بقلم سيلين سارى
إن من نعم الله تعالى على عباده نعمة الأمن، والأمن مشتق من الإيمان ، وهما مترابطان، قال الله -تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) والأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف، قال رسول الله : (من بات آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها) فالخوف أشد أعداء بني أدم فالخوف كالحب كلاهما يملك طاقة إخضاعيه للناس تجعلهم يصدقون كل شيء وأي شيء لكن الخوف سطوته أقوى وأشد
فكل الناس لديهم درجة ما من درجات الخوف.. الخوف من المجهول.. الخوف من الفشل.. الخوف من الألم وكلما زاد الخوف فقدنا صفات إنسانية رائعة.. مثل الجرأة.. الإقدام.. الحب.
وقد يتحول الخوف إلى ثقافة مجتمع اذا ما تقابل مع مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فينتشر ويصبح مكونًا أساسيًا من مكونات الحياة والمجتمع
وللخوف أنواعا كثيرة ولكن أخطرها هو (الخوف السياسي).. الخوف من سلطة الاستبداد واستبداد السلطة.. الخوف من البطش والإقصاء والملاحقة والتنكيل والقتل.. حيث يغدو الفرد بهذا المجتمع فاقدًا للكرامة والشخصية.. لا يشعر إلا بالخواء والخيبة والظلم.. وفي هذه الأجواء المعتمة يتناسل الوشاة والمخبرون بكثرة..
ويتحول الحاكم إلى (أسير) لإرادة التسلط والاستبداد التي يظن أنها تحميه.. فسر البعض ذلك بأن قوة الحاكم المستبد ما هي إلا (نتاج ضعفه) وشهواته وخيبته الكبيرة ورغباته الحقيرة في الهيمنة والسيطرة..
و انتشار الخوف كثقافة وفعل يؤدى تلقائيًا إلى ضعف (ثقافة) الحرية والحق والنزاهة.. وينعكس ذلك على أهم ما تقوم به الشعوب و تميزها وهي (الأخلاق)..فالخاسر الأكبر من انتشار ثقافة الخوف هو الأخلاق.. وخسارتها تكون ذات أثر مروع وخطير على نسيج المجتمع كله. فالأخلاق هي صمام أمان لوجود المجتمع وبقائه
وليس أدل على هذا من قول شوقي: (إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ** فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا) وكما أن الأخلاق مرتبطة بالمجتمع فالارتباط الأكثر قوة ارتباطها بالدين قال صل الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) وهناك مقولة أبن القيم (إنما الدين الخلق.. فمن زاد عنك في الخلق زاد عنك في الدين، ومن نقص عنك في الخلق نقص عنك في الدين).
وهكذا نجد أن الدين يرتبط بشكل وثيق بالأخلاق والمجتمع رغم انف الكارهين الذين ينادون بكل ما يملكون من قوة بفصل الدين عن مناحي الحياة وأن يقتصر على المساجد والصدور ولكن مهما حاولوا فلن يجدوا إلا الفشل ينتظرهم بنهاية الطريق
لان هذا الدين جاء لتسير به الحياة لا أن يسجن خلف قضبان الصدور فكلما قوي الدين واشتد زادت الأخلاق صلابة وثبات وكلما ثبتت الأخلاق وقويت ضعف الخوف وتلاشى أنها منظومه لا انفصام لها قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد.. وينكر الفم طعم الماء من سقم.. لكنه في نهاية الأمر لن يصح إلا الصحيح.. وهو أن الدين لا يمنح الأخلاق مددًا وثراء فقط.. ولكنه يمنحها عمقًا وصلابة وثباتًا
الخوف الساسي وفزاعة إرهاب الشعوب ذاك النوع من الخوف لم يعد مقتصرًا على الحكومات (الاستبدادية) التقليدية.. بل يحدث من جميع الحكومات حتى الديمقراطية منها حيث أنه لا يمكن للطغاة نشر الخوف في صفوف الجماهير دون تجسيد هذا الخوف وذلك في صورة أعداء داخليين وخارجيين، فعندما يخاف الناس فإنهم يكونون أكثر استعدادًا لقبول إجراءات تنتقص من (حرياتهم الشخصية)، بل حتى من مقومات (حياتهم الأساسية مقابل الإحساس بالأمان )
وهي احدى الاستراتيجيات العشر للسيطرة على الشعوب استراتيجية ابتكر المشاكل … ثم قدّم الحلول: هذه الطريقة تسمّى أيضا “المشكل – ردّة الفعل – الحل”. في البداية نبتكر مشكلا أو “موقفا” متوقــَعا لنثير ردّة فعل معيّنة من قبل الشعب، و حتى يطالب هذا الأخير بالإجراءات التي نريده أن يقبل بها. مثلا: ترك العنف الحضري يتنامى، أو تنظيم تفجيرات دامية، حتى يطالب الشعب بقوانين أمنية على حساب حرّيته، أو: ابتكار أزمة مالية حتى يتمّ تقبّل التراجع على مستوى الحقوق الاجتماعية وتردّي الخدمات العمومية كشرّ لا بدّ منه
نعم يا سادة إنها الخطة القديمة الجديدة (خلق تهديد مرعب وغير مفهوم بشكل كبير)، خطر الإرهاب – المؤامرات الخارجية – الأمن القومي.. تذكر دائمًا الحقيقة السابقة: (الناس لديهم الاستعداد للتضحية بقدر كبير من حريتهم إذا شعروا أنهم في خطر حقيقي، بل الأنكى هو حجم استعدادهم لتقبل الممارسات الدموية للسلطة ما دامت تتم في حق غيرهم).. وضع ألف خط تحت “تتم في حق غيرهم” وليست (مذبحة رابعه ببعيدة)
نتحدث أيضًا عن (القمع خارج دائرة القانون) جميع الأنظمة الاستبدادية لديها شبكة سرية من السجون تمارس من خلالها أنشطة غير مشروعة، أشهرها التعذيب لأجل انتزاع المعلومات، وهو ما يفضي كثيرًا إلى القتل وأحيانًا الإعدام الجماعي، وأحيانًا اغتصاب النساء الذي اشتهرت به الديكتاتورية العسكرية (وهذا ما نراه ونسمع به يوميا الأن)
تلك الأنظمة لا تكتفي بنشر الخوف عبر الأجهزة الأمنية الرسمية والسرية، لكنها غالبًا ما تشكل مجموعات شبه عسكرية (المواطنين الشرفاء) لترويع مواطنيها فتقوم تلك المجموعات بالتجسس والإبلاغ عن المواطنين أما عن الأسباب فهي جاهزة دومًا وتتعلق بدواعي الأمن القومي والحفاظ على سلامة المواطنين.
ففي جمهوريات الخوف تسيطر الحكومات الفاشية الاستبدادية على المؤسسات الدينية و التعليمية والأحزاب والجماعات وهذا سيناريو هام جدا لأنها قد تحتاج في وقت ما لمن يدعو الناس إلى (السلام)، باعتباره فضيلة كبرى وفي وقت آخر قد تكون (الحرب) هي الفضيلة.. لا أحد بإمكانه أن ينشر الخوف لدى الجماهير كرجال الدين، وقد ظهر هذا السيناريو جليا فيما شهدته الجامعات في مصر في الخمسينيات والستينيات.. وهى إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية ومؤسسات الخدمة المدنية بإصدار قوانين تتوافق مع توجهات السلطة، حتى يشعر الجميع أنهم يدينون إلى السلطة أكثر من أي شيء آخر، لأنها تملك إبقاءهم في مناصبهم أو ترقيتهم أو استبعادهم بشكل كامل أو حتى إيداعهم في السجون.(وهذا أيضا ما يحدث الأن من خلال قوانين التعين الجديد بالجامعات وانتهاك الحرم الجامعي واعتقال أعداد كبيرة من أساتذة الجامعات)
فتلك الحكومات لا تستطيع أن تسيطر على الناس دون أن تحكم قبضتها على من يلقى العلم في عقولهم ومن يعلمهم دينهم لا حصانة لأحد.. الجميع مستهدف.. تحت دعوى مقتضيات الأمن القومي ومحاربة الإرهاب فالخيانة والعمالة و الإرهاب تهم فضفاضة جاهزة لكل صاحب رأي مطالب بالحقوق والحريات قد يسمحوا بمساحة لرأى معارض بشرط أن يكون مدجنا وتحت السيطرة (فالحقيقة) هي العدو الأول .
لا شيء يصف ما وصلنا له مثل ذاك البيت لأبو العلاء المعرى): تلوا باطلاً وجلوا صارمًا ** وقالوا صدقنا قلنا نعم..
و(نعم) تجلب النعم ..نعم هنا ليست لفظ من ثلاثة احرف للموافقة والخنوع … نعم هنا هي ذل الدهر كله.. جيلاً من بعد جيل..