شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

العزوف الانتخابي.. الدوافع والدلالات

العزوف الانتخابي.. الدوافع والدلالات
انتهت المرحلة الأولى من إنتخابات مجلس النواب فى الخارج والداخل، وكانت نسبة المشاركة فى تلك الإنتخابات مفأجاة للجميع فلم تتجاوز 20% وفقا للتقارير شبه الرسمية ولم تُرصد أى تجاوزات فى تلك المرحلة نظرا لعدم وجود ناخبين.

انتهت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب في الخارج والداخل، وكانت نسبة المشاركة في تلك الانتخابات مفأجاة للجميع فلم تتجاوز 20% وفقا للتقارير شبه الرسمية ولم تُرصد أي تجاوزات في تلك المرحلة نظرا لعدم وجود ناخبين، فمن المعلوم أن أكبر عملية مشاركة تكون في انتخابات مجلس النواب، وهذا ما سجلته الإحصائيات وآخرها كانت انتخابات مجلس الشعب 2012حيث وصلت نسبة المشاركة إلى 63% ممن يحق لهم التصويت، ولم يشارك في الانتخابات الحالية إلا كبار السن، وقد حضرت مؤسسات الدولة بكامل هيئاتها من جيش وشرطة وقضاة وإداريين ولكن تخلف الشعب وهو اللاعب الرئيسي في تلك الانتخابات.

رسالة العزوف عن الانتخابات لم تكن الأولى فقد سبقتها بأيام جموح الأطباء في إنتخابات نقابتهم وكانت نسبة المشاركة لا تتجاوز 6%، وقبل بداية تلك الانتخابات بساعات كانت إنتخابات نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة وكانت نسبة المشاركة لا تتجاوز 1%، فنحن إذن أمام حالة من عزوف المواطنين عن المشاركة في أي انتخابات تتم في الوقت الحالي.

عزوف الناخبين هذه المرة عن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات كان له دوافع وأسباب وخلفيات تمثلت في يأس وإحباط وخيبة أمل أصابت المجتمع المصري بسبب سياسات النظام القائمة على الإقصاء والتخوين واحتكار الوطنية، وتمثلت في إصدار المئات من القوانين المقيدة للحريات، فضلا عن إنتشار الفساد في الدولاب الحكومي للدولة حتى وصل ذروته – قضية وزير الزراعة – والتصريحات الاستفزازية التي تخرج من الحكومة -زيادة أسعار الوقود أمر ضروري، وأن أموال المعاشات لا يجب أن تتحملها الحكومة، نهيك بالمشروعات القومية والتي ما لبثت أن صارت فنكوش (مليون وحدة سكنية – المؤتمر الاقتصادي – تفريعة قناة السوييس – استصلاح أربعة ملايين فدان – العاصمة الجديدة).

كما أدت القوانين المنظمة للعملية الانتخابية إلى عزوف الناخبين فلا يوجد نظام سياسي بالعالم يتعامل بالقائمة المغلقة المطلقة، كما أن تلك القوانيين تحمل في ثناياها عوار دستوري نظراً لمخالفتها دستور 2014، فضلا عن عدم معرفة الناس بعدد الأعضاء الواجب انتخابهم نظراً لاختلاف العدد من دائرة لأخرى، فهناك دوائر لها مقعد واحد وأخرى لها مقعدان أو ثلاثة أو أربعة مقاعد، كما أن التهديد الدائم بحل هذا المجلس -وتم ترجمة ذلك بتعديل قانون المحكمة الدستورية بعدم إلزامها بمدة زمنية محددة للنظر في القوانين المتعلقة بالانتخابات- جعل المواطنين يشعرون بأن أصواتهم لا قيمة لها، ومن ثم فلا داعي لتكرار سيناريو 2012 بالوقوف ساعات ثم بجرة قلم من قاضي المحكمة الدستورية ينتهي هذا المجلس وتذهب أصوات الشعب في مهب الريح.

سيطرة الأجهزة السيادية على العملية الانتخابية بأكملها، وقد تم بلورة ذلك في اختيار المرشحين بعناية بعد توقيع الكشف الأمني عليهم، ومن لم ترض عنه الأجهزة الأمنية لا بد أن يخرج من العملية الانتخابية إما بالطعن على ترشحه أو بتهديده -قائمة صحوة مصر- أو بالقبض عليه في قضية رأي عام والإفراج عنه عقب غلق باب الترشيح، وهو ما أدى في النهاية إلى تكوين قائمة يتزعمها أحد أبناء تلك الأجهزة، وقد فطن الشعب إلى نوعية المرشحين واكتشف أنهم لا ينتمون إلا إلى فصيل واحد ألا وهو أبناء الدولة العميقة والتى تؤمن بأن 25 يناير مؤامرة و30يونيه ثورة، وأن الوقوف بجانب الرئيس واجب وطنى وأن تعديل الدستور فريضة تشريعية لحماية الرئيس ، فكان لذلك الأثر البالغ فى نفوس المواطنين بالقيام بالعصيان الإنتخابى. لاتوجد قرية أو حى بمصر إلا وبها- شاب أو فتاة – معتقل أو مطارد أو شهيد أو مصاب، فهناك خمسون ألف معتقل بالسجون أبرزهم برلمانيون سابقون، ومئات الشهداء الذين قتلوا بدم بارد إما فى أحد المذابح أو بالتصفية أو بالإهمال الطبى داخل السجون ، ومن ثم فالواجب الوطنى والعرف السائد يحتم على أهالى القرى وقاطنى الأحياء عدم المشاركة فى عملية سياسية تضفى على هذا النظام – الذى اعتقل واصاب وقتل شباب الوطن- أى شرعية ، بل إن تعرية هذه السلطة وفضحها أمام العالم هو ما يجب أن يكون .

ألقى السيسي خطاباً عشية الإنتخابات يحث فيه المواطنين عامة والشباب والمرأة خاصة على المشاركة فى هذا الإستحقاق، ولكن دعوة السيسي لم تلقى رواجاً وفقا لما ذكرناه من أسباب، ولكن هذا العزوف صاحبه العديد من الدلالات :

أولها : أن الشعب المصرى مازال وسيظل يتمتع بوعى وإدراك شديدين، وبالتالى فهو غير راضٍ عن سياسات هذا النظام، وأن خطى هذا النظام تشبه خطى نظام مبارك قبل 2005 والتى إن استمرت سوف تؤدى الى إضطرابات إجتماعية بسبب تلك السياسات الخاطئة.

ثانيها: إنعدام المنافسة نظراً لغياب أهم القوى السياسية ألا وهى جماعة الإخوان المسلمين، والتى لديها القدرة على الحشد فى أى إستحقاق إنتخابى سواء كان نقابى أو مهنى أو طلابى أو برلمانى أو رئاسى، فجميع الإستحقاقات الإنتخابية التى شاركت فيها تلك الجماعة كانت نسبة المشاركة عالية.

ثالثها: الإعلام المصرى فى حاجة إلى تقييم نفسه حتى يكون له دور غير المرسوم له من قبل الأجهزة السيادية، وإن لم يسعى قيادات الإعلام المصرى ورموزه إلى ذلك فإنه سيكتب بنفسه شهادة وفاته .

وأخيراً: تلك المقاطعة تمثل فرصة سانحة لكل أطياف المجتمع المصرى للعودة من جديد نحو اصطفاف وطنى شامل للوقوف يد واحدة ضد الديكتاتورية والإستبداد لكى تمهد الطريق إلى موجة ثورية جديدة يكون من خلالها إعلان الشعب بأن هذا النظام غير صالح لقيادة الوطن.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023