شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

مستقبل الأمة.. وعي وجهاد

مستقبل الأمة.. وعي وجهاد
إن الدولة القُطرية التي رسمت معاهدة "سايكس بيكو" ملامحها، وأرست قواعدها، وصنعت حدودها وأنظمتها عقب إسقاط الخلافة، أضحت اليوم في الرمق الأخير، وستلفظ أنفاسها بين عشية وضحاها.

 

إن المتابع للأحداث المتسارعة في المنطقة والعالم لا يحتاج إلى كثير جهد ليتعرف على واقع الأمة، ويستشرف مستقبلها.

ولهذا المستقبل ملامح أسوق بعضها اليوم استشرافاً وليس افتئاتاً.. واستقراءً وليس افتراءً، فهي رؤية خاصة، وليست حتمية علمية.

إن الدولة القُطرية التي رسمت معاهدة “سايكس بيكو” ملامحها، وأرست قواعدها، وصنعت حدودها وأنظمتها عقب إسقاط الخلافة، أضحت اليوم في الرمق الأخير، وستلفظ أنفاسها بين عشية وضحاها.

فقد تهاوت مقومات تلك الدول، وتآكلت أركانها، وذهبت أيامها، ولم يعد يجدي معها الإصلاح.

لا يجدي إصلاح لمرتكزها العسكري فقد اتضح للجميع فساد معتقده، وأنه لم يكن يوماً لحماية الشعوب أو الحدود أو القيم.

لا جدوى من إصلاح مرتكزها القضائي، فقد انهارت أركانه، وبان للجميع عفنه وفساده.

ولا جدوى كذلك من إصلاح منظومتها السياسية، فقد أضحت أُلعوبة مفضوحة، وخدعة كبرى تم تسويقها عصوراً، واتضح للجميع أنها بالتعبير المصري (فنكوش)، وصارت الديمقراطية أكذوبة بلهاء يتلهى الأطفال بالضحك على سذاجة من عاشوا يناضلون من أجلها، وقضوا أعمارهم يحلمون بها!!

لا يجدي الإصلاح للمنظومة القيمية المتمثلة في المؤسسات الدينية والتعليمية، فقد اتسع خرقها على الراقع، وصارت تحت نعال الناس بعد أن كانت فوق رؤوسهم!!

نعم سقطت مقومات دولة “سايكس بيكو” في مصر، وليبيا، وسوريا، والعراق، واليمن، وتونس، والسودان.. وغيرها، بل دعني أقول: إن دول الخليج وللأسف الشديد ربما تكون أسرع انهياراً وتحللاً من غيرها.

وأعتقد أن الحالم بعودة تلك الدول إلى قواعدها سالمة مرة أخرى كمن يعتقد أن لاعباً بلغ التسعين يمكن أن يعود للملاعب ليحرز البطولات!!

 نعم ذهبت أركانها، وتهاوى بنيانها، وتفتت شعوبها، وغُيبت رموزها، فلا أمل في عودتها كما كانت، فقد ولى زمانها.

ذهبت الدولة القُطرية.. فأين تذهب الأمة؟ وماذا يفعل الغرب في لعبته التي انكسرت؟

بالنسبة للأمة التي عانت من طغيان أنظمتها ما لم تعانه ربما من عدوها الأصلي، والتي استيقظت لتفاجأ بأنها أمام أكبر كذبة في التاريخ، وأنها كانت في جوف الاحتلال يوم أن كانت تحتفل بأعياد الجلاء والاستقلال!!

أمامها اليوم فرصة بهذا الوعي أن تتوحد تحت رايتها الحقيقية، فقد ذهبت أيام من كانوا يحرصون على تفريقها، ويصطنعون الحروب لتفتيتها.. وفرصة لأن تعود لهويتها الحقيقية بعد أن سقطت أكاذيب القومية والعلمانية وغيرهما.. وفرصة لأن تعود لمعسكرها الأصيل بعد أن عاشت قروناً خادمة في معسكرات الشرق حيناً، ومعسكرات الغرب أحيانا.. وفرصة لأن تعود كأمة متكاملة، وليست مجرد حزب أو جماعة أو تيار.. وفرصة لأن يتصدر المشهد أهله ويختفي الأدعياء والبلهاء.

وقد أدركت قوى الشر في العالم حجم الخطر القادم، وأن المارد قد استيقظ في نفوس الجيل الجديد يوم أن رأى ألسنة النار تأكل أجساد الأطهار، وزخات المدافع تخترق عيون الأبرار، وتأكدت أن القوة الصلبة من شباب الأمة المجاهد، وشيوخ الأمة المخلصين هم العقبة الكئود أمام تنقيذ مخطط جديد، فكان لابد من التخلص منهم بكل الوسائل، فسلطوا عليهم من تبقى من كلاب حراستهم لينهشوا لحمهم، ويحرقوا أثرهم، وكان لابد كذلك من صنع مقصلة لاستنزاف طاقة الأمة المجاهدة في سوريا وغيرها، لتكون شرياناً ينزف الدم ليل نهار، ليقضوا على البنية التحتية لقواعد الجهاد في الأمة، حتى لا تصمد تحت راية بعدها.

وهنا وبعد أن تخلت قيادات في الحركة الإسلامية عن واجبها، وانشغلت تيارات بقضايا لا أولوية لها في الواقع الدامي، كان واجب العلماء أن يقرروا بوضوح ما هو الميدان الذي يجب أن يبدأ منه الجهاد الحقيقي، وأن يسارعوا بالتواجد فيه.. وما هي الراية التي يجب أن يُحشد الناس تحتها، وأن يسارعوا برفعها ليراها الجميع دون مواربة، وأن يجيبوا بوضوح: هل سوريا نقطة انطلاق أم منصة استنزاف؟ 

وإذا كانت ميدان الانطلاق، فهل يليق التعامل معها بهذه العبثية؟! فأين حشد الأمة للجهاد فيها؟ وأين الإعداد؟ وأين دور العلماء في توحيد الفصائل وإعلان الجهاد الوجوبي على الأمة بوضوح وجلاء؟ وأين تصدرهم لهذا المشهد؟ أم مازالت النظرة لسوريا إقليمية، وأنها شأن داخلي، رغم أن كل دول العالم تلعب في المونديال السوري على أنقاض وأشلاء المسلمين؟!!

وإذا لم تكن سوريا هي الميدان والراية فلما لا يبذل العلماء جهدهم لوقف النزيف، واستثمار تلك الطاقات في الميدان الحقيقي، وإعدادها ليوم الفصل، وليحددوا أين ذلك الميدان، ويعدوا الأمة لهذا اليوم القريب.

فهل ميدان الجهاد الآن هو سوريا، أم فلسطين، أم مصر، أم اليمن، أم العراق، أم كل هؤلاء معاً؟ خاصة أن العدو في كل تلك المناطق واحد، وإن اختلف اسمه أو دينه أو لغته.

وهل لتحديد ميدان الجهاد ونقطة الانطلاق علاقة بأحاديث نهاية العالم، أم أن تلك الأحداث منفصلة عنها؟

نجيب على هذه الأسئلة في المقال القادم بإذن الله تعالى.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023