سيدي يا رسول الله في البدء أعتذر إليك يا سيدي لأن هذه هي المرة الأولي التي أكتب فيها عنك ربما لاستصغار شأني في الكتابة عنك، وعلي كل حال لن يضر جاهك سواء أخط قلمي عنك أو لم يخط إليك
سيدي يا رسول الله صلوات الإله عليك للأسف يا سيدي لا نتذكر سيرتك العطرة إلا في شهر مولدك وفي كل عام نحييها بما شئنا من حفلات ومهارج ونلتهم ما لذ وطاب من طعام ونتلو سيرتك الشريفة بطريقة رأسية مكررة دون أدني استفادة منها أو من تعاليمك ،لن نتعلم أبدا أن نتلوها بصورة أخري علنا نعرفك حق المعرفة،نعم لم نعرفك حق المعرفة، فأنا أزعم أن الملايين من أتباعك لا يعرفوك، هم فقط علمونا سيرتك في مدارسنا كحكاية جميلة دون تفنيدها للاستفادة منها حق الاستفادة، قالوا لنا أنك كنت تبتعد وتتعبد في غار حراء ، ولم يقولوا لنا كيف كنت وحدك تتأمل بؤس العالم وشقاؤه ،وحدك تطل من علياء الجبل علي هذه الدنيا التي تتجه نحو الهاوية، وحدك يا سيدي في غارك كنت تتألم من ظلم الإنسان واستعباده لأخيه الإنسان ، وحدك أنت كنت تري بحر الحياة المتلاطم بالمفاسد والرذيلة ووحدك كنت تنتظر الخلاص وتخليص العالم من شروره وآثامه .، وما مكة يومها إلا كونا مصغرا لشرور العالم وآثامه وأوهامه ، كنت يا سيدي في غارك تتأمل بعينين حزينتين وقلب منفطر حتى أتاك يقين الوحي ،
لم يعلمونا في مدارسنا إحداثيات زمن الصبر والتسامح في مكة لم يقولوا لنا عن هذا العذاب المعنوي والجسدي اليومي الهائل لأتباعك حتى من أقرب الناس إليك لم يقولوا لنا كيف طلقت بناتك وحوصرت في شعب من شعاب الجبال ولولا بقية من عصبية لأهلك لتركت وأتباعك حتى يهلك من معك جوعا ، ومع هذا كنت قائما تصلي بعد كل هذا وتدعوا اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، لم يعلمونا أي حزن يفترس قلب الرجل حين تموت رفيقة دربه (خديجة رضي الله عنها )ومورد حنانه وموئله الروحي أي شعور يعتريه حين يدخل بيته فلا يجدها ينظر إلي فراشها ومتاعها ويتنسم ريحها وهي التي كان إليها يأوي من مطاردات قريش وسفهاءها فلا راحة في الخارج ولا أنيس الآن في بيته .. لم يقولوا لنا كيف كان حزنه علي عمه وهو من كان عظيما في قومه ذو منعة وإباء وان الرجل مهما بلغ به العمر في مجتمعاتنا ليأنس إلي أبيه أو عمه كأنه لا يزال صغيرا.
تذهب إلي الطائف فيقابلك السفهاء بحجارتهم فتأوي إلي ركن وتناجي ربك (إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي لك العتبى حتى ترضي ( ومكة تلك البلدة التي دخلتها يوما محاطا بالأتباع والخيل والركاب دخلتها يا سيدي ساجدا علي بعيرك متواضعا مسامحا الجميع ثم طهرتها وانصرفت بلا حقد أو ضغينة حتى من الذين قتلوا أقرب الناس إليك. وفي المدينة تؤسس دولة قوامها العدل لا فرق فيها بين مؤمن بك وكافر ، تواجه خصومك بشجاعة ونبالة لا تخون عهدا ولا تقطع وعدا ولا تحيا حياة الملوك وإن الملوك يومها في فارس وروما ليحكي الركبان بما هم فيه من رفاهية عيش ومتاع ولو اخترت أن تكون ملكا نبيا ما كنت بدعا يا سيدي من الأنبياء.
لم يعملونا يا سيدي أنك في بيتك كان يمر الشهر والشهر الذي يليه ولا يوقد فيه نار من أجل طعام جيد ، تنام علي الحصير حتى يعلم في جسدك الشريف ويترك علاماته وأي بيت كنت تسكنه ؟هي مجرد حجرات من طين لا أساس فيها ولا متاع فأي نفس عظيمة كنت.
لم يعملونا أنك كنت دائم الأحزان متصلها يموت بنوك أمامك واحدا تلو الأخر وبنو بنوك فتتحمل ذاك الحزن بصبر رهيب فأي نفس عظيمة كنت.
لم يقولوا لنا كيف حررت المرأة من عبودية الرجل لتعبد ربها قدما بقدم مع أخيها الرجل (النساء شقائق الرجال ) حررت ذمتها المالية وتساوت مع الرجل في الثواب والعقوبة (كانت يومها المجمعات الكنسية تبحث هل المرأة كائن بروح أم بلا روح فضلا عن تحميلها شرور العالم ( وعلمت العرب فنون معاملة النساء بنبل ورقي (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم ورفقا بالقوارير(
أخيرا يا سيدي تضيق العبارة والمساحة ويتسع المقام وأخر ما سأقوله إلي حضرتك :أمتك في شر حال وأبعد ما تكون عن تعاليمك ..أمة تداعت عليه الأمم فتداعت علي نفسها …دماء يا سيدي في كل مكان أراها أينما وليت وجهي ، دماء تحاصرني ، ويرن في سمعي حديثك لحرمة دم المسلم أشد عند الله من الكعبة فأبكي ألما وأصمت .