أتى حادث الواحات الذي وقع هذا الأسبوع وتسبب في أزمة حادة بين مصر والمكسيك ليكشف الكثير عن طريقة إدارة الأمور في مصر، لمن لم يكن يعلم بعد!
هذا ليس سلوك دول بأي حال من الأحوال، لكن لعله من حسن حظ الثوار المصريين الذين يواجهون القتل يوميا ويصفهم الجيش بالإرهاب والتكفيريين، حتى فضحت حادثة السياح المكسيكيين كذبهم على رؤوس الأشهاد!
صحيفة الجارديان البريطانية قالت أن السياح المكسيكيين ظلوا يتعرضون للقصف من الجو طيلة ثلاث ساعات! ثلاث ساعات كاملة احتاجها الجيش ليفرق بين سياح يلبسون شورتات وإرهابيين يحملون آر بي جي!!
1- القتل لمجرد الاشتباه!
لك أن تتخيل أن إطلاق النار حدث مباشرة من المروحيات المقاتلة “الأباتشي” تجاه 4 سيارات دفع رباعي 4 4x في منطقة الواحات في الصحراء الغربية، فقط لمجرد “الاشتباه” بهم كما ذكر بيان ما يسمى بوزارة الداخلية المصرية!
كنا في زمن إذا اشتبهت فيك الشرطة سحبتك على أقرب قسم لتحقق من هويتك، وفق قانون الطوارئ، أما الآن فصار الاشتباه – مجرد الاشتباه – سببا كافيا جدا لمصر الجديدة بعد ثورة 30 يونيو المجيدة لكي تُقتل بالأباتشي!
لا حديث عن قواعد اشتباك، أو التأكد من هوية المشتبه بهم، أو التحرك وفق معلومات أمنية واستخبارية مسبقة، أو إطلاق عدة طلقات تحذيرية، ومطالبة المشتبه بهم بتسليم أنفسهم! لا شيء من هذه الأمور التي نسمع عنها في بقية شعوب الكوكب! بل قتل مباشرة والبحث عن تفسير أو تبرير!
2- إستراتيجية التوتر!
وفور الحادث أعلنت جماعة إرهابية متطرفة عبر بيان لها على الانترنت عن وقوع اشتباكات بينها وبين عناصر الأمن في الصحراء الغربية، في تمهيد واضح من الداخلية للإعلان عن خبر إطلاق النار على السيارات الأربعة، التي كانت تقل الإرهابيين!
إنها استراتيجية التوتر التي تحدثنا عنها مرارا، وتعني افتعال النظام لعمليات عنف ونسبها لتنظيمات إرهابية وهمية لتبرير القمع والاستبداد والتنكيل بالخصوم!
3- في مصر: المقتول إرهابي إلى أن يثبت العكس!
وزارة الداخلية أعلنت عن مقتل 12 شخص من بينهم 8 إرهابيين خلال ملاحقة قوات مشتركة من الجيش والشرطة للعناصر الإرهابية بمدينة الواحات!
لكن تبين أن القتلى معظمهم أجانب، وأنهم سياح مكسيكيين وضع الداخلية والجيش المصري في مأزق حقيقي! لو كانوا مصريين لقيل عنهم أنهم إخوان أو من داعش كما تعودوا دائما، أو حتى كانوا ينوون تفجير الرمال في الصحراء! لكن جنسية السياح المكسيكيين أفسدت هذه الرواية تماما!
كيف لا يتمكن الجيش من التفريق بين سياح يلبسون شورتات، وإرهابيين يحملون آر بي جي!
وهل لنا أن نصدق بعد الآن أي روايات رسمية عن تصفية الأمن لـ “تكفيريين” هنا أو “إرهابيين” هناك! كيف تأكد الأمن حقا أنهم إرهابيين أو تكفيريين! ألا يجوز أنهم قتلوا أيضا خطأ كما حدث في الواحات؟؟ أو أن الجيش يستغل مثل هذه الحوادث لاصطناع بطولات وتبرير القمع والاستبداد؟؟ ألا تتذكرون الصور التي بثها الجيش لعمليات ضد إرهابيين في سيناء واتضح من إحداثيات الـ GPS أنها بالصحراء الغربية؟؟
4- الإدعاء بدخول منطقة محظورة!
تغيرت رواية الداخلية على الفور، وصارت كالآتي:
السياح ماتوا بسبب التعامل الخطأ مع 4 سيارات دفع رباعي كانت موجودة في “المنطقة المحظورة”، وتبين أنها تقل فوج سياحي مكسيكي الجنسية، الأمر الذي أسفر عن إصابة 10 سائحين ومقتل اثنين.
وحتى لو كان السياح دخلوا منطقة محظورة، فهناك قواعد للاشتباك كما سبق وأن ذكرنا. لكن الغريب حقا ما قاله أحمد المستكاوى، صاحب إحدى الشركات المتخصصة في سياحة السفارى، حيث فجر مفاجأة جديدة في حادث الواحات، قائلاً:
“السيسي أصدر قرارًا جمهوريًا رقم 444 لعام 2014، يفيد بأن المنطقة من القاهرة إلى الواحات البحرية غير محظورة”.
وتابع خلال مداخلة هاتفية مع “وائل الإبراشي” ببرنامج “العاشرة مساء”، أن المنطقة التي شهدت الحادث مبسطة لا يوجد بها جبال، كما تبلغ المسافة بين القاهرة والواحات البحرية نحو 350 كيلو مترًا، وتوقف سائقي السيارات لتناول وجبة الغذاء.
أيد ذلك صورة ضوئية منشورة لتصريح وترخيص من شرطة السياحة للفوج المكسيكى بالتحرك في المنطقة التى تم قصفهم بالطائرات فيها!
المنطقة ليست محظورة، والسياح كان معهم تصريح، فلم كل هذا القتل إذن؟؟
5- قتلناهم حتى لا تقتلهم داعش!
لكن أغرب ما قيل في التبرير لمقتل هؤلاء السياح، هو ما قالته الصحفية عزة هيكل لدينا رامز: الجيش قتل السياح المكسيكيين بالواحات ليحميهم من داعش! وظيفة الجيش ليست أمن الناس وأمانهم، بل حمايتهم من التنظيمات الإرهابية حتى ولو اضطر الجيش لقتلهم حتى لا تفوز داعش بهذا الشرف! لا أعتقد أن شيئا مماثل يقال على هذا الكوكب!
ويجب الإشارة هنا لبوست خزعبلي على موقع فيسبوك لأحد أتباع السيسي حصد ما يزيد على 22 ألف مشاركة يؤكد بمزيج من القدرات العكاشية الخارقة في التحليل والإمكانيات البكرية الافتة في التطبيل أن السياح المكسيكيين كانوا في طريقهم لتنفيذ مخطط إرهابي عالمي بالتعاون مع المافيا المكسيكية والسي آي ايه وعناصر الإخوان الإرهابية! لأول وهلة ظننته بوستا ساخرا حتى صدمتني الفاجعة!
من الأمور الطريفة أيضا في هذا الحادث الماساوي أن وزير الخارجية سامح شكري طُلب منه أن يقرأ بيانا في المؤتمر الصحفي المشترك مع وزيرة خارجية المكسيك، التي كان يبدو من نظراتها أنها لا تصدق البتة التبريرات الهشة التي ساقها شكري لمقتل هؤلاء السياح! التزم شكري حرفيا بما كان مكتوبا في الورقة، وفي نهاية البيان فوجئ الجميع به يقول End of text وهي كلمة تطبع تلقائيا مع أي ورقة مطبوعة، على غرار: (تمت الطباعة بالمطابع الأميرية) !!
لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مكسيكيا.. حقيقة أشكر بشدة دولة المكسيك التي كشفت للعالم أجمع – دونما قصد – عبر سائحيها المقتولين بالأباتشي كيف يتعامل الجيش مع المشتبه بهم في مصر! كيف يقتلهم بالأباتشي لمجرد الاشتباه بهم! كيف يصف المقتول بالإرهابي حتى قبل أن يجرى أي تحقيق جدي! وكيف يستغل ذلك إعلاميا لتخويف الناس من الإرهاب المحدق بهم، لتبرير ما يقوم به من قمع وقتل وفساد واستبداد!
كيف يقتل “حاجة وتلاتين واحد” خنقا بالغاز في سيارة ترحيلات وهم في عهدة الأمن، وكيف يموت معتقل في السجون لأنهم منعوا عنه الدواء!
تقول الأسطورة أن مصر كان تحارب الإرهاب منذ عامين، وتقول أيضا أن الجيش المصري يقتل “التكفيريين” كل يوم حتى وقع حادث الواحات!
ويقول السيسي أن مصر كانت ستشهد حربا أهلية يقتل فيها الناس بعضهم في الشوارع، إذا لم يتدخل الجيش وينقلب في 3 يوليو، حتى رأينا ذلك يحدث فعلا رأي العين.
لكن المصريين، ولأنهم غارقون حتى آذانهم في وحل المأساة، غير مدركين بشكل كاف ما صار عليه حالهم وحال أبنائهم من قتل على الهوية، وتحول الجيش والشرطة لميليشيات تقتل أي معارض بدعوى الأمن القومي والحفاظ على البلد! وأنه لا توجد جهة رقابية واحدة تراجع عمل هذه الأجهزة الأمنية التي وصفها السيسي يوما أنها “آلة قتل”!
لم يفهموا بعد أن الجيش أعطى الحصانة لضباطه لإطلاق النار على الناس لمجرد الاشتباه بهم أو حتى الخلاف حول ركن سيارة! وأنهم لن يحصلوا على أي تعويضات من التي سيحصل عليها المكسيكيين والتي يقال أنها ستصل إلى 12 مليون دولار للسائح الواحد! أما هم فإرهابيون أوباش على الجيش أن يضربهم في المليان، حتى لو اتضح أن الإرهابي المقتول ممن أيدوا السيسي يوما وفوضوه لمحاربة الإرهاب المحتمل!
ويا للمفارقة، فقد كان المرشد السياحي للفوج المكسيكي واحدا ممن فوض السيسي! لعله الآن فقط أدرك من هو الإرهابي بحق!