أيها القارئ الهمام ، لقد منحت نظارتين من أجل ان ترى العالم بهما و لك الإختيار بينهما ففي النظارة الأولى ستتفاجأ و تصاب بالكثير من الإحباط سترى من خلال نظارتك التي ترتديها عالما محطما مكسورا ينفرد بجنباته لون السواد ، تتناثر في كل الأماكن جثث و دماء و ألام و ستعتقد للحظة أن العالم شارف على نهايته و أن عليك الجلوس و الإستكانة و انتظار الموت البطيئ ، ولن تبخل عليك هذه النظارة بالأخبار بل ستجود عليك بالكثير من الأخبار المجنونة التي تفقدك صوابك لقتامتها وسوء تأثيرها في نفسك ، دعني أخبرك سرا عزيزي القارئ لن تجد أبدا أصدق من هذه الحقيقة فالعالم لا يشجع كثيرا على التوغل فيه و المضي للعيش في أحضانه و لعل بطل فيلم Green mile جون كوفي الفتى الضخم كان محقا عندما فضل الإعدام على الحياة مع البشر ، لابد انك كنت ترتدي النظارة المشؤومة يا جون فقادتك الى الكرسي الكهربائي .
من المرجح انك تتطلع الى النظارة التالية بعد ان ضاق صدرك من الأولى ، دعني أخبرك ان الأمر لن يختلف كثيرا بينهما ولكنك أنت الذي يجب أن تتغير و تغير العالم من حولك ، انت الذي تصنع رؤيتك للحياة و تصنع الواقع الذي يناسبك ، وددت من خلال هذه المقدمة ان يعرف الكثير من الشباب انهم مستسلمون يرضون بالواقع كما هو و لا يسعون ابدا الى تغييره ، لا يسعون الى مغالبة الواقع بل ينهزمون عند أول لقاء ، لا بأس في الأنهزام فقد يليه انتصار ولكن لا تنكسر عند اول نازلة فعندها تكون القاضية ولست أجد سببا في أن نتخلى عن أحلامنا التي نحن بصدد العيش من أجل تحقيقها ، الحياة قضية و حلم و إلا فليس هنالك فروق بيننا وبين الحيوان أن تعيش لقضية و لتحقيق حلم فهو أمر بالغ القدسية ، هل تتذكرون تشاك دونالد في فيلم Cast Away صور الفيلم ملحمة بين الإنسان و ضراوة الحياة ، كان صراعا محموما من أجل البقاء و العودة الى الحياة بعد خمس سنوات من النفي القصري و الوحدة القاتلة ولكن تشاك عاد من جديد ليثبت للجميع ان الإنسان أقوى من جبروت الطبيعة و من الملمات و المحن .
تشارلي شابلن
سنحكي في هذا النص حكاية أشبه بقصص الروايات و الحكايا المضنية ، أو كما قال هو نفسه لقد كنت فعلا إحدى شخصيات تشارلز ديكنز الروائية ولكن لم تكن بين الاوراق و الكتب بل في ضواحي لندن الفقيرة انها ضاحية ” والوورث ” و قد جمع الفتى بين أم مومس و أب مدمن على الكحول كادح فقير ، يذهب الفتى الى الملجأ لعدم وجود مكان يأويه بعد انفصال والديه و بعد الملجأ يمتهن الحلاقة حتى يتحصل على بعض القوت ليومه ، عاد الفتى “شابلو ” ليعيش مع أمه بعض الوقت ولكن للظروف القاهرة قررت التخلي عن رعايته هو أخوه و ارسلتهم الى دار رعاية حكومية ثم الى مدرسة للإيتام المعدمين ، هانا أم ” شابلو” كانت تعاني ادمانا فضيعا في الكحول ما ادى بها في النهاية الى مصح للأمراض العقلية ، هل هناك أقسى من هذه الطفولة ,, لا اعتقد . في عمر الرابع و العشرين سافر مع أخيه الى العالم الجديد أمريكا حيث لاحت له فرصة الضهور لأول مرة حيث كان اللقاء مع شركة كريستوف للإنتاج السينمائي ، وقدا بدا تشارلي في اطلالته الأولى كالطفل الصعلوك ، بسروال واسع و حذاء كبير و لباس بائسة و تعلو محياه إبتسامة رائعة ، أعتقد ان تشارلي شابلن كان يعرف ان كل الألام و الأعداء سيسقطون أمام ابستامتك لهذا كان يقول : لدي الكثير من المشاكل ولكن شفتايا لا تعلمان بذلك لأنهما دائمتا الإبتسامة ، الذي يتمعن في حياة شارلي شابلن سيعرف أن كل مأسيه و متاعبه و أحزانه كانت أعظم هدية تمنح له ، لقد كانت الطريق الحقيقي نحو هدف تصفح الكلمات الذهبية التي كتبها وهو يدون مذكراته قائلا ” لقد عملت بائعا للجرائد ، و عامل مطبعة ، وصانع ألعاب ونافخ زجاج و ساعيا لدى الطبيب لكن وسط كل هذه المغامرات المهنية ، لم يغب عن نظري يوما هدفي النهائي وهو أن أصير ممثلا هزليا ” وكذلك كل الذي غيروا العالم و كتب التاريخ لأجلهم مروا بمراحل التأديب و الترتيب في حايتهم و كأنهم وضعوا مسابقة للتجارب النفسية و الإجتماعية القاسية هدية الإجتياز هي تحقيق الأهداف .
توماس أديسون ، ألبرت أنشتاين ، جون جاك روسو ، فولفغانغ أماديوس موتسارت ، مارتن لوثر كينغ ،موهانداس كرمشاند غاندي ، والت ديزني ، بيل غيتس و غيرها من الأسماء التي تغنت بهم الكتب و ذكرهم الناس لإنجازاتهم وعبقريتهم ، ولكننا في الغالب لا نعرف الا الجانب الباهر من حياتهم ، نتكلم فقط عن النجاح الذي حققوه ولكننا نتغافل عن الإحباط و الفشل و الخذلان في حياتهم ، حري بي و بك ايها القارئ ان نستقبل الملمات و النكسات بإبتسامة عريضة لأن النعم غالبا ما تأتينا في ثوب النقم و المحن . حري بنا أن نقاتل و نصارع في هذه الحياة حتى بلوغ الغاية ، طبعا يجب ان تكرر ما قاله محمود درويش : قف على ناصية الحلم وقاتل .