شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

أمن عدن.. التحديات والصعوبات

أمن عدن.. التحديات والصعوبات
بينت الأيام القليلة الماضية وضعية "الجنوب" على أنه بلد لن يستقر وستسوده التناقضات السياسية والأيديولوجيات القاسية وليدة التجربة، ولعل ما يجري خلف الكواليس وما يحدث من احداث في عدن وما يصاحبها من أزمات -لم تطفو على السطح بعد

بينت الأيام القليلة الماضية وضعية “الجنوب”  على أنه بلد لن يستقر وستسوده التناقضات السياسية والأيديولوجيات القاسية وليدة التجربة، ولعل ما يجري خلف الكواليس وما يحدث من احداث في عدن وما يصاحبها من أزمات -لم تطفو على السطح بعد -إلا تعبيرا عن توتر لا ينبغي تجاهله، ينذر بدخول البلاد في المجهول ومخاطر الفوضى، كما افرزت وضعا غير مطمئن تنام في اعماقه عاصفة شديدة تترجمها عدة ظواهر ابرزها هشاشة المسيطر الفعلي على مفاصل البلاد الامنية والعسكرية والمدنية، بالإضافة إلى ملامح ظهور جماعات مسلحة غير معلومة الولاء، وما سيرافق ذلك من تحولات بنيوية في طبيعة الحكم ستؤدي لا محالة الى تبلور طبقات سياسية منفصلة عن المجتمع نفسه، ومنها ستولد ازمة ثقة بين المواطن والنخبة وفقدان الثقة بين النخب وفقدان الثقة بين المكونات.

بعدما شهدت عدن فاجعة اغتيال محافظها جعفر محمد سعد التي وقعت في وقت كنا بأمس الحاجة إليه وإلى شجاعته ووطنيته، وادخلتنا -الحادثة- في تفاصيل درامية دامية، جعلتنا في حيرة تمطرنا بوابل من علامات الاستفهام والتعجب، عزينا أنفسنا بالمحافظ الجديد ومدير أمنه اللذان نكن لهما كل التقدير، لما قدما من تضحيات من أجل عدن وما جاورها، وأصبحنا على يقين بأنها –عدن- ستكون في خير بعهدتهما، إلا أن ما كنا نرجوه لم يكتمل، وما كنا نحلم به لم يتحقق بعد، فما يحدث على الارض يؤكد وجود شرخ عميق في الجهاز اﻷمني -العتيق اصلا- وقيادته الجديدة، مع هشاشة ملحوظة في كافة البنى الامنية التي يتم العمل عليها في أكثر من مكان، في ظل تحديات أمنية متعددة الاوجه والمصادر، فما زالت عدن تأن من ألم مصائبها المتتابعة، جراء التفجيرات والاغتيالات التي طالت خيرة أبنائها واقتنصت أعز شبابها، باﻹضافة إلى وجود تشويش في قنوات التواصل مع الرئاسة التي نأت بنفسها بعيدا وكأن اﻷمر ﻻ يعنيها. ما أوجد تساؤلات عديدة لدى المهتمين، وكان التساؤل الابرز “ماذا يحدث في عدن؟” يحير الكثير من العقول والالباب. 

ماذا يحدث في عدن؟ وكيف يحدث ذلك فيها وهي العاصمة المؤقتة للبلاد، ومقر إقامة الرئيس هادي باﻹضافة إلى كونها مقر قيادة قوات التحالف؟ هل ما يحدث في عدن هو فعلا نتيجة غياب الأمن؟ ام أن ما يحدث فيها أكبر مما نتوقع؟ حيث يرى الكثير -أنا منهم- أن هناك مؤامرة للقضاء على أهم الشخصيات ورجال الدولة، وأبرز الرموز الوطنية الجنوبية التي تصدت لصالح والحوثي، وتملك رصيد ضخم من حب الجماهير واحترامها، فيجري الان تصفيتها بدم بارد.

في حقيقة الأمر لا نستبعد شيئا، فما نراه مستحيلا يصبح ممكنا في زمن التناقضات العجيبة، فوجود الرئيس هادي في العاصمة عدن كان يفترض أن يجعل منها قلعة حصينة ضد أي عمل تخريبي يزعزع أمنها واستقرارها، كما يفترض أن تكون في أعلا مستويات الجاهزية الأمنية، وعلى أهبة الاستعداد للتصدي لأي استهداف قد يطال الشرفاء والوطنيين، لكن ظهر أن وجود هادي كان سببا للكثير مما حدث وسيحدث من عمليات إجرامية وتخريبية في عدن بقصد إحراجه، وإفشال كافة الجهود التي تبذل من المعنيين وعلى وجه الخصوص الجهود الإماراتية، وعكس صورة قاتمة ومهزوزة عن حقيقة تحرير عدن.

لقد استطاع النظام السابق أن يفرخ الاف المرتزقة المأجورين والعملاء المندسين في عدن، وتمكن من تكوين شبكة خطرة عبر أجهزته السرية والمعلنة كالقاعدة، وداعش، وبعض العناصر التخريبية من قبائل الوسط والأطراف الموالية، التي يحركها وقت الحاجة وعند الطلب، بالإضافة إلى تجذير مفهوم الدولة العميقة التي تدين له بالولاء المطلق في كل أجهزة ومؤسسات الدولة، ولم يسلم الجهاز اﻷمني لعدن من هذا الوباء، ولم ينجو من هذه العاهة التي جعلته في شلل تاام، وعجز كلي عن التصدي لأبسط التهديدات الامنية.

إن أهم التحديات الأمنية في عدن تلك الموجهة من الجماعات الارهابية التابعة للأجهزة الامنية السرية لصالح، والتي لن يكون بمقدورنا القضاء عليها بالطرق البدائية او التقليدية، فما زالت الاتصالات مخترقة، ومازالت هذه الجماعات تعمل بلا هوادة، وسوف تستمر في اقتناص كل الشرفاء مالم يتم التخلص من جهاز المخابرات القديم بكل عناصره والياته وتقنياته وإدخال شبكة اتصالات حديثة ومستقلة، وتدريب الكفاءات من شباب المقاومة الجنوبية الذين دافعوا عن عدن وقت الشدة، لتكوين جهاز مخابرات قوي، يعتمد عليه في كشف الجريمة قبل وقوعها، والتصدي لأي اعمال ارهابية قبل حدوثها في المستقبل القريب.

اليوم وبعد اكتمال تحرير عدن من عبث مليشيات صالح والحوثي، لم تكتمل عملية تطهير أجهزة الدولة فيها من كل المفسدين وعصابات النظام السابق، فالجهاز الأمني فيها ما زال كما وضعه صالح، نفس اﻷفراد والوجوه والهيكل، ولم تطاله يد التغيير والتحديث والتطهير، ومهما غيرنا أو بدلنا في “رأسه” لن نحقق شيئا، وستبقى الصعوبات والعوائق -نفسها- حقائق مؤكدة، بالإضافة الى الجماعات المسلحة التي ظهرت لتدافع عن أرضها وعرضها في عدن عندما تخلى عنها الكثير وتركوها عرضة للسلب والنهب والدمار، والتي لن تسلم أسلحتها بسهولة، وستبقى حجر عثرة أمام كل الخيارات التي تهدف إلى بسط نفوذ الدولة على كل المؤسسات مالم يتم تطبيق قرار ضمها الى الجيش والأمن الوطني بلا استثناء، كما ان الوضع الامني المتدهور سيساهم في استقطاب جماعات مسلحة من الخارج، وسيغري الكثير من جماعات العنف على الظهور واكتساح الساحة على حين غرة. 

إذاً.. لن يكون بمقدور عيدروس ولا شلال أو غيرهما أن يتجاوزا بمفردهما كل هذه العقبات، مالم يقوما بعملية تغيير جذري وشامل للكادر البشري في الجهاز الأمني، والبدء بضم أعداد مؤهلة من عناصر المقاومة الجنوبية إلى الامن، والشروع في تحديث العمل اﻷمني بما يتواكب مع تطلعات الناس في المحافظة، وبما يحقق القضاء على التحديات الامنية الرهيبة، عبر ادخال اﻷجهزة المتطورة، والتقنيات الحديثة وخاصة في مجالات الاتصالات والمراقبة والتفتيش والتحقيق، وإعادة فتح اﻷقسام في كل المديريات، وتفعيل الدوريات اﻷمنية المزودة بأحدث المعدات، ومحاولة الاستفادة من خبرات الدول الشقيقة كدولة الامارات العربية المتحدة، التي لها خبرة ذكية في الجانب الأمني، كما يتوجب على المحافظ ومدير الأمن التحرك بأسرع ما يمكن، وفي كافة اﻹتجاهات، والعمل مع محافظ لحج لتأمين بوابة عدن الشمالية، والشمالية الغربية والتي تقع على نقاط التماس مع العدو في كرش والصبيحة، وتطهيرها من الجماعات الإرهابية، واﻹعتماد على عنصر المفاجأة لكبح جماحها وشل حركتها.

لا شك ان حجم التحديات كبير، والعراقيل والمعوقات كثير، وعلى المحافظ ومدير أمنه ان يدركا أن في عدن من لا يعلمون حقيقة الامر فيها، وهم غير مستعدين ليتفهموا الصعوبات والتحديات التي يواجهونها، ولن يكون بمقدور أحد أن يلومهم أو يعاتبهم، فهم قد سئموا هذا الوضع وضاقوا بهذا الحال ذرعا، فأي تأخير في تحقيق اﻹنجاز اﻷمني على الواقع، سيؤدي بالضرورة إلى وجود حالة من السخط والفوضى ربما تتسرب مظاهرها إلى الشارع في المستقبل القريب. وعليهم ان يدركا أيضا أن الأمور ستتجه إلى الأسوأ ما لم يتم التعجيل في بناء جهاز المخابرات الفاعل، وتطهير الجهاز الأمني المخترق أصلا، وسيجدون صعوبة بالغة في اﻹمساك بزمام اﻷمور في وقت قياسي، فما زال المتآمرين والمندسين والانتهازيين يتربصون بعدن الدوائر، ويعملون بكل الوسائل لنشر الرعب والموت، في محاول للتقليل من أهمية تحرير عدن، ورسم صورة مغلوطة عن اﻹستقرار فيها.

هناك من يراهنون على فشل قيادة محافظة عدن، لكننا نراهن على قدرتها في إخراج عدن من محنتها، ونحث الجميع في عدن على التعاون مع الجهات ذات العلاقة ﻹرساء اﻷمن واﻹستقرار وعدم التستر على أي عنصر شاذ، ورفض أي املاءات وعدم الخضوع للابتزاز والاستغلال من الجماعات والاطراف مشبوهة الولاء، وممن ينتحلون صفات شرعية أو رسمية، والتصدي لكافة الانتهازيين والمندسين والمدلسين والذين يسرهم إبقاء الوضع  قلقا ومضطربا في عدن، ويسعون إلى نشر الفوضى والقلاقل فيها. 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023