مساء الأحد الماضي كنتُ محاصراً في عملي بصور وموضوعات وقفشات عن برلمان العسكر في نسخته الإنقلابية الأولى، والدورة الثانية للبرلمان الشرعي المصري، برلمان 2012م، في دورته الانعقادية الثانية باستطنبول، أنظر في الأول فأرى المفارقات المُرّة الأكثر من معروفة:نائب “يُضبطُ “نائبة، وأعتذر عن اللفظ، يسألها عن اسمها، معناه، ويثني عليها بلغة ليست كالتي نعرفها، وإنما كتلك التي تعود عليها مراهقو كوبري الجامعة، وآخر يسب في ثان قال إنه سيقسم على طريقته وليس له دعوة ب”25 يناير”، ويُثني بالقسم بالطلاق ليرد عليه مخرج خارج من فضيحة من العيار الثقيل، اللهم سلم، بإنه سيحلف، ويحلف المخرج عليه بالطلاق ليحلف، أو يحلف كلاهما بالطلاق على الآخر، ونائب السب الأول يقول إنهم “هيطلعوا ميتين أبونا”، وموظفون يسألون عن وجبات الطعام، وتجمع للنواب في منتصف القاعة لوجود شبكة محمول، وأخرون يلوحون للكاميرا التلفزيونية، وقرار بوقف نقل الجلسات على الهواء مرة ثانية.
رحم الله أحد أعضاء البرلمان عن دائرة إقامتي بالقاهرة الكبرى، وكنتُ قد لجأت إليه في إحدى أبرز المعضلات التي قابلتني في حياتي العملية بحمد الله، طردي من عملي لتدخل جهة رأت إنني لا “اشرب” ولا “أصاحب حريماً” فلماذا أعمل في مكان “سيادي” هكذا قيل لي وله لما راجعنا المسئول عن إبعادي، ليلتها توقف تحت “كوبري الدقي” القريب من المكان وأتى ب”سندويتشات” من مطعم مشهور وقال لي بخليط من الاستهجان والاستكانة والدعابة:
ـ هل تعرف ماذا يعني لديهم معنى إني “…” بمجلس الشعب؟!
فشل الرجل فيما بعد في المهمة لأسباب اعتقد إن فيها ما يخصني بالمقام الأول وكرر عليّ مقولة كوبري الدقي ..
هذا ما يتعلق بالممارسة السياسة الممكنة أمام ملايين المصريين منذ 1886م، ولكن كم نسىء في مصر استخدام ما هو متاح، أو يتم إعطاؤوه لنا في صورة بالغة الفساد، أما هذا البرلمان بالتحديد، فصورة من صور إنعدام الضمير المطلقة، إذ إن “تورتة” الإنقلاب تم تقسيمها على مراحل، فمن المشاركين بقسوة من تم تعيينه وزيراً، ومنهم من نال منصباً من رئيس مجلس إدارة بمؤسسة أو شركة وحتى غفير، ويكفي الجميع عودة “الطغمة” او “ميغة” الفساد التي كان اعتادها بعد التخلص من الإخوان الذين كانوا يهددون تلك العروش الفاسدة، ولو شكلياً، ويجىء البرلمان في النهاية مكآفأة تكميلية لدى أشباه الرجال الذي لم يؤثر في تكوينهم مشهد الدم، أو يهزهم الموت والاصابة والاعتقال .. ولم يكن لديهم من ضمير من الأساس، أو مكآفأة لمن لم ينل مكآفأة حتى الآن..!
على أن أهم هذه التفاصيل لدي إن هذا البرلمان ما جاء إلا بسبب “خيباتنا” نحن الثوريين بخاصة الإسلاميين، فلطالما قلنا إن النصر قريب يحلق فوق الرؤوس، وهو كذلك لكن ليس في مثل هذه المواقف..، مع تحفظي على كلمة نصر هذه، ومحبتي لكونها إنفراجة أو ما شابه، فإننا إن كنا نعيّب على غيرنا الزج بمصر كلها في آتون صراع رهيب، فليس من الحكمة أو العقل بمكان أن نبادله نفس الشعور، وما غياب الحكمة عنا إلا أحد أسباب ما وصلنا إليه، ثم التوهم وعدم إنزال الأمور منازلها، والدخول في معترك رئاسة لم يكن الأليق ولا الجدير بجماعة الإخوان الدخول فيه، وحتى الآن يتأخر الحل لعدم قدرتهم على إدراك اللحظة الراهنة التقدير الحسن الجيد الذي يثبت أمام أنفسهم إنهم فهموا الدرس، ويُري رب العزة منهم خيراً..
ما كان البرلمان على هذا النحو إلا لخيبتنا الشديدة من آسف، لو لم نكن كثوريين كذلك لما استطاع معتوه مثل قائد الإنقلاب السير ببلد بحجم مصر حتى الآن .. وقياداتها و”اشتغالنا” بالتفاهات من جلسة البرلمان الأولى وما قبلها وما سيليها..
أما قمة المأساة فالبرلمان الشرعي إذ يجتمع في استطنبول ليخاطب ما لا أدريه بصراحة، ويقوم 20 من نوابه من نومهم صباحاً متجهين إليه .. ولم يسأل أحدهم نفسه ما قيمة ما سيقوم به اليوم عملياً، كفى تشبثاً بالأحلام وبلدكم عن بكرة أبيه يُباد، حلمتم حتى استقر البلد للسيسي بعد مسرحية انتخابات رئاسية، ومئات الألوف من أوامر الضبط والإحضار الجنائية، وبعد أن فشلتم في إدارة بلد لم تكونوا مؤهلين لا لإدارته ولا للتصدي له، ووصلتْ الأمور لمبتغاها بالظلم والقهر .. فيما غادر منكم من غادر ليكمل الحلم بالخارج ..
مع الفارق عاب البعض على سيدنا عثمان بن عفان اموراً .. راجعهم فيها بعض المخلصين بعد وفاته، رضي الله عنه، فكان مما قيل إن سيدنا عمر وقبله أبو بكر كانا يهبطان درجة عن المنبر الخاص بالرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو لم يهبط، فقال الحكيم .. لو استمر كل حاكم يهبط لكان حاكم اليوم، والقصة أظنها كانت في الدولة الأموية، يخطب من “بئر” ..
أخشى أن يجيء يوم قريب نتمنى فيه صلاحاً لمصر لكن من بئر ..!
اللهم إنك مخلف الظنون!