شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

“الأرابيسك والزجاج المعشق والسجاد اليدوي”.. حرف بدأت بالاندثار

“الأرابيسك والزجاج المعشق والسجاد اليدوي”.. حرف بدأت بالاندثار
توجد العديد من الشواهد على حرفية وعظمة "يد" المصري في إنتاج الحرف المميزة، والتي يأتي إليها الأفراد من كل أنحاء العالم، لتعلم طريقتها واقتناءها كذكرى جميلة من البلد الذي يحتضن مثل هذه الحرف الفنية، التي

توجد العديد من الشواهد على حرفية وعظمة “يد” المصري في إنتاج الحرف المميزة، والتي يأتي إليها الأفراد من كل أنحاء العالم، لتعلم طريقتها واقتناءها كذكرى جميلة من البلد الذي يحتضن مثل هذه الحرف الفنية، التي قلما تجدها بالدول الأخرى.

ومن الحرف التي ازدهرت ماضيًا، وبدأت في الاندثار تدريجيًّا، كأي حرفة أو صناعة لا تجد عناية أو اهتمام من المسؤولين، صناعات “الأرابيسك، والزجاج المعشق، والأثاث المصنوع من الخيزران، والسجاد المصنع يدويا”.

وتلقي “رصد” في هذا التقرير الضوء على هذه الحرف وبدايتها وما آلت إليه حاليًّا بالفقرات التالية:

الأرابيسك

تأتي صناعة “الأرابيسك” على رأس الحرف التي تميز بها العصر الإسلامي، حتى إنها انعكست على العديد من الحضارات، وتمت الاستعانة بها للاستدلال على وجود حضارة مصرية بمنطقة وجودها أو صناعتها، وخلد اسمها بعمل فني تليفزيوني “أرابيسك” أيضًا.

ويعود فن “الأرابيسك” لعصر الحضارة الإسلامية، أي إلى أكثر من ألف عام، واستعان العثمانيون فيما بعد ذلك بالفنانين المصريين لنقل هذا الفن لبلادهم.

ويعد فن “الأرابيسك” من أشهر الفنون الزخرفية، والتي تتم على الأخشاب ويتم حفرها ونحتها بأشكال مختلفة، أشهرها أشكال “هندسية”، وتركيبها ملاصقة لبعض، لتخرج إلينا تحف في غاية الروعة شكلاً وتصنيعًا؛ حيث تسمح قطع الأرابيسك برؤية ما بخارجه ولا تسمح برؤية ما بداخله للحفاظ على خصوصية المكان، كذلك يعطى إضاءة خافتة غاية في الجمال عندما يتخللها ضوء الشمس، وتجذب أصحاب الذوق الرفيع، ويأتي إليها سائحون من مختلف الجنسيات لمشاهدتها وشرائها.

ومن أهم المناطق التي تشتهر بصناعة الأرابيسك بمصر، منطقة “خان الخليلي”، وانتشرت الصناعة في الماضي، حتى وصلت إلى أوج ازدهارها وانتشرت للعديد من الدول العربية، ولكنها منذ عام 2000 بدأت تعانى من حالات تدهور كبيرة؛ حيث استمرت تلك الحالة بالتدريج حتى يومنا، ووصلت عدد الورش المتخصصة بالصناعة لنحو 15 ورشة من إجمالي 80 ورشة بالماضي، هذا دون أدنى التفات من الحكومة أو المسئولين بوزارة الصناعة.

وتعد كل من تركيا وسوريا من الدول المنافسة لمصر في فن الأرابيسك، وبعد ما آلت إليه الأوضاع في سوريا أصبحت تركيا المنافس الوحيد وتحاول استقطاب العاملين المصريين للاستفادة منهم، مما يهدد بشكل مباشر صناعة الأرابيسك المصرية الأصل، فعبقرية الصناعة تكمن بمهارة الأيدي وحرفتها، وإذا تم الاستعانة بالماكينات والآلات فقدت الصناعة رونقها التي تشتهر بها عالميًّا.

الزجاج المعشق

تأتى مصر على رأس الدول التي تتميز بها صناعه الزجاج المعشق، لما تحتويه الطبيعة هنا من اختلاف أنواع الزجاج، كزجاج الصودا والزجاج الرصاصي الكريستال، وزجاج الكوارتز.
تلك الخامات الطبيعيّة، التي عرف الحرفيّون المصريون أسرارها، وتوارثوا تصنيعها لابتكار ما تجود به مهاراتهم من مصابيح وزجاج ملوّن ومسطح للنجف أو النوافذ ومن أكواب مضلعة، وغيرها.

وتعود “صناعه الزجاج” في مصر إلى المصريين القدماء، منذ ما يناهز ألفي عام قبل الميلاد، وازدهرت هذه الصناعة بالخصوص في مدينه “الإسكندرية”.

ووصلت هذه الصناعة إلى حائط سد بوقتنا هذا؛ حيث طغت المصانع الكبيرة بآلاتها الحديثة، على الورش الحرفية الصغيرة، والتي عجزت عن مسايرة التطور، ولم يظل منها إلا من يحاول التمسك بتراث أجداده.

وبدأت الورش المتخصصة بهذه الصناعة في التراجع مع بداية الثمانينيات، مع بداية توسع المصانع، والاستغناء عن الحرفة اليدوية للمهنة، بدأ العاملون في تراجع كفاءتهم مع الهروب من التصميمات الصعبة وتركها للآلات، لما تأخذه من وقت وجهد دون تقدير مالي.

وتُعتبر مصر من أقدَم الدول التي شرعت في صناعة الزجاج مع سوريا والعراق؛ حيث يُعتبر الصُنَّاع الآسيويون من أول من أرسوا صناعة الزجاج، ومنهم انتقلت الصناعة إلى مصر؛ حيث ترجَع أوّل آنية زجاجية إلى حكم تحتمس الثالث (1504- 1450 قبل الميلاد).

يذكر أنّه خلال العصر الإسلامي ازدهرت صناعة الزجاج، ولا سيما الملوّن منه، في كلّ من القاهرة ودمشق، إلا أن هذا الازدهار تراجَع مع الحملات الصليبية واجتياح المغول للعالم الإسلامي، وبدأ انتقال هذه الصناعة آنذاك إلى الغرب بحسب مراجع تاريخية مُتطابقة.

ويؤثر بند ضعف الأجور للعاملين في الصناعة على انقراض هذه المهنة، خاصة مع عدم الاهتمام من الحكومة لإنقاذها؛ حيث لا تتناسب الأجور مع حجم الجهد المبذول، فضلاً عن أن العمالة يذهبوا لصناعات أخرى أقل جهدًا وأكثر ربحًا، ولم يتبقي للمهنة سوى “الصنّاع الحقيقيين” الذين يخدمون المهنة وفاء لمهنة آبائهم وأجدادهم بوصفها تراثًا وتاريخًا وذكرى لا ينبغي التفريط فيها مهما كان الثمن.

صناعه الأثاث من الخيزران

اكتشف البامبو أو الخيزران في الصين منذ أكثر من ألفي عام،‏ وكان يستخدم في العديد من الصناعات، مثل الورق وغيره، وتطور فيما بعد حتى يستخدم في صنع الأثاث‏.‏

وأنشا “سركيس مسروبيان” منذ 57 عامًا أول ورشة لصناعة أثاث البامبو في مصر‏، وتوارث أولاده وأحفاده هذه الحرفة وتوسعوا في صناعتها وما زال لهم العديد من الورش والمحلات وشاركهم العديد من المستثمرين في هذه الصناعة حتى انتشر أثاث البامبو في جميع أنحاء مصر‏.‏

وصناعة أثاث البامبو صناعة تتطلب دقة عالية وجهدًا كبيرًا؛ لأنها تصنع يدويا‏، وهناك عدة أنواع من البامبو مثل” المالكان والأكليس والفرنساوي وأمويل”؛ حيث تستخدم لعمل العديد من الأشكال مثل البامبو المجدول والبامبو المفرغ‏، وقد يدخل في صناعة الكرسي الواحد أكثر من نوع وشكل من أخشاب البامبو؛‏ مما يتطلب دقة عالية من العامل لإعطاء الكرسي شكلا مميزًا وجميلاً‏.‏

ويتم استيراد خشب البامبو من إندونيسيا وسنغافورة‏، إلا أن إندونيسيا التي تعد أكبر دولة لتصدير خشب البامبو، امتنعت عن تصدير خشب البامبو الخام وقررت تصنيعه محليًا وتصدير أثاث البامبو جاهزًا حتى تزيد الأرباح.

ويحتاج “البامبو او الخيزران” لعدة مراحل لاستخدامه في صناعة الأثاث مثل التعشيق والبرشمة والشق والقطع والتقشير والتجفيف على حرارة عالية وبخار‏، لذلك يحتاج إلى عمالة مدربة ودقة في العمل‏؛ الأمر غير المتوافر بشكل كبير يقضي الاحتياجات.

وينبت البامبو في بعض المناطق في مصر مثل القناطر وقليوب والشرقية‏،‏ ولكن النوع الذي ينمو في مصر سميك ويحتاج إلي معالجة خاصة ليصبح صالحًا للاستخدام في صناعة الأثاث‏.‏

وعلى الرغم من أن الإنتاج المحلي يكفي احتياجات السوق، فإنه لا يمكن التوسع لتصدير الأثاث الجاهز نظرًا لقلة الأيدي المدربة وعدم وجود مراكز تأهيل أيد عاملة للعمل في صناعة أثاث البامبو‏، هذا بالإضافة إلى أن العامل الذي يصبح مدربًا تدريبًا كاملاً يترك العمل بعد فترة ويفتح ورشة صغيرة وحده‏،‏ الأمر الذي يؤدي إلي ضرورة تدريب أيد عاملة أخرى‏,‏ وبالتالي يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرًا حتى يصبح مؤهلا للعمل بعد ذلك‏.

السجاد اليدوي

كانت مصر تحتل في الماضي المركز الثاني في التصنيع الخاص بالسجاد اليدوي على مستوى العالم، والآن ومع ظهور تكنولوجيا صناعة السجاد أصبح الجميع يعمل بالماكينة التي تنتج له أسرع من اليد، ولم يأخذوا في الاعتبار أن المهنة تندثر ويختفي معها المظهر الجميل للسجاد الفريد.

وتعد الواحات من أكثر المناطق المهددة باندثار صناعة السجاد اليدوي بها، بعد أن هجرها أصحابها بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج ومشاكل التسويق وانتشار البدائل الرخيصة من الموكيت والسجاد الصناعي؛ ما أدى إلى إصابتها بحالة من الركود.

ويتم توارث المهنة عن طريق الأجداد، ولم تلق الدولة أي ضوء على إنقاذ هذه المهنة “صغار الحرفيين”، سوى بعض المساعدات البسيطة والتي لم تستطع الوقوف أمام مشاكل التسويق الكثيرة، فضلاً عن انتشار البدائل الرخيصة من الموكيت والسجاد الصناعي، خاصة في ظل ضعف الإمكانيات وضعف التسويق.

بالإضافة إلى أن المهنة تشهد احتكارًا غير عادل من كبار التجار عن طريق شراء القطع المصنعة بأبخس الأثمان دون تقدير لأصحابها؛ ما أدى إلى هروب العمالة والأسر التي كانت تعمل بها إلى صناعات أخرى تأتي بعائد لا بأس به.

وقال الخبير الاقتصادي، فخري الفقي لـ”رصد” إن الحكومة إذا أولت اهتمامها للحرف التي تميزها تاريخيًّا وحرفيًّا، ستدرُّ دخلاً كبيرًا بالعملة الصعبة، خاصةً أن الدول الأجنبية والعربية أيضًا تقدر الحرف اليدوية والتي بذل بها مجهودًا كبيرًا، ويستدل بها على التراث قديمًا.

وأضاف أن الحرف بمصر، تندثر تدريجيًّا لأنها لا تجد اهتمامًا من الحكومة؛ حيث إنها إذا وجدت بعض من الاهتمام، ستعمل على تراجع البطالة بشكل كبير، وستجعل مصر تتميز بشيء دون الدول الأخرى، مشيرًا إلى أن الدولة عليها أن تخصص جزءًا من الموازنة العامة لإنقاذ الصناعات والحرف المندثرة بالتعاون مع أصحاب الخبرة في هذا المجال، والذين يستمرون في مهنهم دون وضع اعتبار للعائد المادي؛ فقط لأنهم يعشقون هذا المجال ولا يبرعون  في سواه.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023