عندما يخلو بيان شيخ الأزهر، لمناسبة بدء العام الهجري الجديد، من كلمة واحدة عن المسجد الأقصى الذي يهينه الإسرائيليون، حكاماً ومستوطنين، كل يوم، بل كل ساعة، يمكنك أن تحدد أين تقف مصر الآن، من الصراع.
وعندما تعرف أن الجامعة الوحيدة في مصر التي تمكّن الطلاب فيها من تنظيم فعالية أحرقوا فيها علم العدو الإسرائيلي هي الجامعة الأميركية في القاهرة، تستطيع أن تدرك أن كاتب “جيروزاليم بوست” الصهيونية لم يحلق في الخيال، وهو يقول إن “عبد الفتاح السيسي هو هبة مصر لدولة إسرائيل”.
لم يعد أحد داخل النظام المصري، بإعلامه ومثقفيه، يخجل وهو يروج المنطق الصهيوني، ويتبنى الرؤية الإسرائيلية لشكل العلاقات في المنطقة، لتتراجع قضية فلسطين إلى مناطق مُعتمة في جدول الأولويات والاهتمامات، ويصبح الجهد كله منصباً على صرف الناس عن التفاعل مع انتفاضة ثالثة في القدس والضفة، على مستويين، الأول: إشعال أكبر كمية ممكنة من حرائق الكلام والثرثرة الإعلامية، أهلي وزمالك، وسبكي وانتصار، وخبراء استراتيجيون في أزياء مهرّجي السيرك.. والمستوى الثاني، تكثيف الجهود والضغوط الرسمية لخنق الغضب الفلسطيني، والحيلولة دون تشكّل جنين الانتفاضة الشاملة. وفي هذا، لا يتورع الحلف الثلاثي “نتنياهو- السيسي- عباس” عن التنسيق الحثيث، بغية تفويت الفرصة على “الأشرار” الذين يمارسون الغضب من أجل الأقصى، وضد الانتهاكات الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني، بالتركيز على الفصل بين فلسطينيي غزة، وفلسطينيي الضفة والقدس.
كانت أهم ثمار العدوان الإسرائيلي على غزة في صيف 2014 ما عبرت عنه صحيفة “معاريف” الصهيونية بالقول إن “أهم نتيجة للحرب على حماس هو تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع مصر”. ولا بأس هنا من التذكير بحديث رئيس الوزراء الصهيوني، مجرم الحرب، بنيامين نتنياهو، عن “حلف إقليمي جديد” يجمع إسرائيل ودولاً عربية باتت تُعرف بأنها “معسكر الاعتدال” كأفضل تعبير عن واقع عربي كارثي، وصفته وقتها بأنه “استسلم مثل الشاة للذبح، للمنطق الصهيوني، فصار المتحكمون فيه يصغون للرؤية الإسرائيلية للمنطقة، ويثغون بالعبرية مرددين مقولاتها، فالكل يردد خلف قائد الأوركسترا الصهيوني “أناشيد” الحرب على الإرهاب، الذي هو هنا كل أشكال المقاومة العربية للمشروع الصهيوني لإعادة رسم خرائط المنطقة (سايكس بيكو الجديدة) حسب نتنياهو”.
هم يدركون أن انتفاضة ثالثة في فلسطين المحتلة لا تشكل خطراً على الاحتلال الصهيوني فقط، بل تمتد لتشمل العواصم العربية المتحالفة مع إسرائيل، كون الانتفاضة تأتي، هذه المرة، نضالاً شعبياً خالصاً من أجل الكرامة الإنسانية المهدرة في ظل الاحتلال، كما هي مهدرة في ظل الأنظمة العربية التي تدين ببقائها في الحكم للدعم السياسي الهائل القادم من تل أبيب.
انتفاضة بهذه القيم وهذا الشكل العفوي البسيط الذي يمارس الإبداع بنصل السكين، كما أبدع بالحجر، هي، على نحو من الأنحاء، تُعد تجلياً آخر للقيم والمعاني التي شكلت جوهر ثورات الربيع العربي، ومن ثم يبدو الحرص على قطع دابرها، من حكام عرب، أكبر من حرص جنرالات العدو الصهيوني.