل الدول الأجنبية لدى فلسطين، من أن “إسرائيل تكرر سيناريو الحرم الابراهيمي في الخليل، حيث ارتكب ضابط بالجيش الإسرائيلي “باروخ غولدشتاين” مجزرة بحق المصلين الفلسطينيين عام 1994 راح ضحيتها 43 مواطنًا، وأغلق الجيش الإسرائيلي في حينه الحرم وحين أعاد افتتاحه كان مقسمًا بين المسلمين والمستوطنين، فما تقوم به إسرائيل في المسجد الأقصى تكرار لنفس السيناريو، مستغلة صمت المجتمع الدولي.
وشدد “الوضع في القدس خطير للغاية، ويتطلب منكم ومن حكوماتكم اهتمامًا جديًا وتحركًا عاجلاً، معتبرًا أن إسرائيل تجر المنطقة إلى حرب ديني”.
واستنكر الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي الاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى المبارك التي تنفذها قوات الاحتلال، واعتداءها على المصلين داخله.
واعتبر بيان الأسرى تلك الاقتحامات “جريمة بحق المقدسات تستوجب على أبناء أمتنا وشعبنا الرد الفوري والحازم عليها”، مؤكدًا أن ما يتعرض له المسجد الأقصى اليوم على أيدي المستوطنين، يأتي في سياق فرض الأمر الواقع تمهيدًا لتقسيم المسجد زمانيًا”.
من جهتها، طالبت جماعة الإخوان المسلمين اليوم الحكومة الأردنية باعتبارها صاحبة الوصاية على المسجد الأقصى أن تمارس دورها بصورة جادة، في طرد السفير الإسرائيلي من عمان وسحب سفير الأردن ردًّا على الانتهاكات الإسرائيلية بحق المسجد الأقصى.
وقالت الجماعة في بيان صحفي اليوم إن الحكومة مطالبة بقطع جميع العلاقات السياسية والاقتصادية مع هذا الكيان ومناصرة المرابطين والمرابطات في توفير جميع أشكال الدعم المداي والمعنوي لهم.
كما طالبت الجماعة بالوقوف إلى جانب المرابطين والمرابطات المدافعين عن المسجد الأقصى، ودعوة العالم إلى الوقوف معهم ومتابعة جهادهم ورفع وإعلاء صوتهم في كل مكان من هذا العالم.
وأدانت الجماعة المواقف العربية الرسمية التي تخلت عن المسجد الأقصى وتركته يواجه هذه الجرائم الصهيونية وحيدًا ونطالب هذه الأنظمة بالقيام بواجباتها سياسيًا واقتصاديًّا وعسكريًا؛ لأن معركة الأقصى هي معركة الأمة كلها.
وجددت مطالبة السلطة الفلسطينية بتحمل مسؤولياتها كاملة عن المسجد الاقصى وإيقاف جميع المفاوضات والحلول الاستسلامية التي تتخذ من الاحتلال مظلة لها.