يصر أصحاب الخطاب، الموجود، والمعرف، بوصفه مضادا للإخوان، بالاكتفاء، بتفعيل جين “الردح” و”الشرشحة”، دون غيره مما ورثناه من تركة الثقافة المصرية، حالة من الذهان، الهوس، استمناء الاحتقار، والانتقاص، يسمونها “الحط”، من كل ما هو إخواني، بسبب وبدون، الهدف، ليس التقويم أو النقد بأي شكل، لا يبدو ذلك في الكثير من خطابات التأنيب المجانية، إنما يكمن هدف الخطاب في التحقق الأيديولوجي، ومغازلة طرفي المزايدة في مصر، الفلول واليسار الرجعي المتضامن مع 30 /6، لكنه ضد الدم، على طريقة نريدها ثورة مضادة بيضاء، نحن نشتم الإخوان، نحن معكم، ادعمونا يرحمكم الله، أنا أشتم الإخوان، إذن أنا موجود!
ليكن، الإخوان أسوأ خلق الله، ما المطلوب؟ فقدوا سلطة يسعون إليها منذ 80 عاما، لم يحكموا يوما واحدا، فعليا، دخلوا السجون والمعتقلات، عاطل في باطل، قتلوهم، على الهوية، على المشاع، على الكيف والمزاج، قتلوهم قتلا مبررا، مشرعنا، مفقهنا، مؤدلجا، على الكتاب والسنة، وبركات الرب، وسماجات المشروع الوطني الغائب، ذلك الذي ننتظره منذ أن قررنا أن نسميه وطنا، فلا نلقى سوى دماء، بلا ثمن، لا وطن، ولا مشروع، قتلوهم، وأغلقوا مصانعهم، ومتاجرهم، وشركاتهم، خربوا بيوتهم، شردوهم في البلدان، تعقبوهم بالأحكام المسيسة، ولم يكتفوا، بل زادوهم إعلاما تحريضيا، وصل به الحال إلى تأليب كافة الطبقات الاجتماعية عليهم، وتوصيف النيل منهم، بالعنف الذي قد يصل إلى القتل المشروع بوصفه عملا وطنيا، أخطأ الإخوان سياسيا، ليدفعوا الثمن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ودينيا، وإنسانيا، حتى المستقبل دفعوا من مراراته المخزنة، ما تنوء به الجبال، فما المطلوب؟
الإجابة: أن يتعلموا الدرس، أن يستوعبوه جيدا، أن يحترموا أنفسهم، ويتأدبوا، أن يبدو لنا من أمرهم أنهم تعلموا، تخيل، والله العظيم أنقل لك إجابات قرأت بعضها بالفعل عند بعض من ابتلانا بهم الزمان بوصفهم كتابا ومحركي رأي عام بائس، بهم، وبزمانهم، كيف يبدو لنا أنهم تعلموا؟ نريد أن ندخل حساباتهم على مواقع التواصل فلا نجد سوى اعتذارا عما مضى، واستنكارا له، وشعورا حقيقيا، ومبالغا فيه بالخزي والعار، عليهم أن يدركوا أنهم، وحدهم، أخطأوا، فيما أصاب الآخرون، من دون خطأ يذكر، كلنا تصرفنا من عمق المسؤولية، وكنا ملائكة أطهارا، وصديقين أبرارا، فيما كانوا شياطين، ومردة، أحرقوا الأخضر واليابس، وأهلكوا الحرث والنسل، أتحدث بلسان الحال، والواقع، فلا فرق.
ثمة أصوات عاقلة، لا شك، إلا أن محاولاتهم للاصطفاف، في تصوري، ستذهب أدراج الرياح، ما لم نشرع في تحليل هذه الحالات السيكوباتية، ومحاولة تلمس العلاج، مجرد أن يتصور أحدهم بعد كل ما أدركناه من أحوال الثورة المصرية وتجاربها المريرة طوال الأربع سنوات الماضيات، أنه لم يخطئ فيما أخطأ الآخرون، هذه كارثة تحتاج وحدها إلى ثورة، لتجاوزها.
أزمة هذا الخطاب المعتل، لا تكمن في تعطيل حركة التاريخ فحسب، بل تتجاوزه إلى تسميم المستقبل، مرارات بعضها من بعض، ظلمات بعضها فوق بعض، عدمية مقيتة، يصر أصحاب خطاب الكراهية التعبوي أن يغوصوا بنا في قعرها البائس، لعلنا نلتمس فرصا أخرى لإلحاق المزيد من عار التاريخ بالإسلاميين، فنرتوي غلا، وماذا بعد؟
أحاول أن أفتش في تاريخ الحركة الوطنية المصرية، إجمالا، لا تاريخ الثورة وحده، عن خطأ تاريخي، انفرد به الإخوان عما سواهم، اقترفوه، وحمّلونا معهم تبعاته، فلا أجد، أحاول أن أبحث عن الشيء نفسه عند من يسمّون أنفسهم، خلافا لواقع التجربة، بالتيارات المدنية، أيضا لا أجد، النسق المصري لا يسمح بغير ذلك، تنويعات على “تيمة” واحدة، الجميع خارج الزمن، من كان سلفه ماركس، ومن كان سلفه ابن تيمية، متى سننتهي، ونلتفت لخصمنا الحقيقي، متى سيبدو لحركة الزمن منا أننا بالفعل قد استوعبنا الدرس، يبدو لي والحال هكذا، أننا لن نفعل، قبل أن يتحول آلاف من المصريين إلى جثث على سواحل اللجوء الأوروبي، أموات يتحكمون بمصائر أموات، فلماذا لا يحكمنا العساكر؟