لم تفهم السيدة جيهان صفوت رؤوف (المعروفة بجيهان السادات) أن قبولها بأن تتراقص بين أحضان الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر لا يمثل فقط إحراجًا لرئيس مصري وصف نفسه يومًا بأنه “الرئيس المؤمن”، ولكنه يصدم ملايين العرب والمسلمين، خاصة هؤلاء الذين عبروا قناة السويس يوم السادس من أكتوبر رافعين شعار “الله أكبر”.
لم تعرف السيدة جيهان أنها لخصت اتفاقية كامب ديفيد، لكل من لم يتح له فرصة قراءتها قبل التوقيع عليها، بهذه الرقصة ببراعة واقتدار، واختصرتها اختصارًا غير مخل بالمعنى (وإن كان مخلًا بكل القيم والآداب)!
في مقابلة مع الإعلامية منى الشاذلي -التي ينتشر كلام كثير عن علاقتها بالمخابرات- تم عرض لقطات للسيدة جيهان، وسئلت عن الشخص الذي كانت تتراقص معه، وأنه ليس جيمي كارتر؟؟ فقالت إنه فورد (تقصد الرئيس الأميركي الأسبق جيرالد فورد) لكن كارتر أيضًا “أخدني لفة”!
ورغم أن تعبيرها لم يكن موفقًا للغاية، فكلنا يعلم أن “اللفة” تعبير يقال “للدراجة”، وليس لزوجة رئيس عربي ومسلم، تمثل مصر أمام العالم، إلا أنه بتدقيق النظر في اللقطات المعروضة، فقد كان الرئيس المؤمن منهمكًا في الرقص بشدة مع واحدة “بتاخده لفة” هو الآخر!
هذه اللقطات شديدة البعد عن “أخلاق القرية” التي نادى السادات بالعودة إليها، وأكيد محظورة بحكم “قانون العيب” الذي أراد أن يقره في نهاية عهده! لكن الأهم أنها تهدر دماء آلاف الضباط والجنود الذين استشهدوا في قتال العدو الصهيوني الذي يبدو أن الجيش المصري يرى أنه لم يعد عدوًا!
ليس من حق القادة الحاليين في الجيش المصري الاحتفال بنصر أكتوبر، والأسباب كثيرة! أولًا لأنهم انقلبوا على القادة الحقيقيين للحرب وعلى رأسهم الفريق الركن سعد الدين الشاذلي الذي أبعده السادات وحبسه مبارك!
ثانيًا: لأن الانتصار العسكري تم الانقضاض عليه بالثغرة وحصار للجيش الثالث والتهديد باقتحام القاهرة (تسمى مفاوضات فض الاشتباك بمفاوضات “الكيلو 101″، على بعد 100 كم فقط من القاهرة!!) كل هذا بسبب تجاهل توجيهات الشاذلي رحمه الله.
ثالثًا: لأن العدو أخذ منا وقت النصر ما عجز عن أخذه منا وقت الهزيمة! فبعد هزيمة يونيو المذلة، والتي كان أهم أسبابها تغول الجيش في الحياة السياسية والاقتصادية كما يحدث الآن، رفع المصريون شعار اللاءات الثلاثة (لا للصلح، لا للمفاوضات، لا للاعتراف).
بينما حرب أكتوبر انتهت، وبكل أسف، برئيس يتراقص في البيت الأبيض ويترك زوجته لكارتر وفورد، هذا يقبلها وهذا يأخذ لفة! وزيارة أخرى للسفاح مناحم بيجين إلى القاهرة ليأخذ نصيبه هو الآخر، ويقبل السيدة جيهان، حتى لا يقال إن كارتر أفضل منه!
الآن تحولت عقيدة الجيش المصري من محاربة إسرائيل إلى محاربة الإرهاب، وقام الجيش بتهجير أهل سيناء تقربًا لعيون إسرائيل!
فخراطيم المياه التي كانت تفتت خط بارليف في سيناء، صارت بعد أربعة عقود تضخ المياه على حدود قطاع غزة الذي كان يومًا ما جزءًا من مصر، لإغراق الأنفاق التي تهرب أساسيات الحياة من غذاء ودواء إلى أهل القطاع، مع بعض السلاح الذي أكد رئيس المخابرات الأميركية أنه يُنقل من سيناء إلى القطاع وليس العكس!
جاء اليوم الذي تحاول فيه مصر إغراق غزة بدلًا من معاونتها على الوقوف في وجه محاولات تقسيم المسجد الأقصى وتهويد القدس!
ذهب رجال أكتوبر، وأتى رجال كامب ديفيد، حتى جاء على رأس السلطة الجنرال السيسي، الذي تخرج في الكلية الحربية بعد الحرب بسنوات، وصرح أكثر من مرة أنه يحترم اتفاقية كامب ديفيد منذ اليوم الأول الذي وقعت فيه، وأن سماح إسرائيل بدخول قوات من الجيش إلى سيناء دليل على زوال حالة العداء بين مصر وإسرائيل!
ليس هذا فحسب، فقد دعا السيسي إلى توسيع اتفاقية “السلام” مع إسرائيل لتشمل عدة دول عربية أخرى، الأمر الذي قوبل في تل أبيب بفرح شديد، وقام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإصدار بيان يرحب بذلك!
لقد أتى السيسي إلى الحكم عبر انقلابه العسكري الدموي ليحدث انقلابًا أشد خطورة في القيم والمفاهيم!
فالمراد لم يكن قط إزاحة رئيس منتخب والوصول للسلطة، بينما المراد كان نزع الدين عن سلوك الفرد والمجتمع، بحيث يصبح التعري حرية شخصية، والإلحاد وجهة نظر!! أتى السيسي كي تصبح المقاومة إرهابًا وإسرائيل دولة صديقة، وسط حملات دعاية مضللة تتبجح وتتفاخر بأمجاد لم يصنعوها، وانتصارات لم يحققوها، ضد عدو لم يعتبروه يومًا من الأعداء!
فبأي وجه يحتفل هؤلاء؟؟