شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

قصة الأنفاق بين غزة ومصر.. من تهريب السلع والأسلحة إلى الغمر بالمياه

قصة الأنفاق بين غزة ومصر.. من تهريب السلع والأسلحة إلى الغمر بالمياه
لليوم الثاني على التوالي، يواصل الجيش المصري ضخ كميات كبيرة من مياه البحر في أنابيب عملاقة، مدّها في وقت سابق على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، في محاولة لتدمير أنفاق التهريب أسفل الحدود، عبر إغراقها.

لليوم الثاني على التوالي، يواصل الجيش المصري ضخ كميات كبيرة من مياه البحر في أنابيب عملاقة، مدّها في وقت سابق على طول الحدود بين قطاع غزة ومصر، في محاولة لتدمير أنفاق التهريب أسفل الحدود، عبر إغراقها.

وقال مواطنون وملاك أنفاق لـ” الأناضول”: إن الجيش المصري، بدأ فجر أمس الجمعة، في ضخ مياه البحر؛ ما أدى إلى غمر عدد كبير من الأنفاق وحدوث انهيارات جزئية في عدد منها.

والأنفاق هي عبارة عن ممرات حفرها الفلسطينيون تحت الأرض على طول الحدود بين غزة ومصر، في محاولة لإدخال “مواد” تمنع إسرائيل إدخالها للقطاع.

وفي مقابلات أجرتها وكالة الأناضول مع عدد من مواطني وملاك الأنفاق من رفح الفلسطينية والمصرية، خلصت إلى أن تاريخ حفر الأنفاق يعود إلى أوائل الثمانينيات بعد ترسيم الحدود بين مصر وإسرائيل عقب اتفاقية “كامب ديفيد”؛ حيث كانت تستخدم لتهريب السجائر والذهب والسلع وبعض العملات الأجنبية.

ومع بدء الانتفاضة الأولى عام 1987 استخدمت الأنفاق لتهريب الأسلحة، وكان لا يتعدى طول النفق آنذاك الثلاثين مترًا، ويتم حفرها من الجانبين، ويربط كل نفق بين منزلين متقابلين على جانبي الحدود.

وشرعت السلطة الفلسطينية أواخر عام 1994، في محاربة الأنفاق في إطار التنسيق الأمني مع إسرائيل، ضمن اتفاقية أوسلو للسلام.

ودمرت القوات الإسرائيلية آلاف المنازل المحاذية للشريط الحدودي؛ الأمر الذي زاد من طول هذه الأنفاق؛ حيث يبلغ طوله الحالي ما بين 700 و1000 متر، بعمق يصل إلى ما بين 15 و40 قدمًا.

ونشطت تلك الظاهرة مع اندلاع انتفاضة الأقصى قبل 15 عامًا؛ حيث استخدمتها فصائل المقاومة الفلسطينية لتهريب الأسلحة والذخائر.

ومع اشتداد وطأة الحصار الذي فرضته إسرائيل منتصف يونيو 2007 على قطاع غزة وازدياد وتيرته، اتجه الفلسطينيون للأنفاق لسد رمق احتياجاتهم وتهريب الأدوية والأغذية والدواء والوقود.

وفي البداية كانت الأنفاق تعمل في نقل بضائع خفيفة مثل السجائر والأطعمة المحفوظة، ثم تطور الأمر لنقل الدقيق والسكر وغيرها من المواد الغذائية الأساسية.

وشيئًا فشيئًا بدأت الأنفاق تورد لقطاع غزة كل المنتجات والسلع التموينية، لتمتد لتخصيص أنفاق لنقل مواد البناء، والماشية وتهريب قطع الغيار الدقيقة للإلكترونيات وأحدث أجهزة الاتصالات الحديثة، والمركبات والآليات بمختلف أشكالها وأنواعها.

واتسع نطاق عمل الأنفاق ليشمل إدخال الحيوانات البرية؛ حيث افتتحت في القطاع بفضلها العديد من حدائق الحيوان “الصغيرة”، التي تضم حيوانات مفترسة كالأسود والنمور والضباع، وغيرها من القرود والنسانيس والنعام.

ولم يعد الفلسطينيون يعتمدون على الأدوات البدائية والبسيطة لحفر الأنفاق، بل لجئوا للتقنيات الحديثة والمعدات الآلية ليصبح احتمال انهيار النفق بسيط، وعمره أطول، وسرعة إنجازه، بحيث لا يتجاوز الثلاثة أشهر.

وأصبح لحفر النفق مصممون يرسمون خرائط للنفق، وحفارون متخصصون، ومهندسون يشرفون على عمليات الحفر ويقومون بإصلاح ما يتم هدمه من أنفاق وتطويرها بزيادة عدد فتحاتها. 

ولم يقتصر التهريب على البضائع، فمع إغلاق معبر رفح، المنفذ الوحيد بين قطاع غزة والعالم الخارجي، أصبحت تستخدم الأنفاق لتهريب الفلسطينيين من خارج فلسطين والمغتربين الذين يودون العودة.

وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية كانت الأنفاق تتعرض لقصف دائم من قبل الطائرات الإسرائيلية فما من عدوان يشن على غزة إلا وتكون الأنفاق عنوانه الأول، وفي الحربين الأخيرتين على القطاع (2011-2014)، أجهز الطيران الإسرائيلي على أكثر من 50% من الأنفاق .

وما إن تهدأ النيران الإسرائيلية حتى يبدأ على الفور العديد من أصحاب الأنفاق المدمرة عمليات صيانة أنفاقهم.

ولم يفلح الجدار الفولاذي، أو الجدار المصري العازل الذي تم تشييده في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وبدأ تنفيذه في عام 2009 من إنهاء ظاهرة الأنفاق.

وتم بناء الجدار تحت الأرض من الحديد الفولاذي على طول حدود مصر مع قطاع غزة ويمتد لـ11 كيلومترًا وبعمق نحو 20 مترًا تحت الأرض، وهو مصنوع من فولاذ فائق القوة لا يمكن اختراقه.

غير أن حفاري الأنفاق تمكنوا من اختراقه باستخدام آلات حرارية فائقة القوة لإحداث ثقوب في الجدار الفولاذي. وبعد ثورة 25 يناير في مصر تم إيقاف العمل في بناء هذا الجدار، وشهدت الأنفاق بعد الثورة ازدهارًا كبيرًا وواسعًا.

ومنذ أحداث 3 يوليو 2013 وما أعقب ذلك من هجمات استهدفت مقارَّ أمنية في شبه جزيرة سيناء المتاخمة للحدود مع قطاع غزة، شددت السلطات المصرية من إجراءاتها الأمنية على حدودها البرية والبحرية مع القطاع؛ حيث طالت تلك الإجراءات حركة الأنفاق.

وأعلن المتحدث باسم الجيش المصري، العميد محمد سمير، في حوار مع صحيفة “الأهرام” -القريبة من النظام الحاكم والمعبرة عن توجهاته- بتاريخ 25 مايو الماضي، عن أن الجيش دمر 521 فتحة نفق على الشريط الحدودي (مع غزة) بشمال سيناء، خلال 6 أشهر.

وأضاف أن “الهيئة الهندسية (إحدى أجهزة الجيش المصري) تعمل على وضع حل هندسي سيكون من شأنه القضاء نهائيًا على ظاهرة الأنفاق”.

ومنذ أكتوبر الماضي، تعمل السلطات المصرية على إنشاء منطقة خالية من الأنفاق في الشريط الحدودي مع قطاع غزة، وتحديدًا في مدينة رفح، تبلغ مساحتها 2 كيلومتر من أجل “مكافحة الإرهاب” كما تقول السلطات المصرية.

وباشرت آليات تابعة للجيش المصري، مطلع الشهر الجاري، بمد أنابيب مياه عملاقة على طول الحدود مع غزة في محاولة للقضاء على “أنفاق التهريب” المنتشرة أسفل الحدود المصرية مع القطاع، عن طريق إغراقها بمياه البحر.

وقال مصدر أمني فلسطيني، لوكالة الأناضول في تصريح سابق في 2 سبتمبر الجاري: إن “آليات تابعة للجيش المصري مددت أنابيب مياه عملاقة يصل قطرها إلى (60 سم) داخل خندق ضيق يمتد على طول الحدود المصرية مع قطاع غزة”.

وأوضح المصدر الأمني، الذي رفض الكشف عن هويته، أن “الهدف من تمديد الأنابيب العملاقة، تدمير أنفاق التهريب المنتشرة أسفل الحدود، دون الحاجة لاكتشاف مواقعها، عبر إغراقها بمياه البحر الأبيض المتوسط”.

وحول آلية تدمير الأنفاق ذكر أن الجيش المصري “سيضخ كميات هائلة من مياه البحر المتوسط داخل هذه الأنابيب التي يضم كل واحد منها مئات الثقوب؛ مما سيؤدي إلى تفكك التربة الرملية، لتصل المياه إلى داخل الأنفاق التي ستنهار بشكل سريع”.

وانهار عدد من الأنفاق أسفل الحدود بين قطاع غزة ومصر بشكل جزئي، بعد تدفق إليها المياه التي بدأ الجيش المصري بضخها، فجر أمس الجمعة، بكميات كبيرة في أنابيب عملاقة مددها سابقًا على طول الحدود.

وقال أصحاب أنفاق فلسطينيون، لوكالة الأناضول: إن “المياه التي ضخها الجيش المصري تسببت في غمر عدد كبير من الأنفاق على الحدود مع مصر؛ ما أدى لحدوث انهيارات جزئية في عدد من الأنفاق”.

وحاول العمال في بعض أنفاق التهريب تجنب إغراق المياه التي ضخها الجيش المصري، لأنفاقهم من خلال نزحها باستخدام مضخات صغيرة ومتوسطة، ولكنهم فشلوا في ذلك بسبب كميات المياه الكبيرة التي تدفقت داخلها، ولم تعقب السلطات المصرية حول هذا الأمر.

وسبق لسلطة المياه الفلسطينية في قطاع غزة (حكومية) أن حذرت من أن حفر السلطات المصرية لقناة مائية على الحدود مع القطاع، يشكل “تهديدًا خطيرًا على الأمن القومي المائي للمصريين والفلسطينيين على حدٍ سواء، لاشتراكهم في الخزان الجوفي ذاته”.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023