ظل الوفاء سمة تتميز بها كتائب “القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس” عن غيرها؛ فقد أثبتت، خلال محطات جهادها، أنها الوفية لشعبها الذي دفع بخيرة أبنائه للالتحاق بصفوفها، كما أثبتت وفاءها تجاه شهدائها قادةً وجندًا؛ فحافظت عليهم أحياءً وواصلت مشوارهم وهم شهداء، ولم تغفل القسام يومًا أولئك الذين ضحوا بزهرات شبابهم من أجل حرية شعبنا وقضيتنا الأسرى الأبطال؛ فكانت عنوان الوفاء لهم وهي تحاول تارة بعد أخرى أسر الجنود الصهاينة لمبادلتهم بأسرانا الأبطال حتى قدر الله أن تكون عملية أسر الجندي شاليط والتي انتهت بصفقة وفاء الأحرار يوم تنفس أكثر من 1000 أسير من خيرة أبناء هذا الشعب الحرية، بعد أعوام من الصبر والمفاوضات غير المباشرة أثبت خلالها الشعب الفلسطيني تتقدمه كتائب القسام أنهم عنوان للوفاء فتحملوا الحصار والحرب من أجل الحرية لأسرانا.
واليوم، وبعد تسعة أعوام على عملية “الوهم المتبدد”، تطل علينا كتائب “القسام” بحلقة جديدة تحمل وفاءً للراحلين ورسائل للمُحتلين؛ حين بث الموقع الإلكتروني للقسام خبرًا مفاده (بقرار من القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف.. سمح بالنشر في الساعات القادمة تفاصيل جديدة عن دور ثلة من شهداء القسام في العملية الأضخم والأكثر تعقيدًا في تاريخ الصراع مع العدو، عملية احتجاز الجندي شاليط التي دارت فصولها على مدار أكثر من 5 سنوات)، حبس الجميع أنفاسه بانتظار ما ستعلنه الكتائب، وانتشر الخبر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، فالأمر يتعلق بواحدة من أعقد العمليات التي خاضتها المقاومة تخطيطاً وتنفيذاً واحتجازاً ومفاوضات وصولاً ليوم الحرية للأسرى، وبقيت الكثير من فصول تلك الحكاية طي الكتمان لكن لقطات نشرتها الجزيرة بداية العام للقائد الشهيد محمد أبو شمالة وهو برفقة شاليط فجرت تساؤلات كبيرة حول ما يحتويه الصندوق الأسود لدى الكتائب وقدرتها على إدارة الحرب الإعلامية والاستخباراتية ضد الاحتلال ببراعة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصراع مع المحتل.
سمحت إذًا كتائب “القسام”، وبقرار من قائدها العام، بنشر أسماء ثلة من القادة الشهداء الذين بعثوا الأمل في شعبنا وأسرانا، نشرت الكتائب أسماء المجاهدين الذين شاركوا في احتجاز شاليط طوال خمسة أعوام في رسالة وفاء لهم ولذويهم وتأكيدًا على دورهم الجهادي الكبير فإن كانوا هم خلال مسيرة حياتهم أوفياء في الحفاظ على شاليط حتى تحرير الأسرى ومواصلة الوفاء بالكتمان بعد انتهاء الصفقة فإن القسام يرد الجميل بالجميل والوفاء بالوفاء بعد استشهادهم ورحيلهم.
كما أن سماح القسام بنشر هذه المعلومات عن شهدائها يحمل رسائل واضحة للاحتلال الصهيوني؛ أهمها الفشل الكبير الذي مُنيت به أجهزة الاستخبارات الصهيونية؛ فغزة بشريطها الضيق وموقعها الجغرافي الذي يُعتبر (ساقطًا أمنيًا) نجحت في الاحتفاظ بالجندي الصهيوني خمسة أعوام، ليس هذا فحسب؛ بل نجحت أيضًا في إبقاء الكثير من تفاصيل احتجازه معلومات تتحكم قيادة “القسام” بها، وهي وحدها من تسمح بنشرها في التوقيت والزمان المناسب.
كما أرادت الكتائب التي بدأت العام 2015، ببث مشاهد لشاليط برفقة القائد الشهيد محمد أبو شمالة، أن تختم العام بإعادة فتح ملف الجنود الصهاينة المفقودين في غزة وتحريكه عبر تذكير المجتمع الإسرائيلي بسنوات الأسر التي عاشها شاليط وكيف أن قيادة الاحتلال رضخت في النهاية لشروط المقاومة وإرادة الشعب وصبر الأسرى الأبطال.
أضف إلى ذلك أن القسام اختارت توقيت بث هذه المعلومات بعد استشهاد القائد الميداني عبدالرحمن المباشر، بعد انهيار نفق للمقاومة على الحدود الشرقية لخان يونس في رسالة تأكيد على أن قادتها وأبنائها يواصلون طريق الإعداد والجهاد وأنهم لم يركنوا للدنيا، كما أن التهدئة لا تعني بالنسبة لهم إلا فرصة للإعداد والتجهيز للمعركة القادمة.
الرسالة الأهم من وجهة نظري التي أرادت أن تبعث بها قيادة القسام مع نهاية العام الحالي للاحتلال وقادته، أن نفس المقاومة طويل، وأن عام أخر لجنودكم المفقودين في غزة قد بدأ وأن المقاومة كما صبرت على أسر شاليط أعوام طويلة قادرة أن تصبر أكثر من ذلك حتى تحرير الأسرى وهي تُدرك أن الاحتلال في النهاية سيرضخ لشروط شعبنا، وأن اللعب على وتيرة الوقت ليس في مصلحة الاحتلال وجنوده ولكم في شاليط أسوة حسنة تقول قيادة “القسام”.